الصفحة الأخيرة
عبد القادر حامد
من حسنات هذه الحرب - إن كان لها حسنات - أنه أصبح بالإمكان للكاتب
أن يكتب منتقداً نظام الحكم في العراق بعد أن أصبح ظاهر الضعف تعصف به
العواصف، بعد أن كان من الصعب توجيه كلمة لوم له في العلن، لا خوفاً منه في
كثير من الأحيان؛ بل خوفاً من الروح (التضامنية) التي كانت تربط الأنظمة
العربية، وحرجاً من كسر خواطرها. أما الآن فأمام الكتبة فرصة ذهبية ليبدءوا
ويعيدوا في إظهار مخازي هذا النظام، ويجمعوا الصحيح إلى الباطل من الاتهامات.
وقد يبدو مثل هذا العمل دلالة على الجبن وقلة الفروسية حيث إن (ضرب
الميت نذالة) ، ولا فائدة من الإنذار بعد وقوع الكارثة! لكن الروح (التضامنية)
التي كانت سائدة تعطي هذا الفعل دلالة أخرى قد يكون فيها بعض الفائدة، فكثير
ممن يكتب عن الأنظمة بعد سقوطها لا يقصدها هي بعينها فيما يكتب، وإنما يقصد
مثيلاتها من الحالات الراهنة، على مبدأ: (إياك أعني واسمعي يا جارة) !
إن مأساة الحرية في عالمنا المنكوب تجعل الإنسان يرضى بالقليل، وما أجدر
الحرية التي نفتقدها بقول جميل في بثينة:
وإني لأرضى من بثينة بالذي ... لو أبصره الواشي لقرَّت بلابله
بلا، وبأن: لا أستطيع، وبالمنى ... وبالأمل المرجوِّ قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول، تلتقي ... أواخره - لا نلتقي - وأوائله