د. أحمد عبد الحكيم السعدي
في ظلّ ما نشهده من تصاعد للأحداث على الصعيد الأمني، ومن تخبُّط في المجال السياسي، وفي ظلّ التناقضات العديدة التي يعيشها العراق، وفي ظلّ تصاعد الاقتتال الطائفي وسطوع نجم فِرَق الموت، وتصاعد عمليات المقاومة ضد المحتلّ؛ تتبادر إلى الأذهان تساؤلات عديدة يلخصها التساؤل الذي كان عنواناً للمقال، وهو:
قد يبدو هذا التساؤل صعباً، وإجابته معقدة للكثيرين، ممن يتابعون الوضع في العراق. ولكن الإجابة عن هذا التساؤل تتأتّى من خلال فهم حقيقة ما يحدث في العراق، ودراسة المعطيات على الأرض والنتائج المحتملة لها.
إنني أشبِّه الوضع في العراق بالمسألة الرياضية المعقدة، التي يصعب حلّها ويطول، وتحتاج إلى معطيات كثيرة ليسهل ذلك الحلّ.
فالمعطيات على أرض العراق متضاربة ومتعاكسة في نتائجها المحتملة، ومن أهمِّ هذه المعطيات: معطى المقاومة والجهاد المسلّح؛ فنحن نرى انتصارات المجاهدين في العراق تتزايد كل يوم، وكلما حاول المحتلُّ إخماد نار المقاومة زادت في توهّجها، وكلما حققت هذه المقاومة الباسلة بجميع فصائلها هزيمة قاسية في صفوف المحتل يحاول الأخير تحويل هذه الهزيمة إلى «انتصار» ؛ عن طريق الانتقام من المدنيين والهجوم الكاسح على المدن، في إطار عمليات عسكرية فاشلة تسمى بمسميات أكبر من حجمها الحقيقي؛ فمرّةً يسمونها بـ (النهر الجارف) ، ومرّةً بـ (الخنجر المسموم) ، والكثير من العمليات بمثل هذه المسميات، وفي مختلف المناطق والمحافظات. ولكن المحصلة على أرض الواقع تتناقض مع الجهد العسكري المبذول من جانب المحتلّ وأعوانه. والملاحظ بعد كل عملية من هذه العمليات أن عمليات المقاومة تزداد، ونرى تطوراً في العمليات النوعية التي يقوم بها المجاهدون، حتى أنني ألاحظ أن هناك تنافساً بين الجماعات المسلَّحة في مجال العمليات النوعية، مما أدّى إلى تطور العمل الجهادي.. والنتيجة المحتملة لهذه المقاومة هي خروج المحتلّ وتحرير العراق والحفاظ على وحدته.
لكن المعطى الآخر على أرض الواقع لا يقلُّ أهمية ووقعاً على مسار الحياة اليومية في عموم العراق، وهو معطى الميليشيات وفِرَق الموت المدعومة خارجياً. ونحن نرى كيف أن هذه الميليشيات تتزايد، وكيف أن نطاق عملياتها يتّسع يوماً بعد يوم، وأن جرائمها في ازدياد. والمعضلة الكبرى أن هذه الميليشيات مدعومة من جهات تغري الكثيرين من أبناء جلدتنا بطابعها الديني وتوجّهها «المقاوم» ، ولكنها في الحقيقة وعلى أرض الواقع تسعى إلى تدمير حاضرة الخلافة الإسلامية، وكسر البوابة الشرقية للعرب؛ من خلال إنشاء الميليشيات الطائفية وتدريبها ودعمها.
لكن معطى الميليشيات ونتيجته المدمّرة ـ وللأسف الشديد ـ ترجح كفّته في وقتنا الحاضر على معطى المقاومة ونتيجته، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الميليشيات مدعومة وبشكل قوي وبتسليح وإمداد مستمر من إيران، أما المقاومة العراقية فإنها لا تجد دعماً عربياً أو إسلامياً يدعم توجّهها وأهدافها ونضالها لتحرير العراق ولحفظ وحدته، فضلاً عن محاربتها من قِبَل أغلب البلدان العربية والإسلامية.
وهنا تتحدد الإجابة عن التساؤل الأول: العراق إلى أين؟ فسيكون مصيرُ العراق مصيرَ خير وازدهار وقوة ووحدة إذا تكاتف المجاهدون في العراق، ووحّدوا صفوفهم، ونبذوا التحزّب والفئوية، وساروا على كلمة واحدة. هذا من الداخل، أما من الخارج فالمطلوب من الدول العربية والإسلامية أن تدعم المدافعين عن حاضرة خلافتهم وبوّابتهم الشرقية، وأن تقف معهم، ويجب أن يكون الدعم مادياً ومعنوياً وإعلامياً وعلى جميع الأصعدة؛ لأن الخطر في العراق لا ينوي الوقوف عند حدوده، وإنما سيتعاظم ويكبر لِيَلْتَهِم ما يستطيع من المنطقة. والدفاع عن العراق هو دفاع عن جميع البلدان العربية والإسلامية.
فإذا تحقق التكاتف بين المجاهدين، وتواجدَ الدعم الفعلي من الدول العربية والإسلامية عندئذ فقط سترجح كفّة المقاومة على كفّة الميليشيات وما يرتبط بها من أجندة خارجية.
أما إذا لم يحدث أي نوع من هذا الدعم والإسناد للمجاهدين في العراق فسترجح الكفّة للميليشيات وفِرَق الموت وللتدخّل الإيراني، وستكون الإجابة عن التساؤل الأول ـ العراق إلى أين؟ ـ إلى التفكك والتشرذم.
وعندها لن يبقى للعراق (المقطَّع) أملٌ إلا برحمة ربه.