الافتتاحية
عندما قلنا في العدد الأول من (البيان) إننا ملتزمون بمنهج أهل السنة، لم ...
يكن هذا منا رفع شعار أو تمحور حول شكل حزبي ضيق، نتعصب له وندافع عنه
بالحق والباطل، فهذا المنهج في الفهم، والاستدلال أكبر من هذا وهو التيار الوسط
الذي استمر خلال العصور بعيداً عن الغلو والتقصير، وبعيداً عن التأثر بالمناهج
التي وفدت على المسلمين مبكراً سواء جاءت من الشرق الفارسي الهندي أو من
الغرب اليوناني. وهذا المنهج هو الذي يمثل الفهم الصحيح للكتاب والسنة،
والمسلمون أفراداً وجماعات ملزمون باتباع هذا المنهج والبحث عن أصوله
وتفاصيله، والاقتراب منه ما أمكنهم ذلك، لأنه هو الذي يصحح المسار ويصحح
المفاهيم وليس للمسلمين خيار في ذلك.
في هذا العدد سيرى القارئ أننا نبين ونوضح زيف طريقتين في الهجوم على
السنة وأهل السنة:
طريق أهل الاستغراب الذين نهلوا من ثقافة الغرب وراحوا يتشدقون
بالمنهجية والموضوعية كطريق بعضهم الذي راح يعيث فساداً بالكتابة عن الإسلام،
وبأسلوب دعيّ سمج، يزعم فيه امتلاك وسائل النقد لكل ما هو موجود تحت يده من
النصوص (نصوص القرآن والسنة) وكل تراث الإسلام، وما إن سمع به أصحاب
الاتجاهات اليسارية أو العلمانية أو قُل أي عدو للإسلام حتى طبلوا له وزمروا،
وأطلقوا عليه لقب (مفكر إسلامي) وبدأوا بنشر المقالات عنه وعن كتبه في مجلاتهم
وصحفهم، وسيقال للشباب المسلم (وخاصة في أوربا) هذا رجل يكتب بموضوعية
وهو أستاذ في (السوربون) ، ولذلك كان لابد من الكتابة عن محمد أركون.
هذا في الغرب وفي المشرق هناك أساتذة جامعات مشهورون، لهم مؤلفات
يتبعهم عليها كثير من الشباب، ولكن دأبهم الذي وهبوا حياتهم له هو محاربة
الاتجاه (السلفي) ، هذا الصنف من المشايخ يظن أنه أعلم من غيره لأنه مدرس في
الجامعة ولذلك يجب على الكل أن يستمعوا له ويصيخوا، فراح يكتب بجرأة عجيبة
وبأساليب ملتوية مهاجماً منهج أهل السنة، وكأن الحقد والحرب واحدة، سواء
جاءت من رجل صفيق كأستاذ السوربون، أو جاءت من شيخ كالذي كتب عن
(السلفية) منتقداً لها بغير حق، صاباً جام غضبه على (ابن تيمية) ، زاعماً أن هذا
الاتجاه المبارك - اتجاه التمسك بالكتاب والسنة اللذين هما المحجة البيضاء - اتجاه
خاص بابن تيمية وليس اتجاه خير القرون.
إن الأمر وصل إلى الحد الذي لابد فيه من التصريح بعد التلميح، ولا يجوز
السكوت عنه، خاصة عندما تكون الأسماء لها شهرة واسعة بين أوساط المسلمين،
وقديماً قيل: (من ألَّف فقد استُهدف) . ونحن من جهة أخرى نرثى لحال هؤلاء
لأن منهج أهل السنة في الفهم والاستدلال هو الذي سينتصر بإذن الله.
[واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ] [يوسف: 21] .