محمد محمد بدري
قد نرى في الطرقات رجالاً يطاردون مجموعة من الأطفال لأن هؤلاء الأطفال قد نادوهم بألقاب معينة تثيرهم وتخرجهم عن وعيهم واتزانهم، فماذا- تظنون نظرتنا لهؤلاءالرجال؟ إننا نراهم حقاً جديرين بالرثاء لأن الأطفال استطاعوا أن يتحكموا في انفعالاتهم! !
وقد يذهب بعض الناس إلى إنسان يريدون إثارته فيذمون له رأياً أو يستخفون
بشيء من معتقداته حتى تغلي مراجل قلبه فيخرجونه عن سمته وهديه واتزانه..
لماذا؟ لأنهم كشفوا فيه موضع ضعفه فضغطوا على هذا الموضع ليثيروه، ولكن
لنفرض أن هذا الذي أراد الآخرون إثارته جاءه من يخبره بقصدهم فماذا ستكون
النتيجة؟ إن أغلب الظن أنه يستطيع بوعيه بقصدهم أن يتماسك أمام لعبتهم
فيرجعهم فاشلين! !
وهذا بالضبط هو مقصدنا من هذه الكلمة القصيرة مع إخواننا العاملين للإسلام، مقصدنا هو محاولة زيادة الوعي بسبيل المجرمين في خدعة جديدة وهي (الصدام
المتعجل! !) فما هي تلك الخدعة؟
إن هناك شرذمة تدربوا على استدراج الدعوة الإسلامية وإثارتها ليؤدوا دورهم
في الوقت المحدد.. فإذا جاء هذا الوقت ضغط هؤلاء على نقاط الضعف فأثاروها
وأخرجوها عن توازنها، واستدرجوها إلى الصدام معهم قبل الإعداد له وقبل وجود
القاعدة الإسلامية الواعية، وعلى إثر هذا الصدام يقوم هؤلاء بضرب العمل
الإسلامي ضرباً مؤلماً، أو يظهرونه في صورة السفيه الذي يجب بأن يحجر عليه.
وهكذا تقوم حملة على المسلمين والناس غافلون عن حقيقة المعركة، وعن
كون هؤلاء المجرمون إنما يعملون عداء للإسلام ذاته لا رداً على عمل بعينه؟ !
ولذلك يعتبر الاندفاع في اتجاه الصدام وفقدان الصبر على مواجهة تحديات
الأعداء مظهراً من مظاهر الضعف وليس القوة.. والشرع والعقل يفرض على
الدعوة الإسلامية في مثل هذه الظروف تفويت الفرصة على العدو حتى لا يحطم
الحركة، مع الالتزام بالصبر والسيطرة على المشاعر والانفعالات والتفكير
والتركيز في عمل دائب لصنع القاعدة المسلمة الواعية التي تحمي الدعوة.
قد يقول قائل: إن حياة المسلم لا تنفصل عن الابتلاء.. وهذا حق.. وهذا لا
يعني أن لا نأخذ حذرنا كما أمرنا عز وجل [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ]
ونخطط في عملنا آخذين في اعتبارنا الاستهداء بنور القرآن الكريم دون إهمال
الأسباب المادية حتى لا نسقط ثمرات عملنا الإسلامي قبل أوانها..
فليست القوة بالحماس والانفعال بل بالسعي الدائب للوصول إلى الهدف
والتخطيط لذلك وضبط النفس أمام التحديات الخارجية التي تحاول أن تنحرف
بالدعوة عن خطتها من خلال الضغوط التي تُمارس ضدها من تشريد وقلق وعدم
استقرار..
وقد يقول قائل: وهل نقف مكتوفي الأيدي ونترك الطغاة يفعلون ما يريدون؟ ! إنهم لا يجدون في السكوت إلا مظهراً من مظاهر الخوف والذعر أمام قوتهم! !
ونحن لم نقل أبداً إننا سننسحب، ولم نقل أننا نريد ليناً مع الأعداء يحفظ
علينا أرواحنا، بل نقول إننا نحاول الاستمرار حى نصل إلى هدفنا بتوازن يحكم
إحجامنا كما يحكم إقدامنا؛ فلا نستسلم لزهو البطولة الانفعالي الذي يدفع الإنسان
إلى اتخاذ المواقف من خلال سياسة اللحظة السريعة لا من خلال سياسة النفس
الطويل..
فالقوة الحقيقية هي في الصمود أمام التحديات العاطفية. وعدم الوقوع ضحية
عقلية الفروسية الفردية.
أما أن نفسح المجال أمام أعدائنا ليثيروا انفعالاتنا ويجرونا إلى مواقف
محسوبة عندهم لمصلحتهم أو يدفعونا إلى معارك لم نعد لها، فهذا هو الضعف
الحقيقي بل الصبر في مثل هذه المواقف هو مظهر القوة.. الصبر على تحمل درء
الآلام.. والصبر على الإعداد الطويل للمستقبل. والإصلاح لا يتم في ليلة واحدة،
والخير لا يأتي دفعة واحدة، وسنة الله في خلقه التدرج والنماء وصيحة الحق التي
نريد أن تدوي في العالم لابد لها من أطوار تمهد لها.. وواجب. الفئة المستنيرة في
مثل هذه الأيام أن تقوم بهذا التمهيد.. وليس هذا التمهيد بالشيء اليسير إنه خطوة
في سبيل انتزاع الأمة المسلمة من الوحدة التي وقعت فيها.. وهو عمل طويل
وشاق ومجهد ويحتاج إلى تضحيات كبيرة.