اللسان أن يجد بين الألفاظ المهذبة الرقيقة ما يليق بنعتك وصفتك! وبين صيحة الثورة الفرنسوية إذ علا بها ضجيج الثوار في قصر الإمارة يصيحون إلى السلاح: إلى السلاح. ولا يحسب الحاسبون أن هذه الصيحة الزعجة الجهنمية كانت شيئاً حقيراً أو باطلاً! كلا إنما كانت صوت الأمم النائمة هبت من رقاد كاد يخنقها أثناءه الكابوس - نعم صوت الأمم هبت من حالة بين الرقاد والموت. فبدأت تشعر أن الحياة شيء حق. وأن عالم الله ليس بمكينة تساس بالدهاء والمكر وتدبر بعلوم الاقتصاد والرياضة. نعم لقد هبت فأرسلت صيحة جهنمية - وإنما أتت جهنمية لأن طغاة الملوك وعتاة الحكام أبو ألا أن تكون كذلك. لقد هبت الأمم وقالت لا بد للأباطيل والأضاليل أن تنتهي ويخلفها نوع من الإخلاص كيفما كان. ولا بد لنا من عودة إلى الحق ولو جرت علينا أهوال ثورة فرنسية وجلبت على رؤسنا شر الفظائع وأشنع البلاء. هذه هي الثورة الفرنسوية - هي كما ترون حق ولكنه حق ملتفع في شواظ الجحيم ولظي جهنم! -.
وكان قد ذاع لدى جماعات كثيرة من أهالي إنكلترا أن الأمة الفرنسوية كانت في تلك الأوقات (أوقات الثورة) قد جنت. وإن الثورة الفرنسوية كانت صنفاً من الجنون تحولت فرنسا وفرق عظيمة من سكان المعمورة أثناءه مارستانا. ذلك كان رأي العدد العديد من الإنكليز وفلافستهم أن الثورة كانت حريق جون شب ثم خمد وأصبح الآن في عالم الأحكام والأوهام والقصص والعجائب. والنوادر والغرائب! فليت شعري كيف كان وقع الثورة الثانية - ثورة 1830 في نفوس هؤلاء الفلاسفة الذين حسبوا أن الثورة الأولى كانت فلتة جنون وبيضة الديك وإن حديثها أصبح كحديث الخرافات لا يكاد يصدق؟ ماذا كان شعورهم حينما رأوا فرنسا قد ثارت ثانية إلى السلاح تكافح كفاح المستميت تذبح وتُذبح. وكل ذلك لتؤيد الثورة الأولى وتحفظ آثارها وأجدادهم ويأبون إلا تمسكاً به وإصراراً عليه. هم لا يبرأون منه إلى الله. بل يعملون على حفظ أثره. واستنتاج ثمره. باذلين الدماء والأرواح في سبيل ذلك. ولعل في هذا الحادث (حادث الثورة الثانية) أكبر مصاب لأولئك الفلاسفة الذين أسسوا مبدأهم وشادوا مذهبهم على أن الثورة الفرنسوية فلتة جنون تبرأ منها فرنسا ولا يعود بها الزمن أبدا. نعم إن في ذلك الحادث نكبة لأولئك الفلاسفة حتى لقد ذاب قلب الأستاذ المؤخ الألماني نيبور كمداً وتقطعت نفسه حسرة لما بلغه نبأ هذا الحادث. ثم اعتل