خالد بن عبد المحسن التويجري
لقد حقق سلف هذه الأمة وعلماؤها العاملون عقيدة الولاء والبراء في حياتهم، فكانوا موالين لأهل الإيمان، محبين لهم، ناصرين لهم، وأيضاً أعلنوا بوضوح براءتهم من أهل الكفر، وعدواتهم وبغضهم لهم. وسأعرض لبعض النماذج والأمثلة المشرقة من حياتهم؛ لعلنا نحذو حذوهم ونقتدي بهم.
فمن صور تحقيقهم للولاء والبراء:
1 ـ إظهار البراءة من المشركين، ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين حتى عند الشدائد والمحن. وأبرز مثال على ذلك قصة زيد بن الدَثِّنة ـ رضي الله عنه ـ الذي اشتراه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف، فخرجوا بزيد إلى (التنعيم) ، حيث اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قُدِّم ليقتل: أنشدك الله يا زيد: أتحب محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه؛ وأني جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً. ثم قتلوا زيداً ـ رضي الله عنه ـ (?) . فانظر إلى ولاء زيد ـ رضي الله عنه ـ الصادق للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو لا يحب أن يصيب النبي -صلى الله عليه وسلم- شوكة؛ فضلاً عن أن يصيبه ما هو أعظم من ذلك!
وها هو أبو الفرج الجوزي يروي لنا قصة الشهيد أبي بكر النابلسي فيقول: أقام (جوهر) القائد لأبي تميم صاحبِ مصر أبا بكر النابلسي فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة؟ قال: ما قلت هذا؛ بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم؛ وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً؛ فإنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية. فضربه، ثم أمر يهودياً فسلخه، فكان يذكر الله ويقرأ قوله ـ تعالى ـ: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} . ويصبر حتى بلغ الصدر فطعنه، ثم حُشي تبناً، وصُلِب. وقد حكى ابن السعساع المصري أنه رأى في النوم أبا بكر النابلسي بعدما صلب، وهو في أحسن هيئة، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال:
حباني مالكي بدوام عزٍ
وواعدني بقرب الانتصار
وقرّبني وأدناني إليه
وقال: أنعِمْ بعيشٍ في جواري (?)
فتأمل شدة بغض أبي بكر النابلسي ـ رحمه الله ـ لأعداء الدين، وبراءته منهم، وإنكاره علهم، وكيف لم يخَفْ في الله لومة لائم؟!
وانظر إلى طريقة أهل الكفر والنفاق في التنكيل بعلماء الإسلام ومحاربتهم! وذلك لما يحملونه في صدورهم الخَربة من بغض المؤمنين وعداوتهم. وهذا ما تواطأت عليه قلوب جميع أعداء الملة، فهم؛ وإن اختلفوا فيما بينهم؛ إلا أنهم يجتمعون في شدة عدواتهم للمسلمين.
2 ـ البراءة من أهل الكفر والمشركين وإن كانوا من الأقربين: وذلك تحقيقاً لقوله ـ تعالى ـ: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ... } [المجادلة: 22] . قيل إنها نزلت في أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ، حيث سب أبو قحافة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فصكه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ صكة فسقط منها على وجهه، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «أوَ فعلته؟! لا تعد إليه» فقال: «والذي بعثك بالحق نبياً، لو كان السيف مني قريباً لقتلته» . وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «نزلت في أبي عبيدة بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، [وقيل: يوم بدر] ، وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة، وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر؛ قصد إليه أبو عبيدة، فقتله» ، وقيل في سبب نزول الآية غير ذلك. بل يصل الأمرُ أحياناً بأولئك الصادقين إلى الرغبة في التمكين من قتل أقربائهم من الكفار؛ ليُرُوا اللهَ منهم خيراً بذلك، وابتغاءً لمرضاته.
فها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما استشار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في أسرى بدر، فقال: «ما ترى يا بن الخطاب؟» قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر؛ ولكن أرى أن تُمكِّنني من فلان [قريب لعمر] فأضرب عنقه، وتُمكِّن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان [أخيه] فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين» (?) .
وقد روي «أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال لسيعد ابن العاص ـ رضي الله عنه ـ إني أراك كأنك في نفسك شيء! أراك تظن أني قتلت أباك؟ إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه (?) ؛ فحدت عنه، وقصد له ابن عمه علي فقتله. فقال سعيد بن العاص ـ رضي الله عنه ـ: «لو قتلته لكنت على حق وكان على الباطل» فأعجبه قوله» (?) .
3 ـ ثبات المؤمن على عقيدته مع شدة إغراءات أهل الباطل بضمه إليهم: فقد يبذل الحاقدون على المسلمين إغراءاتهم وما بوسعهم في سبيل تخلي المسلمين عن دينهم، ويسلكون في ذلك وسائل مختلفة للوصول إلى هذا الهدف. وفي قصة عبد الله بن حذافة السهمي ـ رضي الله عنه ـ ما يدل على ذلك: فإنه قد أُسِر في أحد المعارك مع الروم، فعرض عليه ملك الروم أن يتنصَّر، فرفض، ثم قال له: إن فعلتَ شاطرتُك مُلْكي، وقاسمتك سلطاني، فقال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن ديني طرفة عين؛ ما فعلت ذلك، ثم هدده الملك بالقتل، وصَلَبَه ورماه قريباً من رجليه وقريباً من يديه، وهو يعرض عليه مفارقة دينه، فأبى، فقال له: هل لك أن تقبِّل رأسي وأخلي عنك؟ فقال عبد الله له: وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً؟ قال نعم: فقبَّل رأسه، فأمر الملك بإطلاق سراحه وسراح جميع المسلمين المأسورين لديهم، وقدِم بالأسرى على عمر ـ رضي الله عنه ـ فأخبره خبره، فقال عمر: حق على كل مسلم أن ىُقبِّل رأس ابن حذافة؛ وأنا أبدأ، فقبَّل رأسه (?) .
إنها عزة المسلم الحق، وثباته عند الشدائد، وعدم تنازله عن دينه؛ حتى لو أدى ذلك إلى موته. وتأمل حب عبد الله ـ رضي الله عنه ـ لأسرى المسلمين واهتمامه لهم! فإنه لم يغفل عنهم في تلك الظروف الحرجة؛ بل حرص على فكاك أسرهم.
والمؤمن مطالب ومأمور بولائه لدينه ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين؛ وإنْ هَجَرَه المؤمنون لسبب من الأسباب المشروعة لذلك. وهذا يذكرنا بما حدث لكعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ الذي هجره المسلمون حتى في رد السلام..، فابتلي في هذا الوقت العصيب بإغراء عظيم من قبل أحد الملوك في ذلك الوقت، فرفض ذلك الإغراء وثبت ـ رضي الله عنه ـ. يقول حاكياً ما حدث: « ... فبينما أنا أمشي في سوق المدينة؛ إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني؛ دفع إليِّ كتاباً من ملك غسان، فإذا فيه: «أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحقْ بنا نواسِك!» فقلت لما قرأتها: وهذا من البلاء. فتممت بها التنور فسجرته بها ... » (?) ، فرفض ـ رضي الله عنه ـ هذا الود الظاهر في وقت هو فيه أحوج ما يكون إلى من يواسيه ويواليه؛ لكن لِما قام في قلبه من عظم الولاء لله ولرسوله، والبراءة من أعداء الدين؛ رفض هذه الدعوة التي كشفت له بصيرته ما وراءها، فرفضها وعدَّها بلاءً آخر فكانت عقباه الخير. فكيف أخي المسلم بمن يتنازل عن ثوابت دينه ومعتقده؛ خوفاً من أعداء الدين، أو حباً في مال أو رئاسة في هذه الدنيا الزائلة؟!
4 ـ دور الخلفاء والسلاطين في موالاة المؤمنين ونصرتهم، والبراءة من المشركين ومحاربتهم: وشواهد التاريخ على هذا كثيرة، من ذلك ما يروى من أنه عندما أسر الرومُ أحد المسلمين قال له ملك الروم: ماذا يريد خليفتكم من الإغارة علينا؟ أما تكفيكم بلادكم؟ فأخبره الجندي المسلم أنهم يهدفون إلى نشر الإسلام، وإقامة العدل بين الناس الذي افتقده الناس؛ بسبب بعدهم عن الحق، فغضب عند ذلك البطريرك الذي كان جالساً قرب الملك، وقام من مجلسه وصفع الجندي على وجهه صفعة مؤلمة، وأمر به إلى السجن، ثم بعد ذلك جرى تبادل الأسرى بين المسلمين والروم، وعاد الجندي المسلم إلى أهله، واستدعاه الخليفة وأكرمه، وسمع خبره، ثم أمر بتوجيه بعثة من الجنود تنكَّروا على شكل صيادين حتى وصلوا إلى القسطنطينية، فدخلوها، واحتالوا على البطريرك؛ فقبضوا عليه، وجاؤوا به مكبلاً إلى أن أُدخل على مجلس الخليفة معاوية ـ رضي الله عنه ـ، وكان الجندي الذي أُسِر بجانب الخليفة، فقال له معاوية ـ رضي الله عنه ـ: أهذا هو؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال له: دونك فاقتص منه! فقال الجندي: بل عفوت عنه يا أمير المؤمنين. فقال معاوية ـ رضي الله عنه ـ للبطريرك: اذهب إلى مَلِكِك، وقل له: إن أمير المؤمنين يقيم العدل ويقتص من الجاني حتى من مملكتك (?) ؛ فرضي الله عن معاوية بن أبي سفيان الذي ضرب بتلك الحادثة أروع الأمثلة في مدافعة الحاكم المسلم عن حقوق المسلمين أفراداً وجماعات.
وروي أن أحد الجنود المسلمين وقع أسيراً في حوزة الرومان، وأنهم حملوه إلى إمبراطورهم الذي حاول أن يُكْرِهَه على ترك إسلامه، فرفض الأسير المسلم، فأمر الإمبراطور أن تُفقأ عيناه..، وسمع عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بذلك، فكتب إلى ملك الروم يقول: «أما بعد: فقد بلغني ما صنعت بالأسير المسلم، وإني أقسم بالله لئن لم ترسله إليَّ من فورك لأبعثنَّ إليك من الجند؛ ما يكون أولهم عندك وآخرهم عندي» . وعندما وصل الخطاب تراجع ملك الروم أمام هذه العزيمة، وأمر بإعادة الأسير المسلم إلى أهله وقومه (?) .
ومن ذلك أيضاً ما اشتهر عن المعتصم في نصرته لتلك المرأة التي صاحت بأعلى صوتها: (وامعتصماه!) ؛ حيث كانت ضمن الأسرى عند الروم، فنقل بعضُ الحاضرين هذه الصيحة إلى المعتصم فنهض مردداً: لبيكِ لبيكِ! يا أختاه، وأمر بالنفير العام، واستدعى القضاة والشهود، وأشهدهم على وصيته: أن ماله إذا استُشهد في هذه المعركة يقسّم إلى ثلاثة أقسام: ثُلثه صدقة، وثُلثه لأولاده، وثُلثه لمواليه. وسار بنفسه ومن معه من المسلمين، فحاصر عموريَّة حتى فتحها بعد حصار شديد، وثأر المعتصم من أعداء الله، واسترد كرامة المسلمين، وتبيَّن كيف تكون غضبة الحاكم المسلم إذا انتُهكت حرمات الله (?) .
5 ـ دور علماء الأمة في بيان الولاء والبراء، والحث على تحقيقها وذلك عبر: الفتيا، الرسالة، التصانيف، والردود.
يُروى أنه نشأ خلاف كبير بين الأخوين: سلطان الشام الملكُ الصالحُ إسماعيل، وسلطان مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان من نتيجته أن استعان الملك إسماعيل بالصليبيين أعداء الإسلام، وتحالف معهم على قتال أخيه نجم الدين، وأعطاهم مقابل ذلك مدينة صيدا، وكذلك قلعة (صفد) وغيرها؛ بل سمح للصليبيين أن يدخلوا دمشق، ويشتروا منها السلاح وآلات الحرب، وما يريدون! فأثار هذا الصنيعُ المنكر استياءَ علماء الإسلام، فقام سلطانُ العلماء العزُّ بن عبد السلام وأنكر على السلطان فعلَه ذلك، وأفتى المسلمين بتحريم بيع النصارى السلاح. فسُجن بسبب ذلك (?) . هذا في الفتيا. وشواهد ذلك كثيرة، حفظها لنا التاريخ، وحفظ لنا أيضاً تلك الرسائل التي خطَّها علماء السُّنة اقتداءً بنبيهم -صلى الله عليه وسلم- في مراسلاته للملوك ورؤوس الكفر، كما مر معنا.
فقد أرسل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ رسالةً إلى ملك قبرص (سرجوان) يخاطبه في شأن أسرى المسلمين، فمما ورد في كلامه ـ رحمه الله ـ بعد دعوته للإسلام: « ... ومن العجب أن يأسِر النصارى قوماً غدراً أو بغير غدر، ولم يقاتلوهم ... ، وكلما كثرت الأسرى عندكم كان أعظم لغضب الله وغضب عباده المسلمين؛ فكيف يمكن السكوت على أسرى المسلمين في قبرص؟!
فما يُؤمِّنُ الملكَ أن هؤلاء الأسرى المظلومين ببلدته ينتقم لهم ربُّ العباد والبلاد كما ينتقم لغيرهم؟ وما يُؤمِّنُه أن تأخذ المسلمين حميةٌ إسلاميةٌ؛ فينالون منها ما نالوا من غيرها؟ ... » (?) .
وهذه الرسالة من شيخ الإسلام للملك النصراني تبين شدة ولائه ـ رحمه الله ـ وحبه للمسلمين، والسعي في تخليص أسراهم من الكافرين) ، وفيها بيان لعزِّة المؤمن بقوة إنكاره وشدته على أهل الباطل، وفيها أيضاً بيان لأهمية دور العلماء في الذود عن الحق وأهله أينما كانوا.
كذلك فإن أهل العلم حرصوا على التصنيف والتأليف في هذا الموضوع المهم في حياة المسلمين. فمن ذلك: ما قاله الشيخ عبد الله بن سليمان بن حميد ـ رحمه الله ـ في رسالته (الهدية الثمينة في ما يحفظ به المرءُ دينَه) ؛ إذ قال ـ رحمه الله ـ: «لمَّا رأيت ما عمّ وطمّ من انقلاب الأكثرين عن دين الإسلام، وموالاتهم لعبدة الأوثان وأعداء الشريعة من: النصارى، والملحدين، والرافضة، حملتني العزة الدينية والشفقة الإنسانية أن أجمع بعض آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومن كلام علماء السُّنة المقتدى بهم، نبذةً يسيرةً في بيان تحريم مخالطة المشركين ووجوب البعد عنهم، وحكم التولي والموالاة والسفر إلى بلادهم، وما يجب على من اضطُّر إلى العمل مع الشركات الأجنبية؛ لتكون تذكرة للمؤمنين وحجة على المعاندين، وسميتها: (الهدية الثمينة في ما يحفظ به المرء دينه) » (?) .
وأختم هذه النماذج المباركة بإضاءة من حياة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ الذي كان ينبِّه بين وقت وآخر، في دروسه ومحاضراته وفي ردوده، على وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين. ومن ذلك ردّه على ما جاء في أحد الصحف، وهو خبر يتعلق بإقامة صلاة الجمعة في مسجد قرطبة، وذُكر فيه: إن الاحتفال بذلك يعد تأكيداً لعلاقات الأخوة والمحبة بين أبناء الديانتين: الإسلام والمسيحية، فقال ـ رحمه الله ـ في رده عليهم: « ... ونظراً إلى ما في هذا الكلام من مصادمةِ الأدلةِ الشرعية الدالة على أنه: لا أخوةَ ولا محبة بين المسلمين والكافرين؛ وإنما ذلك بين المسلمين أنفسهم، وأنه لا اتحاد بين الدينين الإسلامي والنصراني؛ لأن دين الإسلام هو الحق الذي يجب على جميع أهل الأرض المكلفين اتباعُهُ، أما النصرانية فكفرٌ وضلال بنص القرآن الكريم» .
ومن ذلك قوله ـ رحمه الله ـ: « ... فقد نشرت بعض الصحف المحلية تصريحاً لبعض الناس قال فيه ما نصه: «إننا لا نَكِنُّ العداء لليهود واليهودية، وإننا نحترم جميع الأديان السماوية» ، ولما كان هذا الكلامُ في شأن اليهود واليهوديةِ؛ يخالف صريحَ الكتاب العزيز والسُّنة المطهرة، ويخالف العقيدةُ الإسلامية، وهو صريح يُخشى أن يغتر به بعض الناس؛ رأيت التنبيه على ما جاء به من الخطأ نصحاً لله ولعباده، فقد دلَّ الكتابُ والسُّنة وإجماع المسلمين على أنه: يجب على المسلمين أن ىُعادوا الكافرين من اليهود والنصارى وسائر المشركين، وأن يحذروا مودتَهم واتخاذهم أولياء (?) » ا. هـ.
نعم.. تلك أفعال لا أقوال، وحقائق لا أوهام، وتلك نتفٌ يسيرة من سِيَر أقوام، نحسبهم ـ والله حسيبهم ـ رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فهلاَّ اتبعنا أثرهم، واقتدينا بهم في هذا الزمان الذي وهنت فيه الأمة، وضعفت شوكتها، وهانت على بنيها قبل أعدائها! وما أصابها ما أصابها إلا من ضعف تحقيق هذا الأصل العظيم: الولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراءة من الكفار والمشركين وأعداء الدين.