محاولة اختطاف الكوماندوس الإسرائيلي
أحمد موفق زيدان
بعد المحاولة الفاشلة التي قامت بها حركة حراس الثورة الإسلامية في
اختطاف سبعة كوماندوس إسرائيليين، من بينهم امرأة يهودية، قدموا لمساعدة
الجيش الهندي في ضرب الانتفاضة التي بدأت في أغسطس 1988 بعد هذا كله
يكون الصراع الكشميري قد وضحت معالمه أكثر وأكثر لمن كان في قلبه شك من
أن الصراع حضاري وليس مرتبطاً بقطعة أرض ولا تحده حدود، وعلى الرغم من
إعلان الهند بأن المختطفين سوّاح وليسوا عسكريين؛ إلا أن التقارير والظروف
تُكذِّب هذا الادعاء، فمنذ أشهر طويلة أعلنت الهند عن منع وصول السوّاح الأجانب
إلى كشمير، وطلبت الدول الغربية من رعاياها مغادرة الأماكن المضطربة في
كشمير والبنجاب الهندية والتاميل ونحوها، إضافة إلى أن مصادر المحللين
العسكريين في لندن أكدت أن الكوماندوس تدربوا لخمسة أشهر في فلسطين المحتلة، ثم توجهوا إلى نيبال والهند، وتقول هذه المصادر أن الكوماندوس أرادوا وضع
ألغام ومتفجرات على بعد 60 ميل عن المفاعل النووي الباكستاني في كاهوتا قرب
إسلام آباد لتفجيره عن طريق الرادار أو التفجير من بعد.
العامل اليهودي:
لم يكن وجود اليهود في كشمير شيئاً جديداً خاصة للمتابعين، فقد نشرت البيان في أحد أعدادها مقالاً بعنوان (تعاون هندي إسرائيلي لقمع الانتفاضة في كشمير) وكشفت وكالة الأنباء الباكستانية مؤخراً أن وجود العامل اليهودي قديم من حيث التعاون المعلوماتي أو الإرهاب والتدرب. وقد أكدت مصادر المجاهدين في كشمير وجود أكثر من 350 كوماندوس يهودي يتعاونون مع الهند لضرب الانتفاضة الكشميرية، وتطمح إسرائيل من وجودها في هذه المنطقة الهامة إلى ضرب المفاعل النووي الباكستاني الذي تعد المحطة النووية الوحيدة في العالم
الإسلامي بعد ما حدث في العراق. والمفاعل الباكستاني هدف يهودي قديم وتقول
المصادر الباكستانية بأنه غدا هدفاً رسمياً يهودياً منذ عام 1986 عندما صرح رئيس
هيئة أركان العدو اليهودي الجنرال (رافائيل يتان) بأن لابد من تدمير المفاعل وأن
أي مصدر يهدد أمن الدولة اليهودية لابد من تدميره، مما يؤكد أن الصراع ليس
عربياً - إسرائيلياً وإنما إسلامياً يهودياً. وفي كتابه (الخدعة) قال عميل موساد ...
سابق: (إن الإسرائيليين يملكون كل المعلومات المتعلقة بالمفاعل النووي الباكستاني
والتي قدمها لهم (جوناثان بولارد) الجاسوس الإسرائيلي الذي قبض عليه الأمريكان
وهو يتجسس لصالح اليهود في نوفمبر 1985 وتحدثت فيها معظم الصحف
الأمريكية عن تسريب (بولارد) معلومات عن المفاعل النووي الباكستاني لإسرائيل.
وقد صرح مؤخراً (تشودري شجاعت حسين) وزير الداخلية الباكستاني
الفدرالي بأن عملاء الموساد تسربوا إلى باكستان لضرب المفاعل، إضافة إلى
البيان الرسمي الصادر مؤخراً عن المجلس الوزاري الباكستاني الذي أكد قيام عملاء
الموساد والهنود بإثارة الاضطرابات في البلاد لزعزعة استقرار البلاد.
وأيام الرئيس الباكستاني السابق (ضياء الحق) ذاعت شائعات بأن طائرات
يهودية تزودت بالوقود من دلهي لضرب المفاعل الباكستاني، وعقب (ضياء الحق)
على هذا بقوله: إنه لو حصل هذا فسيعتبر هذا اعتداء على باكستان ويؤدي إلى
حرب كبيرة وشاملة.
وفي تطور ذي علاقة بهذا الأمر وصل مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي
(إسحاق شامير) إلى الهند، وهذه أول زيارة علنية لمسؤول يهودي للهند منذ قيام
الكيان اليهودي. ومما يذكر أن وجود اليهود في كشمير أو غيرها كما حصل في
مساعدتهم للحكومة السريلانكية عام 1983 ضد المتمردين التاميل إنما يهدف إلى
الاقتراب من الحدود الباكستانية ودراسة إمكانية ضرب المفاعل.
أتواصوا به! ! اتبعت الهند استراتيجية قريبة من استراتيجية اليهود والروس
ومحاكم التفتيش في الأندلس في التعامل مع المسلمين، وأرسلت القيادة الهندية
خبراء كباراً لإسبانيا لدراسة السياسة التي اتبعها حكامها السابقون ضد المسلمين أيام
محاكم التفتيش، ووصل إلى هناك السياسي الهندي المتمرس (د. بي. دهر) وأعد
تقريراً مطولاً ومفصلاً بهذا الشأن، وتوجه بعدها إلى الاتحاد السوفياتي ليعين سفيراً
لبلاده هناك، ودرس أيضاً الأساليب الروسية (القياصرة والبلاشفة) في مقاومة
المسلمين، وبعد هذا خرجت الهند بضرورة محاربة التعليم الإسلامي، وطمس
هوية كشمير المسلمة ونشر التعليم العلماني وتشجيع الحركات العلمانية على حساب
الحركات الإسلامية خاصة بعد ظهور الحركات الجهادية التي يتردد بأن للجهاد
الأفغاني دوراً فيها، مما يؤكد على عمق التواصل التاريخي الحضاري.
ويقول الدكتور أليف الدين الترابي نائب أمير الجماعة الإسلامية لـ (البيان) :
«لقد أدركنا هذا منذ فترة طويلة فركزنا على التعليم وبناء مؤسسات تعليمية موازية
للمؤسسات الحكومية التي كانت تنتهج المنهج العلماني، ويطغى فيها تمجيد
معبودات الهندوس على حساب ديننا. ويضيف فيقول: لقد تخرجت من هذه
المدارس ولا أعرف الفرق بين معبودات الهندوس وبين الله تبارك وتعالى، حتى
وصل عدد المدارس والكليات التعليمية الإسلامية إلى 1200 مدرسة ابتدائية وثانوية
وكلية وقررت الهند فيما بعد إغراق البلاد بالفساد والفاحشة والإباحية وفصل الجيل
الحاضر عن ماضيه، وتشجيع الزواج من الهندوسيات، ولهذا كان لابد من التمايز
وإشعار الشعب الكشميري بهويته» .
والحركة الإسلامية بتعدد تنظيماتها أدركت خطورة هذا الوضع فهاجمت في
البداية محلات الخمور والفيديو والسينما ونحوها قطعاً للطريق على إفساد الشعب
الكشميري، ويقول الدكتور الترابي في تقريره عن الوضع: «لقد قامت الحركة
الجهادية بحرب حضارية على الحضارة الهندوسية عندما أغلقت وحطمت دور
السينما وبيوت الدعارة ومركز الخمور والملاهي حيث أغلقت جميعها في ديسمبر
1989» .
وبخصوص تشجيع الحركات العلمانية خاصة حركة تحرير كشمير المحتلة
بقيادة (أمان الله خان) فهي يسارية علمانية والبعض يتهمها بالعمالة، فقد ذكرت
صحيفة هندوستان تايمز الهندية يوم 1/9/1990 بأن عدداً من أعضاء حركة تحرير
كشمير انضموا لأحزاب المجاهدين وذلك لفقدان المعنويات وعدم توفر الأسلحة في
صفوف الحركة مما يدل على تخلى الشبان عن الإيديولوجيات غير الإسلامية التي
أثبتت عقمها طوال هذا الصراع المرير منذ عام 1947 والذي لم يكن عبثاً أن
يتزامن مع قرار تقسيم فلسطين، وكان أمان الله نفسه قد صرح في مقابلة صحفية
مع مجلة (الهيرالد) الباكستانية الصادرة في شهر فبراير (شباط) 1990 بأن الحل
العسكري غير ممكن ولابد أن يسود الحل السياسي.
أما الاعتقالات فتتركز على الأحزاب الجهادية خاصة حزب المجاهدين
صاحب القوة العسكرية في المنطقة. أما مجلة (اندياتودي) الصادرة في 30 سبتمبر
(أيلول) 1990 فقالت بأن المخابرات الهندية (Rصلى الله عليه وسلمW) ستقيم علاقات مع
الانفصاليين من حركة تحرير كشمير الحرة بزعامة أمان الله خان خاصة مع نائبه
المعين حديثاً حامد شكيل.
النظرة الهندية:
الاستراتيجية التي تسلكها الهند حالياً في المنطقة بشكل عام، وكشمير بشكل خاص، ليست وليدة الآن، وإنما استراتيجية وسياسة أملتها النظرة الحضارية الهندوسية الحاقدة على العالم الإسلامي بشكل عام. وتود الهند لعب دور هام وخطير في هذه المنطقة التي تضم مئات الملايين من المسلمين.
يقول الدكتور (إيس آزباتيل) وهو خبير سياسي هندي كبير في الخارجية
الهندية في كتابه (السياسة الهندية الخارجية) «يسود فراغ سياسي هائل في المنطقة بعد مغادرة الإنكليز، ويجب ملء هذا الفراغ، ومن الضروري للهند كونها قوة بحرية عظمى أن يتحول المحيط الهندي من سنغافورة إلى السويس إلى بحيرة هندية» .
ويعلق أحد الاستراتيجيين الهنود على تنامي قوة بلاده فيقول: «إن البناء
العسكري الهندي سيقنع العالم بمنح الهند الحق في الدبلوماسية الدولية» ويبدو أن
الاستراتيجية الأمريكية تريد للهند لعب مثل هذا الدور، ولكن لمدى معين، حيث
صرح قسم الدفاع الأمريكي في 8/4/1989 إنه يعمل على تطوير العلاقات
العسكرية بين بلاده والهند لأن الأخيرة تلعب دوراً مهماً في أمن واستقرار المنطقة،
وإنها دولة ديمقراطية عالمية وقائدة في منظمة دول عدم الانحياز ولذلك لم تظهر
الولايات المتحدة أي تبرم أو امتعاض حيال أربعة تدخلات هندية في دول المنطقة
وهي تدخلها عام 1986 بعملية (براستاكس) وفي 1987 بسيريلانكا، و 1988 في
مالديف وفي 1989 حاولت أن تتنَّمر على نيبال التي تعتبرها (مملكة هندية) وقد
علّق رئيس دول منظمة الكومنولث على تدخل الهند في سريلانكا بقوله: «تدخل
راجيف في سريلانكا سلام تاريخي» وأشادت مارغاريت تاتشر بالسرعة والأداء
الذي قدمته القوات الهندية في إفشال انقلاب مالديف عام 1988.
وتأكيداً لمسألة الدور المحدود الذي تريده أمريكا للهند وذلك ضمن دائرة نفوذها فقد صرح قائد القوات الجوية في البحرية الأمريكية الأدميرال (وليوم بندلي) «نحن نفهم أن للهند دوراً في المنطقة ولكن حتى الآن لم تظهر سبباً معقولاً لتنامي قوتها البحرية» ولكن لعل تصريح الدكتور (باتيل) الهندوكي المتعصب يجيب على تساؤل (بندلي) عندما قال في كتابه المؤثرات الجغرافية «إن مصالح الهند تقوم في المناطق القريبة مثل نيبال وباكستان وبنغلاديش وأفغانستان وبورما وماليزيا وإندونيسيا وسيريلانكا، وهي بلاد ضرورية لسلامة الهند، ولذا فمن الضروري جداً أن تسيطر الهند على خط سنغافورة قناة السويس لأنها بمثابة الباب الرئيسي للهند» ثم يضيف فيقول: «إن حاجة الهند إلى البترول يلح عليها بالالتفات نحو الجزيرة العربية والعراق، وإن الهند قوة بحرية عظيمة ومن الواجب أن يتحول المحيط الهندي من سنغافورة إلى السويس ليصبح خليجاً تملكه الهند» .
ولمن يحسن الظن بالهند والهندوس حتى الآن ننقل له القول المأثور عندهم في
كتاب الأب الروحي للهندوس وهو (جو تليه) الذي كان (نهرو) لا ينام إلا ويضعه
تحت وسادته يقول المثل: «إذا أردت قتل عدوك فأظهر له العلاقة، وإذا عزمت
على قتله فعانقه ثم اقتله، وحينها اذرف عليه الدموع!» .