ركن الأسرة
قبل أن تكوني داعية
اختيار: مريم سعيد
يقول الله - عز وجل - في كتابه العزيز [ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ] [النحل: 125] .
جزء من آية يعبر عن معنى عظيم مهما حاول الإنسان أن يغوص في أعماقها
ليستخرج المعنى المناسب لها لا يستطيع ويبقى وكأنه على السطح أو على الشط لم
يتجاوزه. ولنحاول أن نأخذ معنى من هذه المعاني الكبرى التي تحتويها الآية
العظيمة: (الدعوة إلى الله) .
أختاه: أقول لكِ بعض كلمات أرجو أن تغرسيها في قلبك وأن تزرعيها في
عقلك وأرجو أن تجد لها مكاناً في قلبك وأن لا يطويها النسيان.
إن المسلم الحقيقي إذا قيل له: ألّف أجساداً تتجمع حولك وعيوناً تنظر إليك
وآذاناً تستمع إليك يقول: لا؛ إني أريد أن أؤلف قلوباً تتجمع وعقولاً تعي ويداً
تعمل وتبني. إن هم المسلم الصادق هو كيف يستطيع أن يحول القلب القاسي إلى
ينبوع من الحنان يتدفق وإلى شلال من العواطف تنساب، أن يمسح عن القلب
الغبار الكثيف الذي خلفه ركام الزمن. إن أسعد الناس حالاً في هذه الحياة أولئك
الذين منحهم الله نفساً جميلة مادة يحبها الناس وتثق بها النفوس وتأنس لها الأرواح.
يا أختاه، إن كثيرات من المسلمات بحاجة إلى قلب وعاطفة ومشاعر فكوني
أنتِ القلب لهن وأحبِّيهن بعاطفتك ومشاعرك، إن الإنسان الذي يعيش بلا قلب
مؤمن حي ولا مشاعر عفيفة صادقة لا يستحق الحياة، إن المؤمنة الصادقة هي التي
لا تفقد قلبها الطفل العطوف، وحتى لو أحست من قِبل أخواتها بقسوة فتتحمل،
وليس هناك شيء ذو قيمة حقة يمكن أن يُشترى بلا آلام وأنت تطلبين الجنة! .
فإن المسلمة الحقة هي التي تلوم نفسها على التقصير بينما التافهة هي التي
تلوم الآخرين، يا أختاه، إن في هذه الأمة مناجم من قلوب لا يحجبها عنا إلا غبار
الزمن، فامسحي بيدك على هذه القلوب لتتفتح كالزهور وتورق كالياسمين وهذه هي
فراسة المؤمن.
إن الإنسان يقاس بقدر المهمة التي يسعى إليها، فكلما ارتفعت ارتفعت قيمته
وسمت، إياك أن تكوني سطحية في الحكم وفي التفكير بل غوصي في الأعماق
لتستخرجي اللؤلؤ وإياك أن تهتمي بالأخطاء الصغيرة وتتوقفي عندها لتحكمي على
صاحبتها بالفشل (فالأخطاء كالقش تطفو على وجه الماء) فمن أراد البحث عن
اللؤلؤ فليغص في الماء ليستخرجه، فإن الشجرة التي تلامس السماء نمت
وترعرعت من أصغر بذرة وكما يقولون (ولولا ظلمةُ الأخطاءِ ما أشرقَ نورُ
الصوابِ) .
لابد أن نسير في طريق الدعوة مهما كانت شائكة، وعلينا أن نقطع الطريق
إلى القمة الشاهقة إلى الفردوس الأعلى مهما أدمت أقدامنا الأشواك ومهما جرح كلام
المستهترين القلوب. إنني كم كنت أحزن على ذلك الشباب المستهتر المغرور الذي
يظن الحياة للهو والمرح ومرتعاً للميوعة والعبث، أكره منهم تلك الأنانية المفرطة
التي تطغى على شخصيتهم وذلك الاستعلاء الفارغ الذي يطل من عيونهم، وتحت
مظهرهم الأرستقراطي الجذاب، كنت ألمح نفوساً دنيئة لا يراها أولئك الذين غرتهم
الحياة وغرتهم الأموال والشهوات.
إن وجودك - يا أختاه - متمسكة بأخلاق دينك وبمبادئك معجزة تدب على
الأرض؛ إذ كيف تشب هذه الفتاة أو هذا الشاب في واقع تذوب فيه الصخور
ويصهر فيه الحديد. وكثير من الناس - وا أسفاه! - ليس لهم من الإنسانية إلا
نقاط الالتقاء مع الحيوان، إنني أعرف أن كثيراً من الإخوة والأخوات الشباب
عقولهم من أذكى العقول، وقلوبهم من أطهر القلوب، يريدون التذكير والدعوة
ليصبحوا عاملين. ولو كان شبابنا وشاباتنا من هذا الطراز لطوينا حياة التخلف والانهيار التي نحياها في بلادنا.
فيا أختاه، ثقي بنفسك وبإيمانك وبدينك؛ فإن لك لغة مؤثرة لو لامست
الصخر الأصم لَلان واستمع، ولتعلمي أن سلب الأجسام أرواحها ليس بأسهل من
سلب النفوس غرائزها وميولها، وإني لأعلم أن في هذا مشقة ولكن قد كُتب لهؤلاء
العاملين على وجه الأرض في مجال الدعوة أن يعيشوا فيها عيش الأشجار في
الصحاري تظلل الناس بوارف ظلها وهي تصطلي حر الشمس.