فأخذ ذهنه يتيه في شعاب الوهم. ويفقد الرشد. وأخذ يسائل أأصابه مس من الجن أم تغيرت الأرض غير الأرض.

ولكن هذه قريته لم يتركها إلا عشية أو ضحاها. هذه جبال كاتسكل ممتدة الأعناق وهذه صفحة الهدسون الفضية تعج هناك. وهذه الأباطح والأودية والربى كما كانت.

ذلك ما حيره وأذهل لبه. وجعله يمضي متلدداً متحيراً يقول لنفسه ويحي أن قوارير الأمس قد ذهبت برشدي.

وانبعث يطلب السبيل إلى داره. فوجدها بعد عناء وتعب، ودلف إلى داره في خوف ورهب. متوقعاً أن يسمع في كل خطوة صوت زوجته وصياحها. ولكنه رأى عندها رسماً محيلاً وطللاً عافياً، سقوفاً متهدمة؟ ونوافذ متدنية متكسرة. وأبواباً متخلعة متداعية يطوف بها كلب جائع غائر الوجه كأنه كلبه. فناداه باسمه. ولكنه نأم إليه وكشر عن نابه منطلقاً. فكانت منه الطعنة النجلاء. والنكبة النكباء. وتابع رب طريقه متنهداً يقول لنفسه وأهالي. حتى كلبي قد نسيني. .

ودخل داره. وكانت مدام ولكل نقوم على تنظيفها وتعهدها. فإذا هي خاوية على عروشها. خالية من أهلها. فغلب خراب الدار على مخاوفه الزوجية. فصرخ بأعلى صوته ينادي زوجته وبنيه. فدوت الحجرات المهجورة بصدى صرخاته. ثم عاد السكون كما كان.

فخرج مسرعاً يريد معهده القديم إزاء النزل. فإذا هو قد عفت آثاره. واندرست رسومه. وقام في مكانه بناء خشبي يريد أن ينقض. كثير الشرفات كثير النوافذ. سدت ثلماتها بالقلانس الخلقة. والأوشحة البالية. وقد كتب على الباب فندق الاتحاد لصاحبه جوناثان دولتل ووجد بجل السرحة التي كانت تظل النزل الهادئ القديم بأفيائها. عموداً ممدواً. في رأسه شيء أشبه بقبعة حمراء. يلوح فوقه علم خفاق رسمت عليه نجوم وخطوط.

كل ذلك كان غريباً عند رب غير مفهوم. على أنه تبين عند الشارة وجه الملك جورج الثالث القرمزي. وطالما دخن تحت صورته وجلس. ولكنه رأى هذه أيضاً تغيرت وتطورت وتبدلت السترة الحمراء سترة زرقاء. واستحال الصولجان في قبضته سيفاً، وجللت الرأس قبعة هرمية الشكل، وكتب تحت الصورة بحروف كبيرة الجنرال واشنطن!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015