مجله البيان (صفحة 5846)

الفروق الفردية في ميزان التربية الإسلامية

صالح عبد الله الجيتاوي

أساس الإسلام أن العقل هو مناطق التكليف، ولذا كان العقاب والحساب على من له عقل، ولا حساب على من لا عقل له، فيقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشبّ، وعن المعتوه حتى يعقل» (?) .

وحثَّ الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ على مخاطبة الناس حسب مستوياتهم العقلية والفكرية، فيقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم» (?) .

ومن الدلالات التربوية التي نستطيع أن نستنبطها من هذا الحديث: أن على المعلِّم أن يخاطب طلابه حسب مستوياتهم العقلية ومستوياتهم العلمية؛ ضماناً لحسن فهمهم، وتحقيقاً للعدل، فلا يهتم بطائفة منهم ويهمل طائفة. فنحن نجد في واقعنا بعض المعلِّمين يثنون حسن الثناء على الفائقين من طلابهم، ويوسعون ضِعاف التحصيل لوماً وتوبيخاً، حتى إن بعضهم ليتسرّبون من التعليم لهذه المعاملة.

الفروق الجسدية:

ويقصد بهذه الفروق عدم التماثل في جوانب النموّ الجسمي المختلفة، فالأفراد يختلف بعضهم عن بعض في الطول والحجم ولون البشرة وكذلك في صحتهم العامة، فيقول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ في قصة بني إسرائيل: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247] .

قال الإمام الشوكاني شارحاً هذا المعنى: «بيّن (الله) لهم وجه الاصطفاء: بأن الله زاده بسطة في العلم، الذي هو ملاك الإنسان، ورأس الفضائل، وأعظم وجوه الترجيح، وزاده بسطة في الجسم الذي يظهر به الأثر في الحروب، ونحوها، فكان قوياً في دينه، وبدنه، وذلك هو المعتبر، لا شرف النسب، فإن فضائل النفس مقدّمة عليه» (?) .

والاختلاف الجسدي ينعكس على أداء الأفراد في المجالات المختلفة، تعليمية أو غير تعليمية، فمن يعانون ـ مثلاً ـ من مشكلات في السمع أو في البصر لن يكونوا على نفس المستوى في التحصيل الدراسي في قدرتهم على السمع أو الرؤية (?) .

فعلى القائمين على العملية التربوية مراعاة الفروق الجسمية بين المتعلِّمين، وذلك بتكليف الطلبة ذوي القدرات الجسمية العالية تدريبات خاصة تنمّي قدراتهم بإشراكهم في أنشطة رياضية متنوعة، مع إهمال الطلبة ضِعاف البنية الجسمية، أو ذوي العاهات فهؤلاء لهم قدرات عقلية عالية في الحقيقة، ولكنها قد تعزُّ على الظهور، ما لم يتهيأ لاكتشافها معلّم مخلص موهوب.

الفروق الاقتصادية:

يقول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ: {إنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 30] .

قال الإمام البقاعي: «ولما كان سبب البخل خوف الفقر، وسبب البسط محبة إغناء المعطي، قال مسلِّياً لرسوله -صلى الله عليه وسلم- عما كان يرهقه من الإضافة عن التوسعة على من يسأله بأن ذلك إنما هو لتربية العباد بما يصلحهم، لا لهوان بالمضيق عليه، ولا لإكرام للموسع عليه: {إنَّ رَبَّكَ} أي: المحسن إليك، {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ} البسط له دون غيره، {وَيَقْدِرُ} أي: يضيق كذلك سواء قبض يده أو بسطها، {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ} [الشورى: 27] ، ولكنه ـ تعالى ـ لا يبلغ بالمبسوط له غاية مراده، ولا بالمقبوض عنه أقصى مكروهه، فاستنّوا في إنفاقكم على عباده بسنّته في الاقتصاد، {إنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} ، أي: بالغ الخبر، بالغ البصر بما يكون من كون القبض والبسط لهم مصلحة أو مفسدة» (?) .

والفروق الاقتصادية نجدها واضحة بشكل جليٍّ ما بين الطلاب، فنجد الطالب الغني الحريص على التظاهر بغناه في المأكل والملبس، والطالب الفقير المعترف بفقره أو الفقير المتمرد على فقره، ومن هنا يظهر أهمية دور المعلِّم في مراعاة هذه الفروق بينهم، وذلك من خلال معاملتهم على أساس من العدل والمساواة، فلا فرق بين الطالب الغني والطالب الفقير.

كما أن على المدرسة مراعاة هذا الجانب من خلال توفير جميع المستلزات التي يحتجها الطلبة كأجهزة الحاسوب وغيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015