خدعة السلام العالمي
من الشعارات الخادعة التي تلوكها الألسنة كثيراً، ويحلم بها بعض الذين
يحملون أفكاراً نظرية خيالية شعار (السلام العالمي) . فهو من جهة مخالف لسنة من
السنن التي أودعها الله في الكون وهي سنة الصراع [ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم
بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ] . وهو من ناحية أخرى لم يتحقق في عالم الواقع. ومتى
كان القوي يعطي فرصة السلام للضعيف عندما تكون شريعة الغاب هي السائدة.
ومنطلق العنجهية هو المتكلم ولهذا أمرنا الله -سبحانه وتعالى- أن نعد العدة بشكل
مستمر ودائم لنرهب أعداء الله، حتى لا يفكروا بأن يجعلوا المسلمين لقمة سائغة.
وإذا كان لابد أن نستفيد من التاريخ القريب أو البعيد، فإن كتاب (مائة
مشروع لتقسيم تركيا الدولة العثمانية) تأليف الوزير الروماني (دجوفارا) ، ينبئنا هذا
الكتاب عن الحقد الدفين، كما ينبئنا عن النفس الطويل الدائب في الكيد للإسلام
والمسلمين، فهذا السياسي الروماني [1] كتب عن مائة مشروع قدمت للدول الغربية
كي يتقاسموا المنطقة العربية الإسلامية بدءاً من القرن الرابع عشر الميلادي وانتهاء
ببداية القرن العشرين.
بدأت هذه المشاريع بعد الحروب الصليبية، وكلها تدور على كيفية إضعاف
الإسلام واحتلال بلاد المسلمين، ثم تطورت إلى كيفية تقسيم الدولة العثمانية
وإبعادها عن أوروبا، والمقدمون لهذه المشاريع إما قساوسة أو مفكرون سياسيون،
وبعض هذه المشاريع كان خيالاً يومها ولكن بعضها (مثل الاستيلاء على مصر من
قبل بريطانيا) تحقق بعد سبعة قرون، وبعض هذه المشاريع يركز على الحرب
الاقتصادية. وهذه نماذج من هذه المشاريع:
- المشروع التاسع: قدمه (غليوم دادام) وتاريخه سنة 1311 م ومقدم هذا المشروع كان راهباً قضى معظم حياته يعظ بالإنجيل في بلاد الشرق وذهب إلى الحبشة والهند، وكانت آراؤه غريبة، فكان يشير بأن يأخذ الصليبيون مدينة القسطنطينية [2] كما يشير بعمارة أسطول في بحر فارس لمنع تجارة الهند مع مصر. وعقد محالفة مع ملوك العجم (فارس) وقطع تجارة مصر مع الشرق الأقصى بوضع قوة صليبية في بحر الهند وعدن، وقد كان هذا الأمر في ذلك الوقت ضرباً من المحال [3] .
- المشروع الرابع والعشرون: وتاريخه سنة 1571 م وهو مقدم إلى البابا بيوس الخامس، وأكثر موضوعه يدور على إيجاد المال اللازم لغزو الترك، وأما عدد الجيش اللازم فيقرره صاحب المشروع بمائة ألف راجل، وخمسين ألف فارس، وخمسين ألف بحري، ويقترح أن يسير الملك الجرماني من جهة البر، ويسير الأسطول الفرنسي من جهة البحر، وتوزع الأسلحة على نصارى الشرق، ويكتب إلى شاه العجم لمهاجمة الترك من الوراء [4] .
- المشروع الرابع والأربعون: وهو مشروع مقدم من الفيلسوف الألماني (لبينتز) وتاريخه 1672 م وقد استمر في تحريره أربع سنوات، وقدمه إلى لويس الرابع عشر ملك فرنسا، وكان يقترح قبل كل عمل البدء بفتح مصر ويقول:
(إنه إذا انتزعت مصر من يد الأتراك آل أمرهم إلى البوار) ويقول مخاطباً لويس الرابع عشر: (إنك أنت في حربك مع هولندا لا تجد حليفاً إلا الحليف الذي تشتريه بالمال، أما إذا حاربت تركيا فما أكثر أنصارك! فإسبانيا وأمراء إيطاليا والبابا وملك بولونيا يكونون معك!) [5]
واستمرت المشاريع وتحققت أحلامهم بإنهاء الدولة العثمانية والقضاء على
الخلافة، ويمكن أن نلحق في العصر الحديث بعضاً من مشاريع الغرب لتقسيم
المنطقة العربية الإسلامية. فقد نفذ مشروع (سايكس بيكو) بعد الحرب العالمية
الأولى، وقسمت منطقة بلاد الشام إلى دول خاضعة لبريطانيا وفرنسا، ثم وعد
وزير الخارجية البريطانية اليهود بأن تساعدهم بريطانيا لإقامة وطن لهم في
فلسطين، ثم مشروع روجرز الأمريكي للصلح مع إسرائيل، وما سياسة كيسنجر المعروفة بسياسة الخطوة خطوة إلا حلقة في هذه المشاريع المستمرة والمقصود بها العرب المسلمون بالدرجة الأولى فهل يتحقق فينا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ويل للعرب من شر قد اقترب) .
وهل يكثر الناس ويقل العرب بسبب تخبطهم في الداخل، وكيد الأعداء في
الخارج، كما ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للصحابية أم شريك حين سألته
عن العرب حين يفر الناس من الدجال قال: (هم قليل) [6] .