في الدعوة والعمل
صالح بن عبد الله الدرويش
إن الحمد لله، نحمده ونستعين به ونعوذ به من سيئات أعمالنا وبعد:
فإن الخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة مهما ادلهمت الفتن وانفض
الأعوان عن الطائفة المنصورة، ومن بشارات الخير عودة الناس ورجوعهم إلى
ربهم - سبحانه وتعالى- والمناداة بالرجوع إلى هدْي الرسول -صلى الله عليه
وسلم- والعمل على ذلك.
ومع بروز الصحوة الإسلامية واستبشار المسلمين بها إلا أنه لا يغني عن
دراسة الواقع لتقييم الخلل والسعي لإكمال النقص، من غير نقد للأشخاص أو
تشهير بالجماعات والأفراد، بل التمسك بالحق وحده.
صور من الميدان العملي:
الدارس لميدان الدعوة العملي يجد قضايا كثيرة تحتاج إلى بيان، ونقف اليوم
مع إحدى تلك القضايا ألا وهي تأثير صغار الشباب على زملائهم، وذلك لانشغال
غيرهم بالمؤتمرات وبحوثها، والتأليف في مواضيع مكررة غالباً مع حرصهم على
نشرها، ناهيك عن مشاغل الحياة وفتور الهمم، وحصل من هذا أن تولى تربية
الشباب أمثالهم، فهم الذين يقومون بالتوجيه والإرشاد، بل وتقويم الكتب والرجال
والمدارس الدعوية؛ لذا لابد من تدارك الأمر بمشاركة طلبة العلم الشباب
ومصاحبتهم والكتابة لهم بما ينير الطريق أمامهم.
الوقفة الأولى: الجانب التعبُّدي:
تسمع ما يعجبك من أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال
والأعمال الظاهرة والباطنة، وأنه لا عون للمسلمين إلا بصدق الالتجاء إلى الله..
وإذا نظرت في مصداق ذلك من خلال الواقع العملي تجد التفريط بالواجبات
المكتوبة، وفعل المحرمات، ومن الأمثلة:
أ- التهاون بأداء الصلاة مع الجماعة، لا سيما الفجر، وقد يؤديها المصلي
بعد شروق الشمس.
ب- عقوق الوالدين وإهمال حقوقهما وكذا سائر من تجب صلته.
ج- موالاة الكفار وعدم التفريق بين المسلم وغيره في التعامل، ومحبة أهل
البدع وتأييدهم.
د-التهاون بالذنوب عامة والإصرار عليها كأكل الربا، والمال الحرام،
والخلوة بالأجنبية.. وغير ذلك مما حرمه الله.
وهذه المظاهر ينبغي دراستها والنظر في أسبابها وكيفية التخلص منها وعلاج
الواقع، ولاسيما أن الدارس يجد الأمثلة الحية التى لا تُحصى والتى تؤكد وجود
النقص بل الخلل لدى قطاعات كبيرة من المجتمعات الإسلامية التي لا حرج من
الجزم بأنها تعيش على عقيدة الإرجاء؛ لذا لابد من إعادة النظر في المناهج
التربوية التى يسير عليها الدعاة وينبغي بذل كل ما في الوسع لغرس عقيدة الخوف
من الله - سبحانه وتعالى - ومراقبته في النشء وتربية الشباب على الرغبة فيما
عند الله من الأجر والثواب. وغرس هذه العقيدة في النفوس يحتاج إلى زمن
وتضافر جهود، والمهم السير في الطريق.
وثمار تأصيل هذه العقيدة لا تحصى، ويكفي أن عامة المشاكل المستعصية في
الساحة الإسلامية بسبب ضعف الخوف من الله - سبحانه - ومراقبته.
الوقفة الثانية: الجانب العلمي:
يمكن رصد ما يلي بوضوح وبلا مشقة على مستوى العالم الإسلامى، وإن
كان الوضع في بعض المناطق الإسلامية يبشر بخير والحديث هنا عن الشباب عامة
والمنتسبين لطلب العلم منهم خاصة ويلاحظ:
1 - قلة الاهتمام بالدراسات الشرعية الجادة؛ الإنتاج التجاري كثير ولكن
الدراسات العميقة الأصيلة قليلة، والأهم من ذلك أنك لا تجد مناهج للبحث.
2- التساهل في تلقي المعلومات وعدم البحث والتدقيق والنظر للعمل بالراجح
وتغليب الخمول والتقليد، والاعتماد على السماع في عامة المسائل الفقهية ونحوها،
ويبرر الشباب وضعهم بأنه لا حرج من الاستفتاء وأن حَمَلَة الفقه كثيرون، وهذا
العذر مقبول من غير المتخصصين في الشريعة، ولكن المصيبة حاصلة في قضايا
الفكر المعاصر، وبالتحديد في فقه الدعوة وفقه الواقع واتخاذ المواقف والقرارات
في الأحداث المستجدة على الساحة الإسلامية؛ فتجد الانغلاق الفكري وعدم السماع
إلا من أفراد معدودين ولو كانوا - باعتراف أتباعهم - جهلة في العلم الشرعى،
فيتساهل الشباب في قبول الفتاوى من أي جهة، وفي أي نازلة!
3 - يحرص بعض الدعاة على التقليل من أهمية العلم والعلماء وفيهم مَن لا
يتورع من نقد العلماء وإبعاد الشباب عنهم، فهذه مصيبة والحديث عنها يطول
وأختصره بإيراد قصة وسؤال.
أما الحادثة فقد وقعت في إحدى المناسبات، ففي تجمع شبابي، قُدمت قصص
فيها لمز بالعلماء وبعدها جرى نقاش في الموضوع وخلاصته: هل يوجد في هذه
الدولة علماء؟ ، وأجمع مَن حضر أنه لا يوجد ومع هذا تجد النقد المؤلم يوجه
للعلماء، والسؤال: أيهما أهم تعلم العلم الشرعى أو سائر العلوم الأخرى في حالة
قلة الدارسين للعلم الشرعى من الدعاة؟ ، ولكى يتضح المراد نضعه بالصيغة التالية:
تنبيهات لابد منها:
1 - إشعار الشباب بحاجة المجتمع عامة والدعوة خاصة إلى العلماء الربانيين، وأن الأمة عامة، والصحوة الإسلامية خاصة تعاني أشد المعاناة من قلة هؤلاء.
2- حث الشباب على طلب العلم وترغيبهم بذلك وتشجيعهم بالقول والعمل،
لعل الله - سبحانه وتعالى - يُخرج من بينهم علماء عاملين، ومعلوم أنه في كل فن
يقوم بدراسته والتخصص فيه آلاف الأشخاص، ولا ينبغ منهم إلا النادر، وكذلك
في الشريعة الإسلامية؛ فالشباب بأمس الحاجة إلى من يفقه الواقع ويتمكن من العلم
الشرعي وأصوله ويتحلى بالورع والحكمة.
3 - الحذر من تقليل شأن العلم الشرعي، والابتعاد عن نقد العلماء لكى
يستفيد الشباب من علمهم والدراسة عليهم، وهذا لا يمنع من بيان نقاط الضعف
عندهم أو التحذير من أخطائهم.
4 - لابد من بيان المنهج السليم لطالب العلم الشرعي للشباب وتشجيعهم على
سلوكه؛ لأنه منهج السلف الصالح، فعلى المربين الاهتمام والنظر في ميول الشباب
ورغباتهم وتوجيههم لطلب العلم.
الوقفة الثالثة: الوعي السياسي:
هذا الباب يدخل في فقه الواقع، ورحم الله ابن القيم حيث جعل فقه الواقع
يقابل الفقه الشرعي وشطره، بل ذهب الإمام القرافي - رحمه الله - إلى أبعد من
ذلك حين بيّن الفرق بين أدلة الأحكام وأدلة وقوع الأحكام وخرج بأن وقوع الأحكام
أوسع ويحتاجها القاضي والمفتي وغيرهم، فلا يمكن إيقاع الحكم على حادثة معينة
إلا بعد معرفة أدلة وقوعها وما يتعلق بها.
إن الدارس لواقع الشباب يجد اهتماماتهم جيدة في متابعة أخطاء وزلات
غيرهم، ويعتقد البعض أن تتبع العثرات هو قمة الوعي السياسي والحقيقة أن هذه
نظرة سطحية وتظهر فيها الضحالة لفقه الواقع والشرع، ومن سلبياتها التربوية ما
يلي:
أ- تعويد الشباب على الغيبة وذكر الشائعات وعدم التثبت من صحة الأخبار
وبالتالي يصبح الشباب نَقَلَة أخبار.
ب - فيه استهلاك للجهد والوقت وخاصة أن بعضهم يعتقد أن متابعة هذه
الأخبار ونشرها عين الدعوة، وأنهم بهذا العمل يخدمون الإسلام بينما العمل
الإسلامى بحاجة إلى العمل ومواصلة التربية الإيمانية دون القيل والقال.
ج -زعم كثير منهم أنه بتلك المتابعة أصبح من علماء السياسة مع جهله
بصحة الأخبار وعدم قدرته على تحليلها وإدراك أبعادها، لذا يرى - مَن هذا وصفه
- أنه ليس بحاجة إلى غيره لفهم الواقع وأن قراراته وأحكامه هي الصحيحة!
ضرورة شرعية لابد منها:
لابد من ربط الشباب بعقيدة الولاء والبراء والتأكيد على التعامل مع الناس من
خلال تلك العقيدة فإن الدارس لعقيدة الولاء والبراء يتعامل مع أقاربه وجيرانه
وسائر المجتمع من خلالها، فلا تنحصر المحبة لمن يوافقه في أفكاره وآرائه بل
المحبة لسائر المؤمنين من أقاربه وجيرانه وسائر الأمة.
وينبغي تنبيه الشباب على حفظ ألسنتهم وأسماعهم من الغيبة والقيل والقال ولا
رادع عن ذلك إلا بالخوف من الله - سبحانه وتعالى - ومراقبته - عز وجل - وإذا
جاء النقد من خلال الدراسات (وثائق وحقائق وأرقام) فهذا مطلب شرعي ولا حرج
فيه.
الوقفة الرابعة:
يزداد يوماً بعد يوم عدد الشباب الذين منّ الله عليهم بالتمسك بتعاليم الإسلام،
ولكن آثارهم في الواقع الاجتماعي أقل من حجمهم، وكسْب الواقع اجتماعياً وجعله
واقعاً إسلامياً من مهام الداعية الأساسية، وخاصة في المدن الصغيرة والقرى
والأرياف وذلك بالقيام بتطبيق تعاليم الإسلام وبذل مزيد من الجهد والعمل الإيجابى
الجاد ليكون لهم دور قيادي وفعال في مجتمعاتهم والمصالح المترتبة على ذلك كثيرة، وهنا لابد من ذكر بعض الملاحظات:
أ- لا يمكن أن يكون للداعية ولاسيما الشباب قيمة في المجتمع وله قبول
ومحبة لدى العامة من غير عمل إيجابي للعامة، يُحمد عليه، والأعمال - ولله
الحمد - متنوعة ومنها اليسير السهل ومن قام به نال الأجر والثواب، ومن الأمثلة
التي يغفل عنها مع أهميتها: صلة الرحم وزيارة الجيران والمناصحة، وتولي إمامة
المسجد، وكذا الأذان والخطابة.
ب - ينبغي أن يكون للشباب تواجد في المشاريع الخيرية التي تخدم البلد
والمساهمة في ذلك قدر الطاقة فإذا لم يكن ثمة مشاريع قائمة فعلى الشباب السعي
والبدء بها، لأن المشاركة في المشاريع الخيرية العامة تساهم في توثيق الصلة بين
الشباب وغيرهم من أعيان ووجهاء البلد وبالتالي إزالة الفجوة فيما بينهم.
ج - ضرورة مخالفة الشباب للعادات المحرمة شرعاً وبيان سبب مخالفتهم لها، والسعي لأن يفعل غيرهم فعلهم، وكذلك امتثال الأوامر الشرعية وإحياء السنن،
وحث غيرهم على ذلك ومتى كسب الشباب ثقة المجتمع سهل عليهم القيام بالمهمة
الشاقة وهي مخالفة العادات ومحاربة البدع والمنكرات وإحياء السنن والعمل بها
والله الموفق.