د. يوسف بن صالح الصغير
أثناء زيارة رئيس البنك الدولي لإستانبول طُلِبَ منه خلع حذائه لدى زيارته أحد المساجد، وبقدر ما كان الطلب منطقياً فهو محرج وغير متوقع؛ فقد كانت الصحافة حاضرة، وانتشرت صور قَدَم المسؤول الكبير الظاهرة من خلال الشقوق والتمزقات، ولكن هذا لا يهم؛ لأن شعاره المرفوع بعد توليه منصبه الجديد هو: (التنمية ومحاربة الفساد في إفريقيا) ولا يمكن تحقيق الهدف إلا بمن يحمل صفتي: الأمانة والتدبير.
وإذا عدنا إلى سيرته الذاتية فهو يهودي بولندي الأصل اسمه «بول وولفوفيتز» ولد في نيويورك، ويحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية، وعمل أكاديمياً، ثم سياسياً ينظِّر للمحافظين الجدد، وكانت نظريته الأساسية تقوم على نشر الديمقراطية قهراً؛ وعلى أساسها عُيِّن نائباً لوزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية. ومع بوادر الفشل في العراق كان ضرورياً خروجه قبل سقوط (رامسفيلد) . وهو من أكبر دعاة الحرب، وكان ملفتاً للنظر اختيار الإدارة الأمريكية له، رئيساً للبنك الدولي، وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول آلية اختيار المسؤولين حالياً، وهل الأساس فيها البحث عن شخص مناسب للمنصب الشاغر، أم البحث عن منصب شاغر للشخص المناسب؟ ويبدو لي أن الشخص المناسب يُبْحَث له عن منصب لائق؛ وأمامي مجموعة من الأحداث الدالة على هذا الاستنتاج:
1 ـ تعيين (بول وولفوفيتز) نائباً لوزير الدفاع الأمريكي وهو أحد أهم المحافظين الجدد في واشنطن، وأكثرهم نفوذاً في رسم السياسة الخارجية خلال سنوات حكم المحافظين في التسعينيات من القرن الماضي، وقد آمن وولفوفيتز بأن عدم غزو بغداد أثناء حرب الخليج الثانية والاستيلاء عليها كان خطأ فادحاً، وكرر وولفوفيتز وآخرون في الإدارة هذه المقولة مراراً عبر السنوات الماضية، وكتبوا مجموعة من الخطابات والأوراق البحثية مع مجموعات أخرى من المحافظين الجدد من خلال بعض مراكز الفكر مثل: مشروع القرن الأمريكي، ولجنة تحرير العراق. ومع خروجه من البنتاجون تم تعيينه رئيساً للبنك الدولي، وأخيراً اعترف بأنه أساء استخدام منصبه عندما أصدر قرارات ترقية وزيادات في أجر موظفة بالبنك كان على علاقة عاطفية معها، وقد طالبت جمعية موظفي البنك الدولي باستقالة وولفوفيتز حفاظاً على سمعة البنك؛ ومع ذلك أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض (دانا بيرينو) أن «الرئيس يثق ببول وولفوفيتز وبعمله» في البنك الدولي. وأعتقد أن بقاءه مرهون إما ببقاء بوش في السلطة أو العثور على منصب آخر لائق ببول. وإذا كانت هذه الموظفة تنتمي إلى أسرة مسلمة يتلاعب بها هذا اليهودي؛ فماذا يقول دعاة حرية المرأة عن الثمن الذي يجب أن تدفعه المرأة للترقي في العمل زيادة على الأداء المتميز والكفاءة المهنية؟
2 ـ ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن وزارة الخارجية استدعت سفيرها في السلفادور بعد أن عثر عليه عارياً وثَمِلاً ومكبل اليدين ومكمَّماً في أحد شوارع العاصمة سان سلفادور، وقالت وزارة الخارجية: إن السلوك المعيب لأحد ديبلوماسييها في الطريق العام «أمر لم يحصل من قبل» وأعلنت انها ستعين سفيراً جديداً في أقرب وقت.
3 ـ عثر على السفير الإسرائيلي في أثيوبيا مصاباً بالرصاص في منزله بأديس أبابا، وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية: إن الحادث لا يبدو «حادثاً إرهابياً» .
4 ـ تقديم سفير إسرائيل السابق في البرازيل إلى القضاء بتهمة اغتصاب قاصر في الثالثة عشرة من عمرها.
5 ـ وفاة سفير إسرائيل في فرنسا، وكان من أبرز ديبلوماسييها وأكاديمييها، وهو في صحبة غانيتين في أحد فنادق باريس.
وحيث إن كل هؤلاء يحملون الجنسية الإسرائيلية فإنني أكتفي بإيراد بعض التعليقات الإسرائيلية على موقع صحيفة (معاريف) على الإنترنت؛ حيث عزا كثيرون هذا السلوك إلى طريقة التعيينات التي تنتهجها الوزارات المختلفة القائمة أساساً على المحسوبيات، مستذكرين أن رئيس الحكومة إيهود أولمرت وعدداً من النواب في الكنيست الذين شغلوا مناصب وزارية تم تقديمهم إلى القضاء جراء تعيين ناشطين حزبيين في مناصب رفيعة من دون أن تتوافر فيهم الكفاءات المطلوبة. واقترح أحد المعقبين، ساخراً، تعيين السفير العاري «رئيساً للدولة بدلاً من موشيه كتساف» الذي يواجه لوائح اتهام باغتصاب عدد من الموظفات اللواتي عملن معه، وأضاف آخر: «هكذا تكون حالنا عندما يسيطر الإجرام المنظم على الحكم» .
وأخيراً: فإن هذا يدل على أن الفساد وصل إليهم وتغلغل فيهم، وأنهم انتقلوا من مرحلة البناء والظهور إلى المرحلة التالية وهي مرحلة الركون والاستغلال، وكلما ضعفت الحساسية للفساد وبقي من تلبَّس بالخيانة أو التقصير، بل يعلن الرئيس الرضا عنه؛ فإن الانحدار قريب، وما أرجو هو ألا تكون إفاقتهم سريعة، وألا ينطبق عليهم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - حول صفات الروم لكثرة اليهود بينهم.