مقابلة
حول الفقه والتفقه
حوار مع الشيخ علي بن سعيد الغامدي
زار المنتدى الإسلامي هذا الصيف الشيخ الدكتور علي بن سعيد بن علي
الغامدي فكانت فرصة للحوار حول الفقه والتفقه.
* البيان: نرحب بكم في المنتدى وشكراً لزيارتكم، وفي البداية نود إعطاء
القارئ لمحة عن حياتكم العلمية:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
درست المرحلة الجامعية في كلية الشريعة بالرياض، أما الدراسات العليا الماجستير
والدكتوراه ففي كلية الشريعة بالأزهر، والعمل الآن في جامعة الإمام محمد بن
سعود الإسلامية، بين كلية أصول الدين وكلية الشريعة ثم المعهد العالي للدعوة في
المدينة المنورة، وإلى جانب ذلك فإني أدرس في المسجد النبوي الشريف.
* البيان: ما هي المادة التي تدرسها في المسجد النبوي؟
مادة الفقه، أدّرس كتاب (منار السبيل) وقد أنهينا منه جزءاً طيباً ولله الحمد..
* البيان: ما دمنا بدأنا الحديث عن دروس الفقه، فما رأيكم بطلاب العلم
الذين يحضرون دروسكم في المسجد؟
لا شك أن الناس في حاجة ماسة إلى الفقه لأن الفقه يمس حياتهم، فهم
محتاجون إليه في كل شيء، والناس في وقتنا الحاضر والحمد لله يقبلون على
الخير وعلى العلم، ولكن هم أنواع وأقسام، فمنهم من يود التفقه بأسرع وقت ممكن، وهذا صعب المنال، ومنهم الملتزم الذي يستطيع الإقبال بجد وعلى النفس الطويل، ويتواضع لله ثم لأهل العلم، ويلازم حلقة التدريس ويسأل عنها، عدد هؤلاء قليل
ولكنه مبارك إن شاء الله، ويتميز هؤلاء بالحضور المبكر وحسن التواضع
والاستماع والمناقشة سواء في أثناء الدرس أو بعد الانتهاء. وهناك آخرون من
عامة الناس يحضرون في المناسبات وتشدهم بعض الدروس فيستمعون ويستفيدون.
* البيان: بالنسبة لهؤلاء الطلبة الذين يداومون هل ترون أنهم إذا أنهوا كتاباً
معيناً فإنهم يصبحون أهلاً لتمكن المعرفة والتعليم؟
ليس كل الطلاب، فالقليل الذي يدرك المسائل التي درسها واستفاد منها،
وهذا نادر لأن مراجعاته مثلاً تكون جيدة ومستمر مع الكتاب وهؤلاء ظروفهم صعبة
لانشغالهم بالدروس الأخرى.
* البيان: بدأنا الحديث عن حلقات العلم ودروس المساجد، هل ترون تعميم
هذا الأمر، أعني الرجوع إلى حلقات الدرس المعروفة في تاريخ المسلمين، لعلها
تعطي فائدة أكثر من المدارس العادية؟
بدون شك إن الرجوع للحلقات العلمية في المساجد هو طريق صحيح، لأن
الدراسة بالمسجد يحيط بها جو روحاني، والشيء الثاني أنه لا يأتي إلى الحلقة إلا
طالب علم محب للعلم، أما الدراسة النظامية في الوقت الحاضر فقد أصبحت
مفروضة على الناس، ومَنْ لا يتجاوز هذه المراحل فإنه لا يستطيع شق طريقه في
الحياة، ويمكن الجمع بين الأمرين وهو إخلاص النية في الدراسة في الكليات ثم
يضم إليها حلق العلم في المساجد.
* البيان: ما هي الخطة التي اختطها لنفسك في درسك بالمسجد النبوي،
فلعله يستفيد منها من يود إعادة هذه الحلقات إلى المساجد؟
الخطة كانت حسب الوقت المتاح. قراءة كتاب (منار السبيل) ، يقرأ الطالب
جملة صغيرة وشرحها بما يسر الله من ذكر الحكم والأدلة، وأحياناً نشير إلى
الخلاف. وعندما ينتهي الطالب من القراءة أبدأ في عرض المسألة وأبين الحكم
الذي عرض وإذا كان هناك تعريف أشرحه، وإذا كان هناك تأصيل بذكر الأدلة من
الكتاب والسنة والإجماع أذكره.
وكذلك أذكر أحياناً حكمة الشارع في مسألة من المسائل من غير تكلف،
وأتعرض لما يثار حول هذه النقطة أحياناً من خلاف له ثمرة وخلاف له دليل، أما
الخلاف البسيط أو الذي دليله ضعيف فأتركه لأن إثارة الخلاف في هذه المسائل
ليس فيه مصلحة. ومع معرفة الحكم والدليل فإنه إذا عرض خلاف قوي ودليله
أقوى مما ندرس وهو على مذهب الإمام نختار الأقوى وما هو أقرب إلى الدليل بعد
بحث مستفيض قبل المجيء إلى الدرس، ثم هناك جانب آخر وهو التوجيه والدعوة
من خلال النصوص التي تعرض المسألة، فإن جو المسجد النبوي أو أي مسجد هو
جو تربوي.
* البيان: إذا كان هناك مسألة في مذهب الإمام أحمد وهناك ما هو أرجح
منها في المذاهب الأخرى أو عند العلماء المعتبرين هل تبينون للحضور أنها مسألة
مرجوحة؟
لا شك في هذا لأن طبيعة دراستي كانت في الفقه المقارن، ولقد اطلعت بحمد
الله على الأقل على أصول كل مذهب من المذاهب، وكما هو معلوم فإن هذه
المذاهب أخذت من الكتاب والسنة، وكان لكل إمام أصوله التي أصل عليها وله
رأيه المعتبر، فأحياناً نميل إلى قول غير قول المذهب الحنبلي، وإذا كان هناك
مسألة من المسائل في فقه الخلاف نعرض لما اختاره الأئمة المحققون الذين جمعوا
الأقوال وجمعوا الأدلة واختاروا، فنحن نستأنس بذلك أيضاً، ثم ننظر في حال
المستفتي وحال الواقعة وحال الزمن الذي يعيش فيه، فلا شك أن هذه الأشياء
مرجحات لمأخذ القول، والمهم أن يكون هذا القول مبنياً على الدليل الصحيح.
* بعض الناس يرون أن هذه الكتب (كتب المذاهب) تعود الطالب على
التعصب ويجب الرجوع إلى كتب فقه الحديث مباشرة مثل: نيل الأوطار، أو سبل
السلام ... فما رأيكم؟
هذا في نظري غير صحيح، والسبب هو أن هؤلاء العلماء ما وصلوا إلى
هذه الشروح إلا بعد أن درسوا كتب المذاهب ومروا بحلقات العلم، ولهذا نجد أنهم
في كتبهم وشروحهم يذكرون الأقوال ويناقشون الأدلة، وهذا دليل على أنهم مروا
بهذه المرحلة، وهذا في نظري هو الأفضل، فلا بد أن يصعد الطالب درجة درجة، طبعاً مع تزوده من الكتاب والسنة وشروحها، كأن يأخذ الطالب مختصراً من
المختصرات ثم يقرؤه على شيخ ويطالب بالدليل، والمطالبة بالدليل ظاهرة
صحيحة، ولا يبأ بالمقارنات وهو ما زال في أول الطلب، فإنه ليس أهلاً لهذه
المقارنات، وفي هذه الحالة يستطيع أن يؤسس نفسه على الأقل.
* البيان: ولكن كيف نستطيع التخلص من موضوع التعصب المذهبي وفي
الوقت نفسه نستفيد من الفقه الإسلامي الذي هو ثروة عظيمة للأمة الإسلامية؟
لا شك أن هذا الكلام كلام صحيح، ولعلّ الشوكاني -رحمه الله- ممن دعا
إلى هذا في كتابه (طلب العلم) وغيره، لكن يجب أن ندرس الظروف التي ظهرت
فيها مثل هذه الفتاوي، ولقد وقع التعصب المذهبي فعلاً إلى درجة أنه يتوقف عن
أخذ الدليل الذي يعتبر مخالفاً لقول إمامه ولا يتراجع عن رأيه الخطأ، ويقول: لقد
فرغ الإمام من دراسة الأحكام واستنباطها، فلم يبق لنا في الكتاب والسنة إلا القراءة
للبركة! وهذا عين التعصب. ولكن كما ذكرت، الاستفادة من الفقه الإسلامي
الموجود أمر ضروري جداً كمرحلة أولى، والأصل مع الدليل، ولكن يؤسس نفسه
أولاً، وكل العلماء السابقين كانوا يقولون: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ويقولون: خذوا مما أخذنا منه، لكن بشرط أن نصل إلى المرتبة التي تؤهلنا لذلك، والكتاب
والسنة والحمد لله ميسران، ولكن النصوص فيها عام وخاص، ومطلق ومقيد،
وفيها أيضاً محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فليس لنا الحق في أن نأخذ مثلاً
بالمنسوخ ونجلس وننتظر فترة من الزمن حتى نعرف الناسخ مع أننا نستطيع أن
نصل إليه في وقت يسير بالعلم والتعلم.
* البيان: سمعنا أن لكم جهوداً في دراسة كتاب (المغني) لابن قدامة، هل
لكم أن تحدثونا عنها؟
الجهود هي دراستة اختيارات ابن قدامة -رحمه الله-، وهي موضوع رسالة
الدكتوراه، كانت حول فقه الخلاف، وهذه المسألة أرجو أن أكون قد استفدت منها
أولاً لنفسي وأنني أخرجت شيئاً من الفقه المحرر المجموع، وذلك بأنني أستعرض
المسألة، وليس كل مسائل الخلاف، ولكن أهم مسائل الخلاف، مثلاً آخذ رأس
المسألة ثم أذكر أقوال أهل العلم من كتبهم الخاصة المعتمدة عندهم وأشير في
الهامش إلى المراجع، وأحاول أن أحرر المذهب نفسه لأنه أحياناً يكون في المذهب
نفسه أقوال وروايات، وإذا قلت: قال الشافعي أو مذهب الشافعي فإنني أرجع إلى
أصوله كالأم مثلاً، ثم بعد ذلك أستعرض الأدلة من كتب المذاهب الموجودة وأجمع
أدلة هذا القول. ثم بعد ذلك أستعرض القول الثاني وأذكر أدلته، ثم أذكر اختيار
ابن قدامة وما مال إليه من الأقوال، وقد يكون لي أحياناً موقف معين، لأنني لا
أكتفي بهذا بل أدرس رأي المحققين: كالخطابي، وابن عبد البر، وابن تيمية،
وابن دقيق العيد، وكذلك مثل ابن القيم، وابن حجر، رحمهم الله جميعاً، هؤلاء
جمعوا الأقوال وأدلتها وناقشوها، فقد يكون لي أحياناً موقف يتناسب مع ظروف
الوقت الحاضر، كما في إحياء الموات بالنسبة للكافر، والشفعة وما أشبه ذلك،
فيكون لي رأي يخالف الشيخ أميل فيه لبعض آراء الآخرين لمصلحة تتحقق.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (يتبع)