مجله البيان (صفحة 97)

أين بواكيكم يا أهل المخيمات؟ !

إعداد. محمد أحمد عبد الله

نقلت جريدة التايمز البريطانية في عددها الصادر في 11/2/1987 تقريراً -

كان قد مضى عليه أكثر من أسبوع - لأحد مراسليها عن الوضع في المخيمات

الفلسطينية المحاصرة في لبنان، تقول فيه:

(على بعد أقل من 200 ياردة من الخط الأمامي الذي يفصل بين الفلسطينيين

الذين يموتون جوعاً وبين أتباع حركة أمل الذين يتمتعون بمستوى مرض للمعيشة

في برج البراجنة، كان يقف بائع متجول عارضاً انبرتقال والبطاطس وأنواعاً

أخرى من الفواكه والخضار للبيع.

ومن المحتمل أن يكون الفلسطينيون قد سمعوا صوت البائع وهو ينادي على

سلعه على وتيرة واحدة، وإذا كان زعماؤهم المسلمون قد أفتوهم بجواز أكل اللحوم

االبشرية كملجأ أخير، فإن المواد الغذائية اللازمة لسد رمقهم لم تكن أبعد من مكان

تلك العربة القديمة. وباستثناء إطلاق النار المتقطع، فإن الحياة في المحيط المجاور

للمخيم الفلسطيني المحاصر طبيعية تماماً) .

وجاء في تقرير وقع من جانب فريق طبي أجنبي يعمل في داخل المخيم: ... (الوضع حرج وغير إنساني. فلا يوجد هنا دقيق ولا طعام طازج، ولذلك فإن

النساء الحوامل والأطفال يعانون من سوء التغذية. ويتناول الناس هنا أطعمة قديمة

مما يجعلهم يتقيأون ويصابون بالإسهال.. والمياه يتم الحصول عليها من خلال

حنفيات في الشوارع مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر بسبب تبادل إطلاق النار،

والعديد من النساء أصبن بالرصاص على أيدي القناصة أثناء محاولتهن الحصول

على الماء لأفراد أسرهن) .

ونذكِّر هنا كل مسلم بأن إسرائيل والولايات المتحدة هما وراء حرب لبنان منذ

البداية، وأن حزب الكتائب كان أحد عملاء إسرائيل في تنفيذ المؤامرة، وأن

المسلمين السنة بشكل عام، والفلسطينين منهم بشكل خاص هم المستهدفون في هذه

المؤامرة.

وقد خرجت إسرائيل بعد اجتياح لبنان عام 1982، وأخذت أطراف طائفية

محسوبة على الإسلام تنفذ ما تريده إسرائيل في لبنان. ومنذ ذلك التاريخ، وحتى

الآن والاعتداءات الوحشية على المخيمات لم تنقطع.

ولا شك أنك - أخي المسلم - على ذكر من المذابح التي ارتكبت في: تل

الزعتر، وصبرا، وشاتيلا، والبداوي، ونهر البارد، وطرابلس.. غير أن هذه

المذابح تجددت قبل أربعة أشهر في مخيمات شاتيلا، وبرج البراجنة، والرشيدية

التي يقطنها حوالي 40 ألف فلسطيني بحصار أصبح فيه سكان المخيمات معزولين

تماماً عن الحياة وعن العالم الخارجي وبلا مأوى أو كهرباء أو ماء أو أدوية أو مواد

غذائية.

وبذلك أصبح الوضع في المخيمات الفلسطينية المحاصرة مأساوياً بكل معنى

الكلمة. وأخذت أنباء الرعب تصل إلى دول العالم، التي لا تكاد تصدق ما يحدث

للمدنيين العزل من نساء وأطفال وشيوخ.

وطبقاً لتقديرات المصادر الرسمية اللبنانية فإن حرب المخيمات الفلسطينية في

لبنان أسفرت حتى نهاية الأسبوع الثاني من فبراير عن مقتل أكثر من 850 شخصاً

وإصابة حوالي 1800 آخرين بجروح.

وكما تقول التايمز (11/2/1987) : (فقد تسربت تقارير تبعث على الرعب،

عن الحياة داخل المخيمات المحاصرة، سواء عن طريق اللاسلكي، أو قصاصات

الورق التي جرى تهريبها عبر خطوط الميليشيات المحاصرة. ولم يدخل أي

مراسل صحفي أجنبي أو لبناني المخيمات من أجل التحقق من التقارير الخاصة

بالأطفال الذين يتضورون جوعاً) .

وهكذا امتد الحصار إلى التعقيم الإعلامي وعدم السماح بدخول المراسلين

الصحفيين، وبرغم قلة ما تسرب من أخبار عن هول الفاجعة التي نقلها بعض

المراسلين الأجانب؛ فإنها أذهلت العالم مما يحدث من تجويع الآلاف وإهلاك العزل

من الأطفال والنساء والشيوخ. وهؤلاء الذين كتبوا التقارير من المراسلين الأجانب - كتقرير جريدة التايمز- ليسوا متعاطفين مع الفلسطينيين لكنها فضولية صحفي أو

إنسانية، كما يقولون.

وقد أدت الأعمال الوحشية التي حدثت لسكان المخيمات الفلسطينية إلى

استنكار عالمي؛ حيث قام الكثير من الهيئات الدولية الإنسانية والحكومية من

جميع أنحاء العالم تطالب بإنهاء هذه المأساة بأي شكل من الأشكال.

ففي نيويورك دعا مجلس الأمن الدولي إلى وقف حرب المخيمات فوراً وإنهاء

الحصار والسماح لشاحنات الأمم المتحدة المحملة بالأغذية بدخول المخيمات فوراً

[فرانكفورتر الجماينة 14/2/1987] .

وفي باريس طلب الرئيس الفرنسي من حكومته إرسال مساعدات غذائية

وطبية فورية للمخيمات. وفي بون قدمت الحكومة الألمانية الغربية مذكرة احتجاج

ضد مذبحة المخيمات في لبنان إلى سفير إحدى الدول العربية التي تجمع حول

سفارتها 50 نائباً برلمانياً ومسؤولاً من أحد الأحزاب الألمانية مطالبين بفك الحصار

عن المخيمات الفلسطينية في لبنان [القبس الدولي 12/2/1987] .

كما استنكرت بريطانيا استمرار محاصرة المخيمات الفلسطينية ودعت كافة

الأطراف إلى وقف القتال الدائر حول المخيمات.

وأعلن المستشار النمساوي أن بلاده سترسل معونة غذائية وطبية عاجلة إلى

مخيمات لبنان.

ومن المضحك المبكي أن إسرائيل التي تدعم الأطراف المحاصرة للمخيمات

الفلسطينية أعربت عن استعدادها لإرسال مساعدات لسكان المخيمات المحاصرة!

وطالب أحد أعضاء المعارضة في الكنيست الإسرائيلي بإرسال مواد إغاثة فورية

إلى المخيمات الفلسطينية [فرانكفورتر الجماينة 14/2/1987] .

ومن المحزن أننا لا نجد مواقف جادة في بلادنا العربية والإسلامية لإنقاذ

إخواننا في المخيمات. وما يطلق من تصريحات لا يقصد بها سوى مواقف سياسية!

ولكي نقف على الجحيم والكابوس المتصل لإخواننا في المخيمات -كما تقول

[لبراسيون الفرنسية 10/2/1987] : ننقل فيما يلي روايات الناجين من هذه المذبحة:

امرأة تقول: أتمنى أن لا يعيش أي إنسان الأيام التي عشناها؛ كنا نموت

ببطء، هل تعلم ما معنى الحصار؟ الجوع والقصف اليومي والموت والجثث

والروائح المميتة؟ [القبس الدولي 19/2/1987] .

فارس علي الخطيب طفل في العاشرة من عمره قال وهو يتحدث بلهجة

حزينة وبريئة ومؤلمة: «لم أعد أحتمل الجوع ولم أعد أحتمل صراخ وبكاء

إخوتي الصغار الذين أصبحوا أشبه بهياكل عظمية، ولم أعد أحتمل أصوات

انفجارات القنابل والقذائف التي تتساقط علينا كالمطر» وأضاف قائلاً: «لقد

حاولت مع بعض الأطفال الآخرين الهرب من الحصار، ولكن اثنين من الجنود

أوقفونا ومنعونا من الخروج، وقالا لنا: (كلوا أصابعكم فلن نسمح لكم بالخروج) .

وفي اليوم التالي سمح لقلة من الأطفال وأنا من بينهم بمغادرة المخيم المحاصر حيث

رافقنا عدد من رجال الميليشيات المدججين بالسلاح، وأيدينا مرفوعة إلى أعلى،

وتوجهنا إلى أحد المستشفيات في منطقة مار إلياس في بيروت الغربية.

ويبدو أن أحد رجال الميليشسيات تعرف عليّ لأنه كان أحد المسلحين اللذين

حالا دون هروبنا من المخيم في اليوم السابق، ولهذا اقترب مني وأخذ يمعن النظر

كما لو أنه تذكر هو الآخر شخصيتي، ولكن بحركة عفوية اختبأت وراء أحد

الجدران وأنا أرتعد من الخوف ومن شدة البرد ومن الجوع والألم، وتنفست

الصعداء حين اضطر هذا المسلح إلى التوجه إلى مكان آخر لمراقبة عملية إيصال

بعض العائلات الفلسطينية إلى مار إلياس.

ويقول الطفل محمد قصاب البالغ من العمر 9 سنوات، والذي نجح مع زميله

فارس في الهرب من الحصار المفروض على المخيم:» لقد اضطرنا الحال إلى

قتل الكلاب والقطط، وقمنا بطبخها كما لو أنها لحوم البقر أو الغنم لسد جوعنا.

وأضاف: إن الجوع جعلنا لا نفرق بين البقر ولحم الكلاب باستثناء أن طعم لحم

الكلاب والقطط كان مالحاً بعض الشيء « [القبس الدولي 23/2/1987عن دير

شبيغل] .

وتقول زينة المغربي (19 عاماً) وهى ترقد على سرير بأحد المستشفيات:

» أصابتني رصاصة في معدتي ولولا ضرورة إجراء جراحة لما كنت تركت ...

المخيم «.

وقالت كاملة عبد السيد (20 عاماً) :» إن رصاصة قنص أصابتها أثناء

قيامها بنقل مياه من أحد الآبار إلى المخبأ الذي تقيم فيه داخل برج البراجنة.

وأضافت قولها: لم أستطع أن أخرج سوى واحدة فقط من بناتي الصغيرات الثلاث

من المخيم. والاثنتان الأخريان لا تزالان هناك «.

وقال الطفل بسام البالغ من العمر سبع سنوات وقد اغرورقت عيناه بالدموع:

» لا أريد أن ألعب. إنني جائع لم يكن في المخيم ما نأكله سوى الحشائش «.

ويصف محمد نصار (15 عاماً) محنة إخوانه في مخيم برج البراجنة فيقول:

» كنت جائعاً ورأيت بعض الأشخص يأكلون كلباً. لم أستسغ الفكرة ولكن لم يكن

أمامي خيار يذكر «ويمضي قائلاً: غلينا الكلب ثم ألقينا بالمياه بعيداً وشوينا

الحيوان في العراء. كان مذاقه مراً للغاية ولكن..» [القبس الدولي 16/2/1987] .

وقال كريم عوني وهو في العاشرة من العمر: «بينما كانت عناصر

الميليشيات المحاصرة لنا يوزعون عليهم فطائر بالزعتر، كنا نقتات بالحشائش من

الأحواض الصغيرة» وأبلغت والدته الصحفيين: «الكلام عن أن بعضنا أكل لحم

القطط والكلاب صحيح. لقد شاهدنا رؤوس هذه الحيوانات وسط النفايات» .

وكان فريق طبي أجنبي يعمل في مخيم برج البراجنة قد ذكر أن الفلسطينيين

اضطروا لأكل الجرذان والقطط والكلاب للبقاء على قيد الحياة بسبب الحصار

الطويل. وقالت حسنة الخليل وهي أم لثمانية أطفال: «عندما ينتهي مخزون عائلة

من الحليب فإنها تشارك جارتها ما لديها من حليب حتى لا يبقى عند العائلتين أي

شيء» [القبس الدولي 14/2/1987] .

ويقول أحد الأطباء الكنديين العاملين في مخيم شاتيلا: إن وسط المخيم أصبح

أشبه ما يكون بمزبلة هائلة. واللجان المسؤولة عن إدارة شؤون المخيم أرغمت

الجميع على قص شعورهم ورش أنفسهم بمادة (د. د. ت) من أجل قتل البراغيث. ...

ولا يوجد هناك أي غذاء. ومياه الشرب ملوثة بمياه المجاري مما أدى إلى

ظهور حالات من مرض «التيفوئيد» .

وقال أحد الفلسطينيين: «هناك مجاعة كاملة في مخيم الرشيدية فالسكان لا

يجدون أي شيء داخل المخيم. وحتى الأعشاب قد نفدت، فقد أكلوها. وهم

يحاولون الآن التسلل إلى خارج المخيم من أجل التقاط بعض النباتات الخضراء.

ولكن الثمن الذي يدفع في هذه الحالة يكون دم الصبية الصغار الذين يحاولون التسلل

بين الأشجار» [الغارديان 7/2/1987] .

نحن نستنكر الإرهاب وخطف أساتذة الجامعات ورجال الدين وغيرهم

وغيرهم من أي جهة كانت، ولكن لماذا يهتم العالم وتقوم الدول لإنقاذ هؤلاء

الرهائن ولا يتحركون من أجل الفلسطينيين المسلمين، وربما تكشف لنا الأيام بعد

فترة على أن هذه الدول التي تزعم محاربة الإرهاب وهي ضالعة فيه أنها

والمتأمرون كانوا يفتعلون قضايا من أجل إبادة الفلسطينيين المسلمين. إن الذين

سيبوءون بجريمة قتل الفلسطينيين وحصارهم حتى الموت صنفان من الناس:

صنف يشارك في هذه الجريمة فعلياً بجسمه وعقله وماله وسلاحه، تخطيطاً

وتنفيذاً.

وصنف واقف متفرج يراقب كل ذلك، وهو قادر على أن يفعل شيئاً، ولا

يفعل، إما تخاذلاً وإما تجاهلاً وتآمراً. والذي يخامر على المجرم شريك له في

الجريمة، هكذا قررت هذا المبدأ البسيط جميع الشرائع، سماوية كانت أم أرضية.

وليس ما يحدث إلا محنة للمسلمين، ودروس لهم، ليستخلصوا منها العبرة،

فيثوبون إلى رشدهم، وتنكشف الغشاوة عن عيون كثير منهم، ويستطيعون بعدها

تمييز الصديق من العدو.

وبعد ذلك فالظلم مرتعه وخيم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015