الشراب. وكان من طبعه ذا روح ظامئة صدياً. حرضته على معاودة اختلاس الجرعة بعد الجرعة. وكلما اشتف رشفة منها طالبته الأخرى. وما زال بالفوارير يعاودها حتى لعبت بحواسه سورة الخمر: وزاغ منه البصر. وتدلى رأسه فوق صدره ولم يلبث أن راح في سبات عميق.

فلما صحى من سكره، وجد نفسه عند الربوة الخضراء في البقعة التي رأى فيها شيخ الوادي ففتح عينيه فإذا الصبح مشرق والشمس ساطعة. والأطيار متزية فوق أرائك الشجر وفروع الدوح. وإذا النسر محلق في الجواء، طائر في نسمات الضحى العليلة، فقال في نفسه لا شك إنني لم أثم هنا طول الليلة الماضية وأخذ يذكر ما وقع له قبل سباته. يذكر الشيخ الغريب ودنه. والوادي وصخوره، وجماعة الدبابيس التسع وهو لهم. وقوارير الشراب وحمياها. ودعل يقول ويح هذه القوارير. ولعنة الله عليها. أي عذر أقدم لزوجتي. وأي شفيع يشفع؟.

والتفت حوله يلتمس بندقيته. ولكنه وجد بدل البندقية النظيفة الناعمة اللامعة بندقية عتيقة مرمية بجانبه. علتها طبقات من الصدأ. وقد تساقط زنادها: ونخرت الأرضية خشبها. فظن أن جماعة الجبل أرادوا مداعبته ومماجنته. فأسكروه من شرابهم. ثم سرقونه بندفيته.

ومالو ولف قد احتفى عنه واحتجب. أم لعله في أثر الستجاب أو طراد الحجل. فجعل يصفر له ويناديه باسمه. ولكن سدى. وردد الصدي صفيره وصريخه. على حين لا كلب ولا هرير.

فاستقر رأيه على أن يعود إلى ملعب الأمس فإذا لقى أحداً من الجمع أهاب به أن رد على كلبي وبندقيتي. ثم استوى واقفاً يريد مسيراً. فإذا به يشعر بتوتر في مفصله. وتراخ في قواه، فأخذ يحدث النفس ويقول أن نضاجع هذه الجبال لا تصلح لي ولا أصلح لها: ولئن رجعت من ملهاتي هذه بعلة النقرس. فسيكون لي شان مع مدام ونكل. وأي شأن!.

فبعد لأي هبط الوادي فاهتدى إلى الطريق الذي كان بالأمس يركبه في صحبة الشيخ. ولكنه عجب اذرأى غديراً مزبداً فضفاضاً ينبع هناك، طافراً من صخرة إلى صخرة. واثباً من ثنية إلى ثنية. مالئا الوادي خربراً وهدبراً. فتنكبه. وانطلق يسير في طريق غير سوى ويمشي بين دوح الصفصاف والبندق والغار. ويعارض سبيله عروش الأعتاب البرية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015