السعي في حاجة المسلم
خولة درويش
الحياة قاسية، وأهوالها كثيرة ومصائبها جمة، والإسلام دين الحياة الاجتماعية
السليمة، يريد من اتباعه أن يكونوا كالطود الشامخ بل كالجسد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
وفي ظل تلك الحياة يشعر المسلم بالطمأنينة والهناء، وترفرف عليه السعادة
لشعوره بأنه لا يواجه الحياة بمفرده في خطوبها الجليلة، فإن إخوته المؤمنين
يمسحون آلامه ويقيلون عثراته، يعينونه برأيهم وهم له ناصحون ويمدونه بمالهم
وهم عليه مشفقون، ويسعون معه بجاههم وهم لخيره راغبون وفي كل ذلك
يلتمسون الأجر والقرب منه تعالى.
روى الحاكم وقال صحيح الإسناد: «لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء
حاجته، وأشار بأصبعه أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين» .
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
«على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف» رواه البخاري ومسلم.
فالمسلم يساعد أخاه المسلم. بقدر إمكانياته بيده، بماله، بجاهه ولا يضيق به
مؤثراً السكينة وقد أخلد إلى الراحة.. بينما نجد غيره من إخوته تؤرقهم الهموم،
وتقض مضاجعهم المحن.. وبإمكانه أن يمسحها بشيء من الإيثار ولو على حساب
راحته. قد تحل بأحد المسلمين مشكلة فماذا يكون موقف الآخرين منها؟
لن نتحدث عن ضعاف الإيمان وإنما نتحدث عن الصفوة التي نأمل منها
الكثير.. وكثير من هؤلاء يواجهون المشكلة بهز الكتفين ولسان حال أحدهم يقول:
مالي ولهذا الأمر. فأشغالي أجل منها. وفي أحسن حالاته يحوقل ويتأوه وكأنه يقول: ليس بالإمكان أحسن مما كان.
إن السلبية واللامبالاة لن تحل أمور المسلمين، وهذه التصرفات لابد أن نؤاخذ
عليها. فالنعمة التي خولها الله للعبد سيسأل عنها فيم وضعها؟ فكيف إذا سئل العبد
يوم القيامة إن فلاناً المسلم كان في ضائقة وكان بإمكانك مساعدته، وخذلانك له في
هذه الحاجة قد ألجأه إلى الرشوة ليحصل على حقه، إنك لو سعيت له في جاهك
الذي حباك الله إياه لقضيت مصلحته ويسرت أمره وحلت دون لجوئه إلى الرشوة.
وكم من شاب قد ينحرف عن دينه لقضاء مصالحه عن طريق غير المسلمين
إذا ساعدوه في المال لإنهاء دراسته!
وكم من أسرة تضرع بالدعاء إلى من مد لها يد العون وقد يكون من أعداء
الإسلام! .. وهذا ما يقوم به المنصرون في كثير من ديار المسلمين الفقيرة،
وأندونيسيا خير شاهد على ذلك.
كم من أسرة ناشئة بنيت على غير مرضاة الله للتقصير في مساعدة الشباب
على الإحصان الذي يدعو له الشرع! كل ذلك في غيبة الوعي الفعلي والتقدير لقيمة
العون.
والله تعالى يقول: [مَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ
شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا] [النساء 85] . فلا تظن أخي المسلم أن العبادة
مقصورة على نوع من القربات يرسمها خيالك، إنها كل ما يحبه الله من قول أو
عمل.
إن سيرك في حاجة أخيك المسلم إن أحسنت النية واحتسبت الأجر من الله قد
تكون من أفضل العبادات.
يقول ابن القيم -رحمه الله- في معرض ذكره للآراء في أفضل العبادات:
(ومنهم من رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها ما كان فيه نفع متعدٍ. فرأوه أفضل من
ذي النفع القاصر. فرأوا خدمة الفقراء والاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم
ومساعدتهم بالمال والجاه والنفع أفضل فتصدوا له وعملوا عليه واحتجوا بقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله» رواه
أبو يعلى.
واحتجوا بأن عمل العابد قاصر على نفسه، وعمل النافع متعدٍ إلى الغير (أين
أحدهما من الآخر؟) .
قالوا: ولهذا كان فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.
واحتجوا أن صاحب العبادة إذا مات انقطع عمله وصاحب النفع لا ينقطع عمله ما
دام نفعه الذي سعى إليه.
واحتجوا بأن الأنبياء إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق وهدايتهم ونفعهم في
معاشهم ومعادهم، ولم يبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس والرّهب) ولعل في
هذا القول ما يشفي ويكفي.
فإلى قضاء مصالح المسلمين ينبغي أن ينشط الدعاة المخلصون في كل مكان،
ولا تشغلهم عنها كثرة التبعات. وما قصة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع
المرأة التي كانت في حالة وضع، ومساعدة زوجها في طهي الطعام عنا ببعيدة.
إن الفطرة السوية لن تنسى اليد التي امتدت إليها ساعة المحنة.
أيها الأخ المسلم يا من تريد النجاح في الدارين: إن الأمر سهل ميسور، إذا
عودت نفسك على قضاء مصالح إخوانك ذوي الحاجات، ولن تنفع الخطب
والمواعظ إذا تقاعست عن أداء حق الأخوة والدين.
وأنت أيتها الأخت المؤمنة: تذكري كلما حببت إليك نفسك الراحة والسكون:
أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.