خواطر في الدعوة
محمد العبدة
لا يزال بين المسلمين اليوم من يعيش بعقلية الأربعينات والخمسينات، حين
كانت الهجمة على الإسلام والمسلمين على أشدها, وكان الذي يتولى كبرها
المستشرقون والمبشرون والأحزاب العلمانية، وكان موقف كثير من المسلمين هو
موقف المدافع عن نفسه دفاع المتهم الذي بداخله شيء من الانهزامية، أو عنده عقدة
نقص تجاه كل ما يأتى من الغرب أو الشرق أو من الأحزاب التي تسمي نفسها:
(تقدمية) .
يومها قالوا عن الإسلام: إنه استبدادي النزعة، فرد عليهم البعض بأنه
(ديمقراطي) فيه كل مبادئ الديموقراطية، وقالوا: إن بلاد الإسلام فتحت بالسيف
والقوة، وأن المسلمين كانوا أصحاب ولوغ في الدماء، فقيل لهم: لا.. إننا لا
نهاجم أحداً ولا نفتح البلدان، بل ندافع عن أنفسنا فقط إذا ما هوجمنا من الخارج،
وها هي بلاد أندونيسيا وماليزيا، ودول وسط أفريقيا قد دخلها الإسلام بواسطة
التجارة أو الدعاة.
وقيل عن تعدد الزوجات والطلاق ومشاكل المرأة الكثير الكثير.. وكتبت
المجلدات، وحررت المقالات في الرد على هذه الاتهامات ولكن بمنطق المنهزم أمام
هذا الهجوم الماكر، وكان الرد أن التعدد فقط للضرورة، وأن الإسلام أعطى كل
شيء للمرأة وأنها نصف المجتمع.. الخ. هذا الكلام الذي بعضه صحيح وبعضه
خطل.
ولا يزال المسلمون - ممن يعيشون بيننا - إذا عرضوا الإسلام على الآخرين
يعرضونه على استحياء. وقد يتكلم أحدهم عن تقارب الأديان إذا ما دخل في مناقشة
مع نصراني مثلاً، أو أن الإسلام لا يكره أو يحرم بعض الأشياء المكروهة أو
المحرمة فعلاً.. إذا ما دخل في جدال مع أصحاب الترخص والتساهل.
هذا الموقف الضعيف، كنا نعتقد أنه انتهى أو يجب أن ينتهي ولا حاجة
لإعادة الردود واجترار هذه الأشياء، لقد انتقل المسلمون إلى الشعور بالثقة
وبالأصالة وبموقف المهاجم وليس المدافع، وقد كان للعلماء والدعاة في هذا العصر
أثر في توليد هذه الثقة، ومن أبرزهم: الداعية الشهيد سيد قطب - رحمه الله -،
ولكن سمعت وقرأت أخيراً لبعض الإسلاميين في موضوع الأسرة والمرأة ما يعود
بنا القهقري إلى الوراء، وكأننا متهمون بظلمها، ومتهمون بأننا لا نعطيها الحرية
التي يريدها أعداء الإسلام، فيقدم طيبوا القلب ليعطوها أكثر مما جبلت عليه
وخلقت له، ونحن ليس عندنا مشكلة اسمها مشكلة المرأة، فالله سبحانه خلق الخلق
لعبادته وكل ميسر لما خلق له، وكل له مهمة في هذه الحياة ورحم الله امرأً عرف
قدر نفسه، أما معاكسة الفطرة التي خلق الله الخلق عليها فسيكون من بعدها الدمار.
أما الموضوع الآخر الذي يخجلون منه فهو الجهاد، وينسون أنه ذروة سنام
الإسلام، وقد شرعه الله لنا وحضنا عليه، وهو من خصائص هذه الأمة، وهو
جزء من الدعوة، وبالجهاد والفتح يتعرف الناس على الإسلام عملياً ونظرياً. فهو
رحمة وليس قسراً، وأكثر البلاد الإسلامية اليوم فتحت بالجهاد، فهل نخجل من
شرع شرعه الله لنا، والناس يفتخرون بزبالة أفكار ماركس وأمثاله.
إن القرآن الكريم علمنا كيف نرد على الكفار اتهاماتهم وكيف نهاجمهم بدل أن
نضع أنفسنا في قفص الاتهام. قال تعالى راداً على قريش قولها: إن المسلمين
انتهكوا حرمة الشهر الحرام وقتلوا وأسروا - وقد وقع هذا في سرية عبد الله بن
جحش عندما أرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مهمة استطلاعية للتعرف
على أحوال مكة وما حولها - قال تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ
قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وكُفْرٌ بِهِ والْمَسْجِدِ الحَرَامِ وإخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ
عِندَ اللَّهِ والْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ ... ] الآية [البقرة: 217] .
ومعنى الآية: إذا كان القتال في الشهر الحرام كبيراً فعلاً ولا يجوز فأنتم فعلتم
أكبر من هذا، أخرجتم المسلمين من البلد الحرام، بل فعلتم ما هو أشنع وهو الكفر
بالله، والصد عن سبيله، وفتنة المؤمنين عن دينهم، هذا هو أدب القرآن في
مناقشة الخصوم، ولكن بعض الناس يحرفون النصوص الواضحة كي لا يغضب
غير المسلمين وحتى نظهر أننا في غاية التهذب والرقة والمسكنة! ! .
سبحانك هذا بهتان عظيم.