محمد بن عبد الله الدويش
تناولنا في العدد السابق طائفة من مشكلات أولاد الصالحين، ويتواصل حديثنا عن الموضوع في هذا العدد.
من مشكلات أولاد الصالحين التوقعات العالية لدى والديهم؛ فيتسم كثير من الآباء والأمهات الصالحين بحرص بالغ في رعاية أولادهم وتنشئتهم، وتعلو توقعاتهم وطموحاتهم، وهو مطلب إيجابي؛ فالطموح والرغبة في تميز الأولاد مطلب لكل الناس؛ فضلاً عن الصالحين الذين يدركون المسؤولية، ويتطلعون إلى أن يسهموا في إحداث تغيير إيجابي في الواقع من خلال أولادهم، وإلى أن يحقق أولادهم كثيراً مما لم يحققوه هم.
لكن المشكلة حين تكون الطموحات معيارية يحاكمون أولادهم عليها، ويقيسون النجاح والفشل من خلالها.
إن مجرد الطموح والتوقعات العالية للوالدين ليست العامل الوحيد في تأهل الأولاد للمستويات المرجوة؛ فهو يرتبط بالقدرات والمؤهلات الشخصية، وبوجود المنهج التربوي الملائم، وبالقدرة على تطبيقه بصورة تربوية صحيحة.
يصر بعض الآباء والأمهات على أن يُتِمَّ أولادهم حفظ القرآن الكريم، أو إنجاز بعض المشروعات العلمية على حساب تمتعهم بطفولتهم، وقد يتحقق شيء من ذلك تحت سَوْط الإكراه والضغط؛ وحين يشب الأولاد يتمرودن على ما تلقوه.
ومن المشكلات: أن الصالحين كغيرهم من الناس لهم سمات شخصية؛ فمنهم من يكون بسيط التفكير، أو ضيق الأفق، أو حاد الطبع، أو عنيفاً، أو متشائماً؛ فتترك هذه السمات أثرها على علاقتهم بأولادهم، وتزداد المشكلة حين تجد أن من يتسمون بهذه السمات لا ينفكون عنها في تعاملهم مع قضايا التدين؛ فقد يضفي أحدهم الصبغة الشرعية على تصرفاته التي يكون مصدرها سماته الشخصية.
ومن المشكلات: عدم استيعاب طائفة من الصالحين تنوع الناس واختلافهم؛ فعلى سبيل المثال يمثل التوجه للتخصصات الشرعية في التعليم مطلباً مشتركاً بين الصالحين، لكن ليس كل الأولاد متهيئاً لذلك؛ فالمبالغة في إصرار الوالدين على هذا والربط بينه وبين الصلاح والاستقامة قد يقود إلى مشكلات في تربيتهم.
وما أجمل ما قاله ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «ومما ينبغي أن يتعهد: حال الصبي، وما هو مستعدٌ له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوقٌ له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذوناً فيه شرعاً؛ فإنه إن حمله على غير ما هو مستعدٌ له لم يفلح، وفاته ما هو مهيأ له» (?) .
ومن المشكلات: أنهم - وبالأخص أولاد المشاهير - تحت الأضواء وتحت نظر الآخرين من زملائهم وأساتذتهم؛ فكثيراً ما يلامون على ما لا يلام عليه غيرهم، أو يتوقع منهم ما لا يتوقع من غيرهم، مما يقود بعضهم إلى القلق من هذه النظرة، أو ينشئ لديهم ردة فعل معاكسة.
ومنها حديث والديهم معهم على أنهم يمثلون والديهم، وعلى أن الناس يلومونهم ويقولون: هؤلاء أولاد فلان وفلانة؛ مما يشعر الأولاد أنهم يراد منهم الانضباط لأجل سمعة والديهم، أو أنهم يُحرَمون مما لا يحرم منه غيرهم حتى لا يلام آباؤهم وأمهاتهم.
ويسيطر على بعض الآباء والأمهات هاجس مبالغ فيه حول انتقاد الآخرين لهم ولأولادهم؛ فيظهر هذا الهاجس في أسلوب تعاملهم مع أولادهم وتوقعاتهم منهم.
ومنها: كثرة انشغال والديهم، وبالأخص من له مشاركة في ميدان العلم والدعوة؛ فيقود الانشغال إلى حرمان أولادهم من الحياة الأسرية الطبيعية، وإلى غفلة الوالدين عن كثير مما يجري لأولادهم.
ومنها: المبالغة في حرمانهم من كثير من المتع المباحة بحجة الورع أو البعد عن الشبهات، ولا شك ان البعد عن الشبهات مطلب، والورع هو السلوك اللائق بالوالدين، لكن حين يتحول إلى معاناة لدى الأولاد، وإلى رقيب خارجي يبحثون عن التفلت منه فإنه يؤدي إلى نتائج سلبية.
إن أولاد الصالحين كغيرهم من الناس يحتاجون إلى المتعة، وإلى الترفيه، وإلى اللهو، وأن يشعروا أن التدين لن يكون عائقاً لهم عن أن يتمتعوا كما يتمتع به الآخرون ما دام ذلك في إطار المباح.