د. محمد مورو
لماذا يعدُّ الغرب الهزيمة في أفغانستان أخطر من الهزيمة في العراق رغم أن العراق يتمتع بثروات بترولية هامة تجعله مطمعاً للقوات الاستعمارية، ورغم الموقع الاستراتيجي للعراق؛ كونه على بوابة الوطن العربي الشرقية، فإن الغرب يعدّ الهزيمة في أفغانستان أخطر من الهزيمة في العراق، وذلك لعدة أسباب تتصل بأن التحدي الرئيسي الذي يواجهه الغرب - من وجهة نظر الغرب طبعاً - هو الإرهاب الإسلامي.
الهزيمة في العراق لها بالطبع تداعيات استراتيجية كبرى، على مستوى خطورة الصعود الإيراني من ناحية، وعلى مستوى التداعيات بالنسبة لدول المنطقة، وأيضاً على مستوى إحساس الشعوب بالقدرة على مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني، وعدم قدرة آلة الحرب العسكرية الأمريكية على إخضاع الشعوب، الأمر الذي سيقلص قدرة أمريكا على فرض إرادتها بسهولة على الآخرين، ويرفع الروح المعنوية لقوى المقاومة للمشروع الأمريكي الصهيوني، ولكن هذا الأمر أيضاً يتحقق بالهزيمة الأمريكية الغربية في أفغانستان، صحيح أن زخم الهزيمة في العراق من الناحية الإعلامية كبير جداً، ولكنه في النهاية في إطار الدعاية والإعلام اللذين من الممكن احتواء آثارهما.
الهزيمة في العراق تعني أيضاً فشل المشروع الإمبراطوري الأمريكي الذي كان يخطط للقفز على سوريا ثم مصر وهكذا، وإخضاع المنطقة بالكامل للنفوذ الأمريكي الصهيوني، ولكن هذا الفشل في المشروع الإمبراطوري الأمريكي يعني فقط فشل أجندة اليمين المحافظ الأمريكي، ويمكن ـ من ثمَّ ـ لإدارات أمريكية أخرى أن تتخلَّى عن هذا المشروع بالكامل وتعود إلى سابق سياساتها في المنطقة، وهو في النهاية فشل لأحد المشروعات الأمريكية.
هذا بالطبع ليس بالأمر البسيط وله آثاره الكبيرة والممتدة، ولكن من الممكن لأمريكا أن تتحمل هذا الفشل خاصة أنها نجحت إلى حدٍّ بعيد في إحداث فتنة طائفية في العراق يمكن لها أن تمنع قيام قاعدة إسلامية (سنية) في العراق إلى فترة غير قصيرة يمكن أن تشكل خطراً على الغرب وأمريكا.
بخصوص أفغانستان فإن الأمر مختلف، فالهزيمة الأمريكية الغربية تعني مباشرة تحول أفغانستان إلى منطلق للمقاومة الإسلامية السنية ضد الغرب وأمريكا، وهي المقاومة التي لا تقبل ولا تملك عناصر التفاهم مع أمريكا، على عكس المشروع الشيعي، الذي لا يمانع من التفاهم مع الغرب وأمريكا على حساب السُّنّة، بل يسعى إلى ذلك سعياً حثيثاً، ولولا وجود مشكلات عويصة مثل الدولة الصهيونية والملف النووي الإيراني وغيرها؛ لأمكن لهذا التفاهم أن يتم.
من الناحية العرقية والمذهبية فإن أفغانستان يمكن أن تصلح قاعدة للمقاومة السنية، والتحالف الشمالي في أفغانستان وصل إلى حالة من التفكك والإحساس بعدم جدوى المراهنة على الأمريكان بحيث أنه لم يعد قادراً على منع تحول أفغانستان إلى قاعدة للمقاومة السنية، أضف إلى ذلك أن هذا التحالف لا يستند إلى عمق استراتيجي عرقي أو مذهبي؛ فباكستان ـ مثلاً ـ من الناحية الشعبية والمذهبية والعرقية ستنحاز إلى البشتون وطالبان، خاصة أنها لم تجد من أمريكا أي فائدة في إطار صراعها مع الهند، وهي ترى أن طالبان والبشتون هما عمق استراتيجي لها في النهاية في إطار المعادلات الإقليمية المعقدة في تلك المنطقة، أما شيعة العراق أو حلفاء أمريكا في الغرب فهناك امتدادات مذهبية لهم في إيران وعرقية بالنسبة للأكراد في العراق وكل من إيران وسورية وتركيا وهكذا، فإن طالبان لو استعادت السلطة ستكون أكثر استقراراً من أي حركة سنية تصل إلى نوع من السلطة في العراق أو بعض مناطقه، والمحصلة النهائية أن الحرب على الإرهاب ستتأثر بالهزيمة في العراق، ولكنها ستصاب بضربة قاتلة بالنسبة لأمريكا في حال الهزيمة في أفغانستان.
ولعل نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) قد شخَّص الحالة بشيء من الدقة عندما قال في خطاب له في أستراليا في زيارته الأخيرة إليها أن الجهاديين يمكن لهم بعد أن ذاقوا طعم النصر أن يشكلوا ملاذاً وقاعدة للإرهاب في أفغانستان، ومن ثم فإن قرار رئيس الوزراء البريطاني بسحب نصف قواته من العراق يتضمن أيضاً توجيههم إلى أفغانستان.
المؤشرات في أفغانستان تشير إلى غير صالح الاحتلال، ورغم وجود 33 ألف جندي من قوات حلف الأطلنطي، بالإضافة إلى 20 ألفاً من القوات الأمريكية في أفغانستان، ويتم زيادتهم باستمرار، وقد طلب الرئيس الأمريكي زيادة قدرها 10.6 مليار دولار لحساب الحرب في أفغانستان، وبرغم تسلُّم قائد أمريكي جديد هو (دان ماكنيل) يوم 4 فبراير 2007م من زميله البريطاني (ديفيد ريتشاردز) مهمةَ قيادة قوات الناتو في أفغانستان؛ فإن الحقائق على الأرض تظهر تصاعد قوة طالبان، فالخسائر في الأرواح، وعدد العمليات الاستشهادية والفدائية التي نفذتها عناصر طالبان في عام 2006م كانت كبيرة جداً، بالقياس إلى مستوياتها منذ عام 2001م حتى عام 2005م، وتعترف مراسلة مجلة (نيويورك تايمز) الأمريكية في أفغانستان أن حركة طالبان أصبح لها وجود مقاوم في كل ولايات أفغانستان من دون استثناء، وأن هناك ثلاث ولايات تسيطر عليها طالبان بالفعل وهي: أوروزغان، وهلمند، وقندهار، وهناك ثلاث ولايات أخرى تسيطر طالبان على أجزاء منها وهي: كابول وغازفي وبكتيكا، كما شهد بداية عام 2007م استيلاء طالبان على عدد من المدن الهامة، بل ووجود مساندة من جانب جنود منسوبين للحكومة لطالبان في هذا الصدد، كما حدث في الهجوم على مدينة موسى قلعة، الأمر الذي يعني وجود اختراق قوي لطالبان في صفوف الجيش الحكومي، ووجود تعاطف لدى هؤلاء الجنود مع حركة طالبان، وعدم قدرة الحكومة على السيطرة على جيشها، وهو أمر يضع أعباء كبيرة على عاتق القوات الأجنبية، وفي الحقيقة؛ فإن الرفض الشعبي الأفغاني لقوات الاحتلال يتزايد، والفشل والفساد المستمران لحكومة كابول أدّىا إلى عزلتها وعدم وجود تأثير لها خارج القصر الرئاسي الذي يحرسه حراس أجانب!
ووصل الأمر إلى حدِّ اندلاع مظاهرات تندِّد بالاحتلال في قلب العاصمة كابول، بل في مناطق من كابول ليست من الأغلبية البشتونية، بل تابعة لأعراق أخرى كانت تؤيد تلقائياً تحالف الشمال، وهذا يعني أن الإفلاس الحكومي ورفض الاحتلال وصل إلى كل الأعراق الأفغانية وليس البشتونية فقط، أضف إلى ذلك أن الإحساس الباكستاني بضرورة تأييد طالبان رغم أنف الجنرال (برويز مشرف) حاكم باكستان أو برضاه الصامت؛ أصبح يعبر عن نفسه علناً، فالسيد (محمد خان أوركزاي) حاكم الولاية الحدودية الشمالية الغربية الباكستانية المتاخمة لأفغانستان وصف حركة طالبان بأنها (حركة تقوم بحرب تحرير وطنية) ، مما دفع الإدارة الأمريكية والرئيس الأفغاني (حامد كرزاي) إلى اتهام باكستان بأنها توفر ملاذاً آمناً لمقاتلي طالبان، والحقيقة أن تعاون الشعب الباكستاني مع حركة طالبان هو تعاون يستند إلى أسباب دينية وعرقية ومن ثم فهو أقوى من أن تمنعه حكومة باكستان، بل إن شخصيات كثيرة داخل الحكومة ذاتها تعدُّ دعمَ طالبان جزءاً هاماً من المصلحة الباكستانية والأمن القومي الباكستاني.
وهكذا؛ فإن فشل حكومة (كرزاي) وفسادها، وعدم نجاح قوات الاحتلال في تقديم أي خدمات أو مزايا للشعب الأفغاني، وكذا إحساس الشعب الأفغاني بالمهانة بسبب الاحتلال الأجنبي، إلى جانب رفضه التقليدي المعروف والعتيد للاحتلال؛ جعل الشعب الأفغاني يتعاطف مع حركة طالبان التي نجحت بدورها في تنظيم صفوفها واستعادت زمام المبادرة، مما يعني أن أياماً عصيبة تنتظر القوات الأجنبية في أفغانستان، وأن العدَّ التنازلي لهزيمة الغرب في أفغانستان قد بدأ.