اجتماع
وللصحوة الإسلامية
د. أحمد إبراهيم خضر
لماذا يعادي رجال الاجتماع في بلادنا الدين والصحوة الإسلامية وحركاتها؟
إن موقف علماء اجتماع الغرب المعادي للدين بصفة عامة، وللإسلام
وللصحوة الإسلامية وحركاتها بصفة خاصة لا يحتاج إلى مزيد عناء للكشف عن
أسبابه ودوافعه. أما أن يعادي رجال الاجتماع في بلادنا دينهم والصحوة الإسلامية
في بلادهم، فإن هذا الأمر يحتاج إلى وقفات.
أشاد رجال الاجتماع في بلادنا بما قام به أتاتورك فيما يسمونه بعملية تخليص
الشؤون الدنيوية من الدين بمنع التربية الدينية في المدارس، واعتماد القانون
الأوربي بعد إلغاء الشريعة الإسلامية، وتأميم الأوقاف، وتقليص قوة علماء الإسلام، ومنع أي إشارة إلى الإسلام في الدستور [1] ، ورأوا في ذلك إنجازاً كبيراً رسم
لهم طريقاً رائداً في تخريب النسيج الاجتماعي في عالمنا العربي [2] .
وبينما استمر رجال الاجتماع في المشاركة في عملية تخريب النسيج
الاجتماعي في بلادنا باغتتهم الصحوة الإسلامية وحركاتها التي عمت كل المجتمعات
العربية بلا استثناء، واستهدفت إعادة تركيب النسيج الاجتماعي بصورة مكثفة وفق
المقياس الأوحد والمعترف به وهو الإسلام.
يقول علي الكنز أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر: (وفي هذا السياق نجد
بأن الموقف يستهدف إعادة تركيب البنى الاجتماعية والسياسية في المجتمعات
العربية وكذلك الذهنيات الجمعية والفردية وفق منظور محوري وهو الإسلام.. هذه
الحركة الجديدة التي تخضع لها المجتمعات العربية دون استثناء تشكل في الأساس
عملاً داخلياً مرتبطاً بهذه المجتمعات، ومستهدفة إعادة تركيب نسيجها الاجتماعي
بصورة مكثفة، وفق المقياس الأوحد المعترف به وهو الإسلام. وتتسم هذه الحركة
الجديدة في بنيتها وفي تطورها مع بعض الاختلافات الطفيفة بالمميزات الأساسية
نفسها في مختلف المجتمعات العربية) [3]
وحينما أفاق رجال الاجتماع في بلادنا من صدمة مباغتة الصحوة الإسلامية
لهم تساءلوا أين كانوا وقت حدوثها؟ لم يكن رجال الاجتماع على امتداد عالمنا
العربي يتوقعون هذه الصحوة، كانوا يعتقدون أن تجارب التنمية في هذا العالم وما
يسمون بانتصاراته الوطنية قد شهدت ميلاد ثقافة جديدة خلفت الدين وراءها لتساير
ما يسمونه بالتطور الاقتصادي والاجتماعي في كل بلد.
يقول علي الكنز متحسراً: (من كان يظن أيام ميثاق القاهرة بأن مصر
الثمانينات سوف تواجه كمجتمع وكدولة تلك المسألة التي أصبحت محورية، ألا
وهي طبيعتها الإسلامية، وأن سيد قطب في مواجهته لعبد الناصر سيصبح يوماً ما
شهيد الجماهير، وأن حزب حسن البنا (الإخوان المسلمون) سيحظى يوماً ما في
أوساط بعض الشبان الجزائريين بمعرفة تفوق معرفتهم لتاريخ جبهة التحرير
الوطني) .
ويستمر علي الكنز قائلاً: (والسؤال الذي يفرض نفسه علينا اليوم هو: أين
كان الخيال السوسيولوجي من كل هذا في وقت عرف كبريات التجارب التنموية
لآمال معقودة عليها مثل سلسلة الإصلاحات التي توالت في مختلف البلدان العربية،
وكذلك التأميمات الكبرى، انطلاقاً من قناة السويس عام 1956 إلى المحروقات في
الجزائر عام 1971، والانجازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الهائلة، مثل
سد أسوان - ومركبات الحديد والصلب، وكبريات الجامعات العلمية والتقنية؟) [4]
وعن عدم توقع رجال الاجتماع للصحوة الإسلامية يستطرد علي الكنز قائلاً:
(نقول بأن هذه الظاهرة غير متوقعة؛ لأن الانتصارات الوطنية التي شهدها الوطن
العربي في الخمسينات، وظهور حكومات وطنية كما كانت الحال في كل من سوريا
والعراق والجزائر شهدت ميلاد ثقافة جديدة كانت مسايرة للتطور الاقتصادي
والاجتماعي في كل بلد، على الرغم مما عرفه كل بلد من نزاعات عديدة بين
مختلف المجموعات المتصارعة، مثل الوطنيين والشيوعيين والليبراليين) [5]
كان رجال الاجتماع في بلادنا يتصورون أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية
ومهام التنمية في عالمنا العربي قد قلصت من مكانة الدين، وحولته إلى مسألة
شخصية لكنهم فوجئوا، بأن الدين يستعيد حيويته ويفرض هيمنته على جميع
جوانب الحياة.
يقول علي الكنز معترفاً: (كنا نعتقد ببساطة أن المشاكل الاقتصادية
والاجتماعية المعروفة وأن المهام المعقدة للتنمية سوف تقلص تدريجياً من مكانة
الدين في الضمير الجمعي فيصبح في النهاية قضية شخصية بحتة تماماً مئلما حدث
في مجتمعات أخرى، وبخاصة الغرب البرجوازي، غير أننا ها نحن اليوم أمام
هذا النموذج الكلياتي وهو يستعيد حيويته ويستهدف فرض هيمنته على جميع
جوانب الحياة) [6]
اعترف رجال الاجتماع بأن «القومية» و «الوطنية» ليستا بقادرتين على
البقاء أو جذب الجماهير للالتفاف حولهما؛ لأن الإسلام أصبح المكافئ الوظيفي لهما.
يقول سعد الدين إبراهيم أستاذ الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة:
(إن الإسلام الثوري للجيل الحالي من أبناء الطبقة الوسطى والصغيرة في
الأمة العربية هو المكافئ الوظيفي للقومية العربية منذ جيل مضى، كما أنه مكافئ
للوطنية المناهضة للاستعمار منذ جيلين سبقا على الطريق) [7]
ويعترف سمير نعيم أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس بالقاهرة بذلك في مقالة
شديدة العداء للجماعات الإسلامية في مصر فيقول: (شهدت مصر منذ تشرين
الأول / أكتوبر 1972 ما يمكن أن نطلق عليه تلازماً بين ما سموه بالصحوة
الإسلامية، والتنظيمات الإسلامية العلنية والسرية، وبين غياب القضية العامة التي
تلتف حولها الجماهير أو المشروع الحضاري أو التنموي) [8] .
أسقطت الصحوة الإسلامية تلك العقلانية التي تعلق بها رجال الاجتماع لفهم
الواقع الاجتماعي والسياسي بعد أن سقطت تلك الأحزاب والتنظيمات التي حملتها
الواحد تلو الآخر، بالرغم من سيرها وفق الخطوط التي رسمت لها لتحل محلها
التنظيمات الإسلامية التي اعتقد رجال الاجتماع أنها تنظيمات غريبة تجاوز التاريخ
إلى الأبد.
يقول علي الكنز متحسراً: (من كان يظن بأن كبريات الأحزاب الوطنية
المنجزة كقوى عقلانية لهذه التحولات العميقة لكل من الطبقة والمجتمع مثل حزب
البعث في سوريا والعراق، والاتحاد الاشتراكي في مصر، والدستور في تونس،
وجبهة التحرير الوطني في الجزائر سوف يأتي يوم ينهار فيه الواحد تلو الآخر؟
وما هو ملفت للانتباه حقاً في هذا الشأن هو أنه لم يحل مكان هذه الأحزاب تنظيمات
أخرى على يسار أو على يمين النهج المرسوم بالنسبة للكل، وإنما تنظيمات غريبة
وثقافة كان يعتقد آنذاك أن السير الموضوعي للتاريخ قد تجاوزها إلى الأبد) [9] .
جاءت الصحوة الإسلامية لتثبت لرجال الاجتماع أن هذه (العقلانية) التي
علقوا عليها آمالهم لفهم الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي قد أصبحت عاجزة
على الصعيدين النظري والمنهجي في فهم هذا الواقع، ولتصيب هذا التفكير
(العقلاني) بأزمة عميقة وخيبة أمل.
يقول علي الكنز معترفاً:
(إن اقتحام التفكير الديني للأيديولوجية العربية المعاصرة بهذه الشدة ليدل في
الحقيقة على أزمة عميقة تمر بها مجتمعاتنا اليوم، وهذا ما يراه كثير من المحللين
ويعتمدونه في دراساتهم، غير أن هذا الأمر قد يتعلق أيضاً بمؤشر أو بمبرر لأزمة
عميقة أصبح يعاني منها التفكير العقلاني، وكذلك عجز هذا التفكير على الصعيدين
النظري والمنهجى في فهم واقع اجتماعي وثقافي وسياسي لم يتوقع حدوثه من قبل) .
وعن خيبة الأمل التي أصيب بها رجال الاجتماع يقول علي الكنز في إحدى
دراساته [10] :
(إني أريد من خلال تدخلي هذا أن أقوم بمساهمة متواضعة في تحديد هذا
المجال الجديد للبحث الذي يفرضه علينا ما عرفناه من خيبة أمل في تاريخنا الفعلي، وفي قدرتنا على معرفته علمياً) .
لم تكن العقلانية فقط هي التي سقطت مع ظهور الصحوة الإسلامية وإنما
سقطت معها كل شعارات التحديث والعلمنة وبناء المجتمع وضمان الرفاهية التي
دخلت هي نفسها في أزمة خانقة عميقة وحادة أيضاً.
يعترف (الهرماسي) أستاذ الاجتماع بالجامعة التونسية:
(لقد جابهت الإنسانية في أواخر هذا القرن عدة أزمات مختلفة، كأزمات
الغذاء والطاقة والفقر، وما من شك في أن مثل هذه الأزمات قد حد من قدرة البشر
على إيجاد حلول ناجعة لمجمل المشاكل المطروحة عليهم، حتى عندما تكون هذه
المشاكل واضحة تمام الوضوح، وبالتالي فإن الأيديولوجية العصرية التي ما انفكت
تحمل شعارات التحديث والعلمنة، والتي اضطلعت ببناء الدولة العصرية، ونحت
معالم المجتمع الحديث وضمان الرفاهية دخلت هي نفسها في أزمة خانقة عميقة
وحادة) [11]
لقد نجحت الصحوة الإسلامية تلك التي لم اعتقد رجال الاجتماع أنها لا تتفق
مع متطلبات العصر في إحباط ما أسموه بالمحاولات الجريئة للفكر العربي المعاصر، وساهمت في الأزمة التي آل إليها.
يقول علي الكنز معترفاً:
(إن هذا المنظور الجديد للوطن العربي والعالم الإسلامي يبدأ أولاً وقبل كل
شيء كظاهرة لم نكن نتوقعها وغير متفقة مع متطلبات العصر، ومن حيث هو
كذلك فقد ساهم بقسط وافر في الأزمة التي آل إليها الفكر العربي المعاصر الذي
يشهد اليوم إحباط أقل محاولاته جرأة) [12] .
راقب رجال الاجتماع في بلادنا هذه الصحوة الإسلامية عن كثب على أمل
يراودهم وهو محاولة التحكم فيها، وسجلوا على أنفسهم بأنهم يقومون بهذه المحاولة
مسترشدين بنفس الإطار الغربي الذي يرصد هذه الصحوة باهتمام بالغ.
يقول محمد شقرون أستاذ الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالمغرب: (إن
المشكل الأساسي الذي يطرح بالنسبة إلى البحث في هذه الظرفية الجديدة هو التحكم
في الاتجاه الجديد الذي يريد أن يرى في الدين كل شيء، ويمكن أن تعتبر المكانة
التي أصبحت تحظى بها دراسة الحركات الدينية الجديدة في سوسيولوجيا الدين
الانجلوسكسونية مادة خصبة للتفكير في هذا الإطار) [13]
توصل رجال الاجتماع في بلادنا في تحليلاتهم للصحوة الإسلامية وحركاتها
إلى ما يلي:
أولاً: أن الحركات الإسلامية تسعى إلى تحقيق هدف أساسي كان ولا يزال
ينحصر في محاولة العودة بالمجتمع العربي الإسلامي إلى النموذج الذي وجد في
صدر الإسلام أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين [14] .
ثانياً: أن هذا الهدف الذي تسعى لتحقيقه هذه الحركات كان ولا يزال يستمد
شرعيته وتبريره من الإيمان الراسخ لدى منظري وقادة هذه الحركات، وغالبية
المسلمين من جهة أخري بأن الإسلام نظام حياة شامل يصلح لكل زمان ومكان،
ولذلك كانت هذه الحركات تصر على أسلمة المجتمع وعلى اعتبار الإسلام ديناً
ودولة [15] .
يقول (عاطف عضيبات) أستاذ الاجتماع في جامعة اليرموك بالأردن في لهجة
تحد وعداء: (إن التاريخ العربي-الإسلامي برمته يشهد على استحالة الرجوع إلى
الوضع الذي كان قبل العام الأربعين للهجرة، وجميع المحاولات للعودة إلى بدء
عهد الدعوة الإسلامية أو إلى مزج الزمني بالروحي مصيرها الفشل في يومنا هذا،
كما كان حالها بالأمس وكما ستكون غداً. [16]
ويقول عضيبات في موقع آخر: (وكلما تقدمت الأزمنة بالعرب المسلمين
زادوا من إضفاء المثالية على تلك الحقبة التاريخية التي لم تتجاوز نصف قرن،
وكلما ألهمت سيرتها خيال ووجدان الرافضين للواقع المعاش إلى المجتمع
الفاضل) [17] .
ثالثاً: ترجع الحركات الإسلامية باستمرار إلى الكتاب والسنة لفهم كل
المشاكل التي تطرحها علاقة الإنسان بالعالم والطبيعة والانتاج والفكر والثقافة
والمجتمع والقانون.. الخ. فكل تفكير سواء أكان علمياً أم غير علمي، جمالياً،
أخلاقياً، وسياسياً هو في النهاية مجرد عمل تفسيري وتأويلي لما جاء في الكتاب
والسنة [18] .
يقول علي الكنز بلهجة ساخرة: (في هذا السياق نجد حركة الأصوليين تمجد
العصر الذهبي الأول حيث يصبح الأسطورة المؤسسة للتاريخ الفعلي، أي للإسلام، كما هو موجود فعلاً -إن صح التعبير- هذا الإسلام الذي يجب أن يفرض بصورة
مطلقة وشاملة باعتباره المعيار الأوحد لتصور ما حدث في التاريخ وما سيحدث في
المستقبل) [19] .
رابعاً: ترفض الحركات الإسلامية أن ينحصر نشاطها في المجال الديني فقط، وهي لا تقر بالفصل بين الدين والحياة الاجتماعية بصورة عامة، وتعتبر هذا
الفصل موقفاً غريباً لا يمت إلى الإسلام بصلة، وإن التمييز بين ما هو ديني
ودنيوي غير وارد بالنسبة لهذه الحركات التي ترفض كل علمنة وتعتبر نفسها في
الوقت ذاته حركة دين ودنيا ودولة [20] .
خامساً: تقوم الحركات الإسلامية على أساس الشرعية الإسلامية، بمعنى
تطبيق الشريعة الإسلامية ووترفض أن تطرح هذه الشرعية على أساس آخر،
ويعني هذا عند رجال الاجتماع أن هذه الحركات تتجاهل كل الثقافة العصرية التي
تعتبرها أجنبية وغريبة بما فيها مسألة الديمقراطية والصراع الطبقي.
سادساً: تسعى الحركات الإسلامية إلى إقامة الخلافة الإسلامية، كما أنها
تنظر إلى العالم على أساس ثنائية دار الإسلام ودار الحرب. وهي تهمل بذلك -
كما يرى رجال الاجتماع - الإشكالية العصرية المتمثلة في الدولة الوطنية،
وتجارب التنمية الوطنية المختلفة التي شهدها الوطن العربي.
وبإسقاط الحركات الإسلامية مسائل الديمقراطية والصراع الطبقي والدولة
الوطنية وتجارب التنمية من حساباتها تكون قد سحبت من يد رجال الاجتماع
مرتكزات أساسية يعتمدون عليها في تبرير وإثبات وجودهم وأهميتهم للجماهير.
سابعاً: يبدأ الإعداد لهذه الحركات في المدارس والجامعات؛ ليمتد بعد ذلك
إلى نشاطات تستهدف مراقبة المجتمع انطلاقاً من المساجد لينتهي في الأخير إلى
المواجهة المعلنة مع الدولة والنظام السياسي من خلال أحزاب في سياسية تتخذ
الإسلام قاعدة لها.
ثامناً: انتقلت الحركات الإسلامية من موقف دفاعي إلى موقف هجومي بفضل
تطور القضايا التي رسمت علامات حركتها كالإصلاحات التربوية والتنديدات
الأخلاقية والانتقادات السياسية عبر المساجد والمؤسسات والأحزاب السياسية.
تاسعاً: لا تختلف الموضوعات التي تتمحور حولها الحركات الإسلامية من
بلد عربي إلى آخر، وتتسم هذه الموضوعات بالبساطة، وتتبلور حول مسائل لا
تضيف في حد ذاتها أي جديد ملفت للانتباه، بل تكمن أهميتها في طريقة عرضها
وفي فعاليتها الأيديولوجية.
عاشراً: تمكنت الحركات الإسلامية من التغلغل في القطاعات الاجتماعية
المختلفة، وكونت قاعدة اجتماعية واسعة لمواجهة الأنظمة القائمة، ومحاولة العودة
بالمجتمع الإسلامي إلى منابعه الأصيلة [21] ، كما نجحت في اختراق التنظيمات
الطلابية وسيطرت على اتحاداتها وامتد تأثيرها إلى أعضاء هيئة التدريس
بالجامعات [22] ، وذلك بسبب مرونتها وعموميتها التي جعلتها قوية وقادرة على
استيعاب قوى اجتماعية متباينة [23] يعني ذلك في نظر رجال الاجتماع أن
الحركات الإسلامية لا تقر التمايز الطبقي في المجتمع، وأنها تتعدى الطبقات
وتحتويها كلها في الوقت ذاته على عكس الأيديولوجيات والأنظمة الفكرية التي
ظهرت ابتداءً من القرن التاسع عشر والتي تصور المجتمع على أنه قائم على وجود
طبقات ومصالح اجتماعية [24] ، وتنظر الحركات الاجتماعية إلى المجتمع على
أنه كيان توحده العقيدة وليس كياناً يرتبط بمجرد مصالح عملية وعلاقات إنسانية
سطحية، وإذا أخذت هذه الحركات هذا التمايز في اعتبارها فإنها تفعل ذلك من أجل
التنديد بآثاره.
حادي عشر: الحركات الإسلامية متعددة الأبعاد تكتسح المجال الاجتماعي
عبر موجات متتالية تغمر بالتدريج كل جوانب الحياة الاجتماعية من تعليم وآداب
واقتصاد وسياسة، ولا ينجو منها أي جانب، حتى الهندام وكيفية الضحك والحب
يمكن أن يخضع لها في وقت ما، وهذا يعني في نظر رجال الاجتماع أنها حركة
شاملة وشمولية.