الصفحة الأخيرة
عبد القادر حامد
القول بأن الصحافة العربية لا تصور واقع العرب أصدق تصوير بعيد عن
الدقة ... فمَن يقول ذلك خيالي يكاد يطلب المستحيل؛ إذ يعتقد أن على الصحافة أن
تعكس واقع هذه الجموع المكدسة، بينما هي مجرد جموع خالية من الفاعلية والتأثير.
إن الحقيقة التي لا مرية فيها أن هناك اتحاداً واندماجاً بين هذه الصحافة وبين
القلة التي تنطق باسمها، فهي صحافة نُخَب وليست صحافة جماهير، وإن ادعى
بعض القائمين عليها غير ذلك، فهذا ادعاء لا يغير من الحقيقة شيئاً؛ ولذلك فإن
هذه الصحافة صادقة في نقل واقع مَن تنطق باسمه كل الصدق، (إذا أردنا بالصدق: انطباق الوصف على الواقع، لا المعنى الشرعي المفهوم من قوله تعالى:
[وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] [التوبة: 119] ) . وهي سجل أمين، سواء سكتت أو
نطقت، لأن سكوتها عن أشياء هو إفصاح من جهة أخرى، فإذا وجدنا أنها لاذت
بالصمت على أمر نعتقد - نحن الجموع المكدسة - أنه لا يحسن السكوت عليه
فكأنها تقول لنا: مهلاً يا قوم، لا تحمّلوني ما لا أطيق، لقد ألجمني لجام الرغبة
والرهبة، فقد نشأت في حِجر مَن غذاني ورعاني؛ فكُتابي ربتهم مدارسه،
ومناهجه وبعثاته، وورقي وحبري من خزائنه، واشتراكاتي وإعلاناتي - التي
تحفظ عليَّ حياتي - قائمة على موظفي دواوينه وشركاته! ؛ فكيف تظنون أنني
أقوى على إنكار كل هذا الفضل وجحود كل هذا المعروف، فأتكلم عن صغائر
أصحاب الدواوين وأذكرهم بما يكرهون؟ ! ، ألا تعلمون أن ذلك غيبة والله نفَّر من
الغيبة أبلغ تنفير؟ ! هل تُراكم لم تقرأوا ما كُتب عن جزاء المعروف: عرفاناً أو
جحوداً في الأدب العربي؟ ! ، لو نطقت الصحافة العربية لقالت: نحن نعكس واقعاً
حياً على عُجَره وبُجَره، وأنتم يا ناس - أيها الجموع المكدسة - أموات غير أحياء
لا تدرون أيان تُبعثون!