منبر الشباب
الجرح والتعديل في ثقافتنا المعاصرة
إبراهيم بن محمد العبد الله
إذا كان موضوع الجرح والتعديل قديم الطرح، فإن الرؤية الجديدة والصياغة
الحديثة له تجعل منه موضوعاً جديراً بالبحث والدراسة والمدارسة الواسعة.
وقد تبين لي - من خلال مثاقفة بعض المفكرين والقراءات المتعددة لكثير من
الكتَّاب من أصحاب الفكرة الإسلامية - أننا بحاجة ملحة إلى صياغة هذا الفن
العلمي والتخصص النادر على واقعنا الثقافي في البلاد الإسلامية، ولعل هذا يعتبر
من الواجبات على أهل العلم والدعاة المخلصين العارفين بالله وبعباد الله.
وعلى هذا سار علماء الجرح والتعديل الأوائل معتبرين أن جرح الضعفاء في
الأمة من النصيحة، بل من الواجبات الشرعية التي ألزموا أنفسهم بها.
يقول الإمام الترمذي - رحمه الله - معللاً كلام علماء الجرح والتعديل بقوله:
«وإنما حملهم على ذلك - عندنا - والله أعلم: النصيحة للمسلمين، لا يظن بهم
أنهم أرادوا الطعن على الناس أو الغيبة! وإنما أرادوا - عندنا - أن يبينوا ضعف
هؤلاء لكي يعرفوا؛ لأن بعضهم كان صاحب بدعة أو متهماً في الحديث - وبعضهم
- كانوا أصحاب غفلة وكثرة خطأ، فأراد هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم شفقة على
الدين وتثبيتاً له. لأن الشهادة في الدين أحق أن يتثبت فيها من الشهادة في الحقوق
والأموال» اهـ. [كتاب العلل للإمام الترمذي 5/1739] .
وبهذا تبين لنا أن الجرح والتعديل ضرورة ملحة وفريضة شرعية على علماء
الأمة في القديم والحديث؛ لصيانة شريعة الله عز وجل وحفظاً لسنة المصطفى -
صلى الله عليه وسلم - من ضلالات المنحرفين وافتراءات الأعداء.
وبعد نظر ومعايشة فكرية لما يظهر في ساحتنا وأسواقنا الفكرية من أحاديث
متنوعة حول «الإسلام والحل الإسلامي» لمشكلاتنا المعاصرة والملازمة للأمة
الإسلامية في واقعها المتخلف أخلاقياً وعلمياً وحضارياً. فإني أرى أنه من اللازم
على علماء أهل السنة الذين يملكون رؤية شمولية عن الإسلام أن يحيوا هذا المنهج
السديد في حفظ دين هذه الأمة، بالتأصيل والربط بالواقع، لكي يتمكن أبناء
الصحوة الإسلامية في عالمنا الإسلامي من الحذر من طرح رؤية وفكر أهل الباطل
المتكلمين بلسان الإسلام، وطرح الحلول لواقعنا المتخلف في جميع جوانبه وزواياه
المتنوعة.
ولكى يحذر شباب هذه الصحوة من الإملاءات الفكرية في الكتب والمنشورات
والمجلات التي تحمل التشكيك في صلاحية هذا الدين، وأشد ما يحتاج إليه في هذا
الأمر هو بيان حال هؤلاء الكتاب الذين يدافعون عن الإسلام، ويحملون حماساً قوياً
للإسلام، ومع هذا كله لا يلتزمون بالإسلام سلوكاً ومعتقداً عملياً في حياتهم إنما هو
الإسلام الفكري فقط.