تعظيم حرمات الإسلام
تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة التطاول على حرمات الدين الإسلامي ومقدساته، من أصناف متعددة من المعادين للدين، وعلى رأسهم جهات متنفذة من كفار أهل الكتاب، حيث يقومون منذ مدة بـ (تبادل الأدوار) في التعدي على المسلمين؛ فبينما تقوم قوى نصرانية بالتهييج ضد المسلمين والتحرش بهم من خلال مواجهات عسكرية وتضييقات أمنية، يتربص آخرون بالمسلمين فكرياً وحضارياً، لتتكامل معالم هجمة صليبية معاصرة، تتنوع فيها الساحات، وتبتكر فيها الوسائل، وتتخير الأوقات والمناسبات التي تثار فيها في كل مرة فتنة استغضاب عالمي للمسلمين
وقد صارت حملة الاستغضاب والاستفزاز شاملة، من غالب دول العالم الغربي على اختلاف أنظمته السياسية ومذاهبه الدينية؛ فمن أمريكا البروتستانتية التي أشعلت نار الحرب العالمية على الإسلام منذ سنوات، صدرت سلسلة من أعمال الإهانة المتعمدة، مثل إلقاء أوراق المصحف أو استعمالها في المراحيض، والتبول عليها أمام المعتقلين المسلمين في معتقل جوانتانامو، وكذلك التطاول شبه الرسمي على القرآن الكريم من خلال السماح بطباعة آلاف من النسخ من كتاب شاذ ومنكر في العداوة والهزء بالإسلام عقيدة وشريعة وقيماً، أطلقوا عليه اسم (الفرقان) . وإضافة إلى ذلك التعدي الفاضح من بروتستانت أمريكا، فقد تعاطفت أوروبا مع بروتستانت الدانمرك، خلال أزمة الرسوم المسيئة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث تكررت بشكل متعمد إعادة نشر الرسوم في العديد من الصحف والدوريات الأوروبية. أما الكاثوليك، فقد بدأت الإساءة من فرنسا، خلال أحداث أزمة الحجاب، التي منعت الحكومة الفرنسية فيها الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس ضاربة بعرض الحائط قيم الحرية والعدالة والمساواة المدعاة.
ثم جاءت الإساءة الكبرى من الكاثوليك على لسان كبيرهم وحبرهم الأعظم (بابا الفاتيكان) من خلال تصريحاته المجحفة بالإسلام ورسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم-، دون أن يصرح بالتراجع أو الاعتذار عما قال، متأسياً بحكومة الدانمرك التي امتنعت عن الاعتذار خلال أزمة الرسوم المسيئة وبعدها.
وفي الوقت نفسه فإن جماعة من أهل الأهواء من بني جلدتنا تجرؤوا على حدود الشريعة، وتطاولوا على ثوابت الدين، وراحت أقلامهم الملوثة تعبث بنصوص الكتاب والسنة، تارة باسم حرية الفكر، وتارة أخرى تحت عنوان النقد العلمي، وثالثة تحت مظلة الرواية والقصيدة والمسلسلات التلفزيونية.. وهكذا، وصدق المولى ـ جلَّ وعلا ـ: {وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} . [الأعراف: 202]
وفي محاولة للتصدي لهذه الحروب، عقدت (مجلة البيان) بالتعاون مع (مبرَّة الأعمال الخيريَّة الكويتيَّة) مؤتمراً يضمُّ أكثر من 200 عالم ومفكر وباحث من شتَّى أنحاء العالم، بعنوان (تعظيم حُرُمات الإسلام) بين (3 - 5) محرم 1428هـ الموافق (22 - 24) يناير 2007م.
وأعلن منظمو المؤتمر أنَّهم يهدفون من ورائه مناقشة الهجمة الشرسة من الغرب ومن أهل الأهواء المنتسبين إلى الإسلام على حرمات الدين الإسلامي الحنيف.
وانطلقت بعدها دورة الأعمال والأوراق التي قدَّمها لفيف من المشايخ والمفكرين متحدثين عن تعظيم حرمات الإسلام، وواجبات المسلمين في تعظيم تلك الحرمات، وصد المعتدين عليها.
كما استعرض المشاركون في المؤتمر المخاطر التي تواجه العالم الإسلامي في هذا العصر من الهجوم على مقدسات الإسلام وحرماته، وأنَّ هذا الهجوم لم يعد تصرفاً محدوداً من طائفة محددة ولكنه غدا ظاهرة تمثل توجهاً فكرياً من كثير من الساسة والمفكرين وبعض رجال الدين في بلاد الغرب على وجه الخصوص.
وتناول المشاركون في المؤتمر ثلاثة محاور كان كل محور منها على شكل ندوتين، وتلاها عدد من مداخلات الحضور، وكانت هذه المحاور على النحو التالي:
الأول: فهم طبيعة العداء وخلفياته.
الثاني: الهجمة الأخيرة على الإسلام.
الثالث: استراتيجيَّة المواجهة.
وثمّن المؤتمر في هذا السياق الجهود التي تقوم بها المؤسسات الإسلامية في الدفاع عن حرمات الأمة، ورأى المشاركون في المؤتمر أنه وعلى الرغم من أهمية العديد من المؤتمرات التي عقدت لبحث الإساءات المتكررة، والبيانات التي صدرت في التنديد بالإساءات، والمظاهرات التي خرجت للتعبير عن المشاعر، فإن الأمر لا يزال في حاجة إلى آليات أكثر تأثيراً، وأوسع بلاغاً؛ أداءً للواجب وإبراءً للذمَّة.
واختتم المؤتمر ندواته بذكر عدد من التوصيات، التي رُشِّح لها فريق عمل لمتابعتها، حتى تطبَّق على أرض الواقع ـ بإذن الله تعالى ـ. وفيما يلي نورد التوصيات التي خرج بها المؤتمر وهي على النحو التالي:
- أولاً: حق الأمة الإسلامية في الدفاع عن دينها وحرماتها:
يدعم المؤتمر حق جموع الأمة في الدفاع عن عقيدتها وشريعتها بكل السبل المشروعة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، ويدعو إلى استثمار عاطفة الجماهير وتوجيهها نحو الوسائل الأرشد، ويحث المسؤولين على التكاتف مع الشعوب الإسلامية في حماية هويتها وحرماتها وقيمها من حالات التجاوز والتطاول على الثوابت داخل ديار المسلمين، والتي تعد إحدى أسباب زيادة جرأة بعض غير المسلمين على حرمات الأمة ورموزها.
- ثانياً: التعدي على الحرمات نقطة فاصلة في علاقة الأمة بغيرها:
يؤكد المؤتمر أن الاعتداء على الثوابت والشعائر، سواء كان ذلك من الداخل أم من الخارج، يعتبر اعتداءً على جميع الأمة، تجب الحيلولة دونه. كما أن القيام بهذه الواجبات ينبغي أن يكون فرصة للاجتماع والائتلاف على القواسم المشتركة بين الإسلاميين على اختلاف بلدانهم وتوجهاتهم.
- ثالثاً: الاعتداء على الإنسان المسلم اعتداء على جموع الأمة:
يؤكد المؤتمرون على أن حرمة الإنسان في الإسلام هي من أعظم الحرمات، ولهذا فإن الاعتداء على أرواح وأعراض وأموال المسلمين هو انتهاك لحرمات الشريعة وحدودها «والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم» ، لذا يطالبون لأجل ذلك بالكف عن الاستهانة بالدم المسلم من المعتدين ومن يساندونهم.
- رابعاً: التحرك العملي البنَّاء لحماية حرمات الأمة:
مع ما يركز عليه المؤتمر من التأكيد على رفض كل أنواع الاعتداء تجاه عقيدة المسلمين وشريعتهم؛ فإنه يوصي بتحويل ذلك الرفض النظري إلى تحرك عملي جاد ومستمر على المستويات الرسمية والشعبية، لإظهار أن الأمة الإسلامية لا تقبل المساس بمقدساتها وحُرُماتها. كما يرى المؤتمر أن تفعيل جهود المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية للجهات المصرة على مواقفها العدائية هو أحد السبل الناجعة في العلاج.
- خامساً: أهمية تضافر الجهود الإعلامية والفكرية والثقافية للتأكيد على مكانة الأنبياء:
ينظر المؤتمرون بقلق بالغ لظاهرة انتشار الاستهزاء بأنبياء الله ـ صلوات الله عليهم ـ في وسائل الإعلام الغربية تحديداً، ومن خلال العديد من المواقع الإلكترونية الغربية، ومن خلال الكثير من الأعمال الفكرية والفنية والثقافية في الحياة الغربية المعاصرة. وصاحب ذلك تزايد الظاهرة نفسها في بعض المنتديات الفكرية العربية ومن خلال عدد من وسائل الإعلام العربية أيضاً. لذا يوصي المؤتمر أن تتضافر الجهود من أجل الحفاظ على منزلة ومكانة الأنبياء، ولسَنِّ الأنظمة الدولية التي ترعى حرمتهم، وتصونها من العبث الفكري والإعلامي والثقافي، وأن تكون الأمة الإسلامية في طليعة المطالبين بذلك.
- سادساً: إنشاء ودعم مراكز الدراسات المتخصصة في دراسات الاستشراق والغرب:
يرى المؤتمر أن الأمة الإسلامية تعاني من ندرة المراكز الفكرية المتخصصة في التعرف على الفكر الغربي، والقادرة على التصدي للمواقف الفكرية والإعلامية والثقافية الغربية التي تنال من حرمات الأمة، أو تعتدي على شعائرها ورموزها؛ لذا يوصي المؤتمر أن تُعنَى الأمة في المرحلة القادمة بإنشاء العديد من المراكز الفكرية والإعلامية المتخصصة في فهم الغرب، وفي توجيه دفعة التعامل مع الفكر الغربي، ومع المواقف الإعلامية الغربية التي تؤثر على الأمة الإسلامية سلباً أو إيجاباً. كما يرى المؤتمر أهمية إيجاد فريق عمل فكري يوصف أفراده بالعلم الشرعي والاطلاع الفكري على الغرب وامتداداته في بلاد المسلمين لإدارة هذه المواجهة الفكرية بكفاءة.
- سابعاً: إصدار دراسات متخصصة في استراتيجيات الأمة في الحد من الإساءات الموجهة ضد دينها وحرماتها:
إن قسماً كبيراً من أسباب قلة تأثير مواقفنا المعارضة لتلك التصرفات المعادية، يعود إلى نوع من القصور يشوب فهم دوافع المعتدين والمتجرئين على ديننا وثوابتنا، وهو ما يؤدي إلى بعض التضارب والتناقض في المواقف؛ لذا يوصي المؤتمر باعتبار ما طرح في فعالياته من أفكار ورؤىً وتصورات منطلقاً لمزيد من التعمق في دراسة تلك الظاهرة ودوافعها وأبعادها، على أن تتحول فيما بعد إلى دراسات شاملة تكشف جوانب الموضوع، وتطرح استراتيجيات التعامل معه.
- ثامناً: أهمية تفاعل الحكومات والمؤسسات الرسمية مع بقية الأمة:
يطالب المؤتمر الحكومات العربية والإسلامية، والهيئات والفعاليات السياسية والدبلوماسية، باتخاذ مواقف أصح وأصرح، للتعبير عن دين الأمة وهويتها؛ إذ لا يعقل أن تكون كثير من ردود الأفعال الرسمية تجاه التدخل في تفاصيل الشؤون الداخلية، أهمَّ وأكبر من اقتحام واستباحة حرمات الأمة كلها من أطراف خارجية أو داخلية، والمؤتمر يَعُدُّ عدم التفاعل الرسمي من البعض في مواجهة تكرار هذه الإساءات لأمتنا نوعًا من الإخلال بأمانة المسؤولية وتكاليف النيابة عن الأمة.
- تاسعاً: ضرورة تأكيد مناهج الدراسة في العالم الإسلامي على تعظيم الحرمات، واحترام الأنبياء، والاقتداء بالصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ:
يتقدم المؤتمر بدعوة إلى وزارات التربية والتعليم في العالم الإسلامي، وإلى القائمين على مسيرة تطوير مناهج التعليم في الأمة الإسلامية للتأكيد على تعظيم الشعائر والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ والصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ من خلال البرامج التعليمية التي تربي الأجيال الناشئة من الأمة على تعظيم حرمات الإسلام.
- عاشراً: دعوة وسائل الإعلام في الدول العربية والإسلامية إلى تعظيم حرمات الإسلام والمسلمين، وعدم استفزاز عموم الأمة بالتطاول على الثوابت:
ينكر المؤتمر على بعض وسائل الإعلام في الدول العربية والإسلامية انسياقها مع الحملات المغرضة في التهجم على حرمات الإسلام وشعائره ورموزه، ويوصي بالمواجهة الرسمية والشعبية الحاسمة لهذه الحملات، ومنع استمرارها بالطرق الشرعية الممكنة. كما يوصي المؤتمر القائمين على وسائل الإعلام العربي والإسلامي أن يكونوا درعاً للأمة في صد الحملات الخارجية، وألا يتحول البعض منهم إلى سلاح ضد الأمة بدلاً من أن يكون سلاحاً لها، ويشكر المؤتمر الإخوة التجار الذين تفاعلوا مع جلسات المؤتمر وتكفلوا بإنشاء قناة فضائية خاصة بتعظيم حرمات الإسلام.
- الحادي عشر: إنشاء لجنة إسلامية قانونية للدفاع عن الحرمات الإسلامية:
يوصي المؤتمر بتكوين لجنة قانونية متخصصة تسعى إلى ضمان عدم التعدي على الحرمات الإسلامية، وتجريم الإساءة إلى ثوابت الدين، والملاحقة القضائية والقانونية للمتجاوزين من غير المسلمين أو من المنتسبين إلى الإسلام، وتحميلهم المسؤولية الشرعية، والتنسيق مع اللجان الأهلية والحكومية العاملة في المجال نفسه من أجل توحيد الجهود وتعزيزها. وقد بادر بعض القانونيين في كلية الحقوق في الكويت بتقديم مشروع متكامل في هذا الصدد.
- الثاني عشر: التركيز على الجهود الدعوية الرامية إلى تعريف الغربيين بالإسلام:
يؤكد المؤتمر على أهمية الجهود الدعوية في الدفاع عن حرمات الأمة عن طريق تعريف الغربيين بالإسلام من خلال البرامج الإعلامية والفكرية الموجهة، والقنوات الفضائية المتخصصة في مخاطبة الغرب، والتركيز على مخاطبتهم بالأساليب الدعوية المناسبة للشخصية الغربية.
- ثالث عشر: أهمية دور الجاليات الإسلامية في الغرب:
يوصي المؤتمر بالاستفادة من الجاليات المسلمة في الغرب كخط دفاع أول في مواجهة ظاهرة التطاول. كما يدعو المؤتمر إلى دعم الجاليات والتواصل معها والحرص على وحدة كلمتها وتنسيق جهودها، ودعوتها إلى التركيز على نشر الإسلام بصورته المشرقة.
- رابع عشر: الاهتمام بجوانب الآداب والفنون لمواجهة ظاهرة التطاول على حرمات الإسلام:
يرى المؤتمر أن ظاهرة التطاول على الإسلام وحرماته قد استغلت بعض مجالات الآداب والفنون، وأن التصدي لها يقتضي تشجيع العاملين في المجالات الأدبية والفنية في العالم الإسلامي لتوظيف تلك المجالات واستخدامها في الدفاع عن الإسلام وتعظيم حرماته وشعائره.
- خامس عشر: مطالبة المنصفين من عقلاء الغرب بالإعلان عن مواقفهم:
يطالب المؤتمر قادة الرأي وصناع القرار في الغرب بتحري الموضوعية والإنصاف فيما يتعلق بقضايا العالم الإسلامي الحضارية. ويرى المؤتمر أن تخلف العقلاء من قادة الفكر والرأي في الغرب عن ذلك قد يعد تأييداً لمواقف المعتدين. وقد تم تشكيل لجنة من بعض حضور المؤتمر لإعداد رسالتين: الأولى: موجهة إلى قادة الغرب ومفكريه، أعدت مسودتها الأولى بعنوان: (موقفنا من تجاوزاتكم) ، ولا زالت في مرحلة الصياغة. والثانية: موجهة إلى بابا الفاتيكان لرد افتراءاته الأخيرة.
- سادس عشر: على أهمية عقد ورش عمل حول التوصيات، وتحويل نتائج المؤتمر إلى خطط وبرامج عملية:
يوصي المؤتمر بالتنسيق والتكامل بين المؤسسات الإسلامية العاملة في هذا الشأن، ويعتزم منظمو المؤتمر - بإذن الله - عقد ورش عمل لتحويل التوصيات الخاصة بالمؤتمر إلى برامج عملية تساهم في الحد من هذه الظاهرة، وتتكامل مع قرارات وتوصيات المؤتمرات الإسلامية السابقة.
- سابع عشر: تكوين لجنة خاصة بمتابعة توصيات المؤتمر من اللجان المنظمة:
وختاماً:
يحث المؤتمر العلماء والمصلحين على تربية أبناء الأمة على التفاؤل والإيجابية، والاعتزاز بالهوية، وتعظيم النصوص الشرعية والوقوف عند حدودها.
ومن خلال هذا الملف نقدِّم عدداً من البحوث المقدَّمة للمؤتمر، لعلَّها تعكس الروح العلميَّة والفكريَّة التي سادت أجواءه، ومن الله الحَوْل والطَّوْل، وهو حسبنا ونِعْم الوكيل.