تلوى فروعها وأعراشها. وتمدها من دوحة إلى دوحة. وسرحة إلى سرحة. وتحول بينه وبين طريقه بشباكها وحبائلها.

وانتهى به السير حيث الوادي يتفتح عند قرجة بين الصخور مقتضية إلى الأخدود على أنه لم ير لهذه الفرجة أثراً باقياً. بل رأي الصخور متطالة الأعناق قائمة كأنها السور المنيع. يتحدر فوقها النبع متعثراً في صفحة مزبدة من الماء، دافعة إلى حوض غائر القيعة تبسط أشجار الغاب فوقه رواق ظلالها.

هناك وقف رب لا متقدم له ولا متأخر، ينادي كلبه صريخاً وصفيراً، فلا يجيبه إلا نعيق سرب من الغربان صافات في الجو حول شجرة يابسة. قائمة فوق هاوية متألقة. كأنها من أمانها تنظر إلى المسكين وتسخر من حيرته.

وماذا هو لعمرك صانع؟. . هذا الصبح يتولى مظهراًَ. وهذا الجوع يقتله ألماً أحزنه أن يحتجب عنه كلبه وتتبدل بندقيته غير البندقية. ولئن هاله أن يلقي زوجته. فلا يغني عنه جوعه بين الجبال والربى.

فأطرق رأسه حزيناً، وتنكب البندقية الصدئة، وعاج على طريقه إلى الدار حزين الفؤاد مهموماً.

فلما اقترب من القرية. لقي جمعاً من الناس. ولكنه لم يعرف فيهم أحداً. فأخذت منه الدهشة مأخذها. فقد كان يظن أنه ما من رجل في هذه النواحي إلا وله به معرفة. ورأى زيهم غير زيه. ولباسهم غير لباسه. وكلما استقرت عليه أبصارهم. وضعوا أيديهم على لحاهم. حتى اضطر أن يفعل فعلهم. ولكن لشد ما كان عجبه إذ بصر بلحينه قد بلغت قدماً!.

وهذا هو الآن ملم على أرباض القرية. يمر على ترب من الأطفقال يعدون خلفه ضاحكين. ويشيرون إلى لحيته الشائبة مازحين. والكلاب. وكان عهده بها تعرفه. نهر إليه وتنبح في أثره.

رأي القرية نفسها قد تبدلت معالمها وحلت رسومها. وأصبحت أعمر من قبل حالاً. وأكثر نفيراً. ورأى صفوفاً من المنازل لم يرها. وبيوتاً طريقة لم يعرفها. ولم يجد المقام القديم. والدور المعهودة. وقرأ فوق الأبواب أسماء غريبة، ولمح في النوافذ وجوها جديدة وإذا كل شيء في البلد غريب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015