حركات سرية هدامة
الماسونية
مازن عبد الله
الماسونية أو البناؤون الأحرار (Freemasons) ، هي أقدم جمعية سرية
في العالم وأعمقها تأثيراً في مجرى أحداث التاريخ. ولقد اختلف المؤرخون في
تحديد تاريخ نشأتها، فمنهم من قال بأنها لا ترجع إلى ما وراء القرن الثامن عشر،
ومنهم من ردها إلى عهد بناء هيكل سليمان. والمؤرخون الذين قالوا في بأنها لا
ترجع إلى ما وراء القرن الثامن عشر أكدّوا بأن الماسونية تكونت مع بداية القرن
الثامن عشر من مجموعة من كبار المفكرين والعلماء الذين كفروا بتعاليم المسيحية،
فجاءت حركتهم كردة فعل على سلطان الكنيسة الواسع آنذاك. فلقد كانوا يجاهرون
بحرية الإنسان التامة واستقلاله من كل سلطة عليا (كسلطة الكنيسة) . وكانوا
يبغضون كل البغض الشرائع وكل النظم للهيئة الاجتماعية وعلى الأخص القوانين
الكنسية.
لقلد حافظت الحركة الماسونية على سريتها منذ إنشائها؛ فكانت تحرص على
ألا تكشف سرها إلا للذين اختبرتهم زمناً طويلاً. وكانت تعمل بالخفاء جاهدة،
مستغلة بعض الفلاسفة الملحدين أمثال فلتير وروسو ودلمار وفريدريك ملك بروسيا، الذين وجدت فيهم أنصاراً تكاتفوا في هدم أركان الدين وتخريب الممالك والعروش. وهكذا استمرت بعملها المنظم موجهة أغلب اهتمامها لإضعاف سلطه الكنيسة حتى
تمكنت من ضرب وحدتها سنة 1717 وظهور البروتستنتين. عندئذ أعاد الماسون
تنظيم حركتهم وغيروا فيها لتناسب الجو البروتستانتي الذى قرروا أن يؤيدوه ضد
الكاثوليكية، تكملة لمخططهم الذي وضعوه لضرب المسيحيين. فأسسوا في ذلك
العام محفل بريطانيا الأعظم، وأطلقوا على أنفسهم البنائين الأحرار بعد أن كانوا
فيما سبق يحملون اسم (القوة المستورة) .
وجعلوا من أهداف الماسونية الجديدة أو شعارها: الحرية، الإخاء، المساواة..
ومن بريطانيا، انتشرت الماسونية، فتأسس بإشراف محفل بريطانيا الأعظم:
- أول محفل ماسوني في جبل طارق سنة 1728.
- أول محفل ماسوني في باريس سنة 1732
- أول محفل ماسوني في ألمانيا سنة 1733.
- أول محفل ماسوني في أمريكا سنة 1733.
- أول محفل ماسوني في سويسرا سنة 1740.
- أول محفل ماسوني في الهند سنة 1752.
- أول محفل ماسوني في ايطاليا سنة 1763.
- أول محفل ماسوني في روسيا سنة 1771.
النورانية
في منتصف القرن الثامن عشر كانت حالة اليهود في أوروبا يرثى لها؛ ولقد
لقي هؤلاء من المسيحيين ما لم يلقه أحد. فلقد كان الصراع بين اليهودية والمسيحية
صراعاً عقائدياً ودموياً. فكان المسيحيون في أوروبا يضطهدون اليهود ويلاحقونهم
ويطاردونهم في كل مكان وجدوا فيه؛ ولقد ذبحوهم عدة مرات ونشروا الرعب في
صفوفهم وخاصة في القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.. عندئذ،
أي مع مطلع العقد السابع من القرن الثامن عشر، اجتمع عدد من كبار الحاخامين
والمديرين والحكماء، وقرروا أن يؤسسوا مجمعاً سرياً يعمل على تخليصهم من هذا
الوضع المزري ويعيد إليهم حقهم المسلوب وسلطانهم ومجدهم الموهوب من قبل
الرب كما يزعمون ولقد سموا هذا المجمع بالمجمع النوراني (The Illuminat) [1] . وكان المجلس الأعلى للمجمع النوراني مؤلفاً من ثلاثة عشر عضواً [2]
ويشكل هؤلاء اللجنة التنفيذية لمجلس الثلاثة والثلاثين [3] . وكان النورانيون
يجبرون كل عضو جديد ينضم إلى صفوفهم على أن يحلف أيماناً مغلظة بالخضوع
المطلق الشامل لرئيس مجلس الثلاثة والثلاثين والاعتراف بمشيئته مشيئة عليا لا
تفوقها أية مشيئة أخرى على الأرض كائنة من كانت.
شعار النورانيين
معاني رموز الشعار:
- الهرم: يرمز إلى المؤامرة الهادفة إلى تحطيم الكنيسة الكاثوليكية (كممثلة
للمسيحية العالمية) وإقامة حكم ديكتاتوري تتولاه حكومة عالمية على نمط الأمم
المتحدة.
- العين: التي في أعلى الهرم ترسل الإشعاعات في جميع الجهات: ترمز
إلى وكالة تجسس وإرهاب أسسها وايزهاوبت على نمط الغستابو تحت شعار الأخوة
لحراسة أسرار المنظمة وإجبار الأعضاء على الخضوع لقوانينها.
- الكلمتان المحفورتان في أعلى الشعار (صلى الله عليه وسلمnnuit Coeptis) تعنيان:
مهمتنا قد تكللت بالنجاح.
- الكلمات المحفورة في أعلى الشعار (Novus Ordo Seclorum)
معناها: النظام الجديد.
وأخيراً تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الشعار لم يتبن من قبل الماسونية إلا
بعد دمج أنظمتها بالأنظمة النورانية إبان مؤتمر فلمسباد سنة 1782 م. ...
ملاحظة: هذا الشعار هو الذي تبناه وايزهاوبت عندما أسس منظمة في أيار
1776 وهو نفسه الذي يظهر على أحد وجهي الدولار الأمريكي. والتاريخ الذي
تعنيه الأرقام المحفورة على قاعدته بالحرف الروماني (MOCCLXXVI) تعني
1776 تاريخ إعلان إنشاء المنظمة وليس تاريخ إعلان وثيقة الاستقلال الأمريكي.
النورانية تخترق الماسونية وتسيطر عليها:
في عام 1773 دعا ماير روتشيلد، أثنى عشر رجلاً من كبار الأغنياء
والمتنفذين لملاقاته في فرانكفورت، وكان الهدف من وراء هذا الاجتماع هو إقناع
هؤلاء بضرورة تنسيق الأمور فيما بينهم وتجميع ثرواتهم وتأسيس مجموعة واحدة
تمكنهم من تمويل الحركة الثورية العالمية فيستخدمونها للوصول إلى الهدف الأسمى
عندهم، ألا وهو السيطرة على الثورات والموارد الطبيعية واليد العاملة في العالم
بأجمعه: ولقد انتهى هذا الاجتماع بإقناع أغلبية المجتمعين بفكرة ما ير بعد ذلك أمد
ماير رجلاً يدعى آدم وايزهاوبت بالمال ليضع مخططاً على أسس حديثة يستهدف
تحقيق أهداف المجتمع النوراني وتطوير محافله. فقام هذا بمهمته خير قيام إذ
نظم سنة 1776 جماعة يبلغ عددهم نحو ألفي شخص، في محافل سماها محافل
النورانيين، واختار وايزهاوبت أنصاره من علية القوم، زاعماً أن الهدف من ذلك
هو إنشاء حكومة عالمية واحدة من ذوي القدرات والكفاءة والذكاء، لتحكم العالم
حكماً خيراً رشيداً، ووضع حد للحروب والعصبية والويلات. ولكن الهدف من ذلك
كان درس التسلل إلى قلب الماسونية الأوروبية والإفادة من تغلغلها وسريتها في
التمهيد لكنيس الشيطان للسيطرة على العالم.
لقد قرر النورانيون محفل الشرق الأكبر في مدينه انغولدشتان بألمانيا، مركزاً
لانطلاق حملة تغلغل المنظمة في قلب الماسونية الأوروبية في كل مكان.. في هذا
الوقت، كان وايزهاوبت قد وضع مخططه الذي كان يستدعي تدمير جميع
الحكومات والأديان الموجودة، وذلك عن طريق خلق معسكرات متناحرة
ومتصارعة في المجتمعات غير اليهودية التي يسمونها الجوييم (لفظة يطلقها اليهود
على جميع البشر من الأديان الأخرى) وإبقائها في حالة حرب حتى تضعف جميعها
وتكفر بكل القوانين والأديان، فيصبح من السهل على هؤلاء الشياطين أن يسيطروا
على تلك الشعوب المنهكة ويسيروها كيفما شاؤوا.. وكانت خطة وايزهاوبت
تقتضي اتباع الخطوات الآتية:
1- استعمال الرشوة بالمال والجنس للوصول إلى السيطرة على الأشخاص
الذين يشغلون المراكز الحساسة في جميع الحكومات وفي مختلف مجالات النشاط
الإنساني.
2- حث النورانيين على العمل كأساتذة في الجامعات والمعاهد العلمية ليتسنى
لهم اصطياد الطلاب النابغين والمتفوقين من الأسر العريقة فيغررونهم بأنفسهم بحكم
تفوقهم ويعطونهم الشهادات والرتب والألقاب والمنح، ثم يقنعونهم بفكرتهم
ويضمونهم إلى المحافل النورانية.
3- تدريب الشخصيات ذات النفوذ والطلاب المتفوقين الذين تم اصطيادهم،
ومساعدتهم بكل الوسائل على تولي أخطر المراكز الحساسة لدى جميع الحكومات،
بحيث يكون في إمكانهم توجيه سياسة تلك الحكومات بشكل يخدم على المدى البعيد؛ مخططات المجمع النوراني في القضاء على جميع الأديان والحكومات.
وهكذا، وعلى هذا الأساس، بدأت النورانية بتطبيق مخططاتها وترجمتها
عملياً على الأرض، عاملة على جبهتين: الجبهة الأولى وهي جبهة الشعب،
وتطبق فيها خطة وايزهاوبت الآنفة الذكر، والجبهة الثانية وهي جبهة الحركة
الماسونية بالأجهزة النورانية، وذلك سنه 1782 وهكذا تمكنت النورانية اليهودية
بإشراف موسى مندلسوهي، من النفاذ إلى قلب الماسونية الأوروبية الحرة على يد
آدم وايزهاوبت، تحت ستار محفل الشرق الأكبر.
أما بالنسبة للجبهة الأولى، ولما كانت فرنسا وإنكلترا أعظم قوتين في العالم
في تلك الفترة، أصدر وايزهاوبت أوامره بإثارة الحروب الاستعمارية من أجل
إنهاك بريطانيا وإمبراطوريتها، والعمل على تنظيم ثورة كبرى، يتم التخطيط لها،
من أجل إنهاك فرنسا. ولكن في سنة 1784 ولسوء حظ وايزهاوبت، وقعت
مخطتها التي وضعت على شكل وثيقة في أيدي رجال أمن تابعين لحكومة
بافاريا [4] ، وذلك في منطقة راتسبون (Rصلى الله عليه وسلمTTSرضي الله عنهONO) في طريقها من ... فرانكفورت إلى عملاء وايزهاوبت في باريس، الذين أوفدهم إلى فرنسا لتدبير الثورة فيها.
وعلى أثر اكتشافها تلك الوثيقة، أمرت حكومة بافاريا بإغلاق محفل الشرق الأكبر
عام 1785 واعتبرت جماعة النورانيين خارجين عن القانون.. ومنذ ذلك الوقت،
انتقل نشاط النورانية إلى الخفاء؛ وأصدر وايزهاوبت تعاليمه إلى أتباعه بالهجرة
إلى سويسرا وفرنسا والعمل مع رفاقهم في الماسونية الحرة من أجل نجاح مخططه
من هناك.. وبالتقاء ماسونية الشرق الأكبر النورانية مع الماسونية الغربية الحرة،
جرت منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، الأحداث الكبرى في أوروبا وأمريكا
بصورة خاصة وفي العالم كله بصورة عامة وبشكلها الذي جرت وتجري فيه.
تحذيرات ضائعة والمؤامرة مستمرة:
عندما انتقل أتباع وايزهاوبت إلى سويسرا وفرنسا والتقوا برفاقهم في
الماسونية الحرة، كانت النورانية في ذلك الوقت قد سيطرت سيطرة تامة على
الماسونية ومحافلها كما ذكرنا، وفرضت عليها مبادئها وأدخلت إليها طقوسها
الخاصة (تنظيمها الإداري، إدارة الاجتماعات، الدرجات والترب والألقاب) .
وهناك بدأ العمل المشترك بالخفاء لتنفيذ مخطط وايزهاوبت. لقد اتبع هؤلاء في
عملهم هذا كل الأساليب، مستفيدين من كل الأوراق التي يمتلكونها، مستعملين
أدنى الوسائل وأحقرها من أجل الوصول إلى أهدافهم، ذلك أن هؤلاء، ومن
ورائهم موجهوهم حكماء النورانية، يؤمنون بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.. وهكذا فلم
يأت عام 1789 حتى اندلعت الثورة في فرنسا وسقط الملك، وسقطت الملكة ودفعا
رأسيهما ثمن تجاهلهما لتحذيرات الحكومة البافارية. وكما حذرت حكومة بافاريا
حكومات فرنسا وإنجلترا وروسيا من خطر هؤلاء، فلقد حذر منهم حتى بعض
الماسونيين الذين كانوا من رؤساء الماسونية الحرة والذين أحسوا بخطر هؤلاء على
حركتهم بشكل خاص وعلى العالم بشكل عام، تجرؤوا، وبدافع غيرتهم عل بلادهم
وشعبهم، على البوح بأسرار هؤلاء ومخططاتهم ولطالما حذروا منهم؛ ففي عام
1789، عام انفجار الثورة في فرنسا، حذر جون روبسون [5] الزعماء
الماسونيين من تغلغل جماعة النورانيين في محافلهم ولكن تحذيره هذا لم يسمع.
وفي عام 1798 عمد روبسون إلى نشر كتاب أسماه (البرهان على وجود مؤامرة
لتدمير كافة الحكومات والأديان [6] ) ولكن هذا التحذير تجوهل كما ... تجوهلت التحذيرات التي سبقته، وفي التاسع عشر من تموز 1798، أدلى دافيد باين، رئيس جامعة هارفارد، بنفس التحذير إلى المتخرجين في أمريكا. وفي عام 1826 حذر الكابتن وليام مورغان (أحد رؤساء ومنظمي الماسونية الحرة في أمريكا) بقية رفاقه الماسونيين والرأي العام وأعلمهم وشرح لهم الحقيقة فيما يتعلق بالنورانيين ومخططاتهم السرية وهدفهم النهائي، ولكن النورانيين استطاعوا أن يتخلصوا منه عن طريق أحد عملائهم وهو الانجليزي ريتشارد هوارد، الذي تمكن من اغتيال مورغان على مقربة من وادي نياغارا على الحدود الكندية وعلى الرغم من أن هذا الحادث أدى آنذاك إلى استياء وغضب ما يقرب من 40% من الماسونيين في شمالي أمريكا وهجرهم للماسونية، فلقد تمكن هؤلاء القائمون على تلك المؤامرة وبحكم نفوذهم، من طمس تلك الأحداث، والتشويش على كل التحذيرات التي كانت تصدر بين الحين والآخر وحذف حوادث بارزة كثيرة من مناهج التدريس التي تدرس في المدارس الأمريكية وغيرها.. وهكذا تنسى التحذيرات والمحذرون وتتجاهل، وتبقى المؤامرة.