محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي
صار معلوماً لدى القاصي والداني خبر الحرب التي تشنّها الحكومة التونسية على الإسلام ومقدّساته؛ فمن قانون المساجد إلى خطة تجفيف منابع الدين مروراً بالمنشور (108) القاضي بـ «تحريم الخمار، ولباس النساء الشرعي» ، إلى تدنيس المصحف الشريف! أي والله! فيما روي عن تعمّد الضابط مدير سجن برج الرومي ـ الواقع بمحافظة بنزرت ـ الاعتداء بالعنف على أحد السجناء كما أخذ المصحف الشريف وضرب به السجين، وأثناء الضرب سقط المصحفُ من يده على الأرض، فركله وداسه برجليه، وهو ما أثار حفيظة السجين المذكور واستنكاره. ولقد شَهدتْ بهذه الواقعة بيانات فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بمدينة (بنزرت) ، ومما جاء فيها: «وبلغ لعلم الرابطة أنه كان من نتيجة ذلك تعرّض ذلك السجين لاعتداء جديد من طرف المدير نفسه وأعوانه الذي ـ زيادة على الاعتداء الجسدي ـ عاقبه مدير السجن بوضعه في السيلون ـ زنزانة انفرادية ـ ومنع عائلته من زيارته» . وقد قدّم أهالي السجين المذكور شكوى ممّا جرى عليه من تعذيب وتدنيس المصحف إلى فرع الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان بمدينة (بنزرت) ، كما أبلغ بذلك نقيب الهيئة التونسية للصحافيين. ولما شاع خبر تدنيس المصحف واستنكرت الهيئتان المذكورتان وغيرهما من الهيئات الجريمة، سارعت الحكومة إلى تكذيب خبر الواقعة متعهدةً بإجراء تحقيق في الواقعة، وهو ما ينمّ عن تناقض في الموقف؛ إذ كيف يعقل أن تنفي الحكومة وقوع الحادثة مع التعهد بالتحقيق فيها؟! وقد ردّت الرابطة على نفي الحكومة بتأكيد حصول الواقعة بما لديها من وثائق وبيانات. وإزاء إصرار الرابطة قامت الحكومة باعتال رئيس فرع الرابطة بـ (بنزرت) ، وإحالته إلى التحقيق بتهمة نشر أخبار زائفة من شأنها تعكير صفو النظام العام، وإهانة موظف عمومي!
وما جرى بسجن برج الرومي جرى مثله وأضعاف أضعافه في سجون أخرى؛ ولولا خشية الإطالة لسردنا عشرات الوقائع! ولكن حسبنا هذه الواقعة بل الفاجعة التي حصلت في سجن «الهوارب» بالقيروان! فقد روى أحد السجناء: «أنه كان بهذا السجن رفقة ما يقارب سبعين سجيناً من شباب النهضة التونسية، وكان من جملة الإجراءات الصارمة التي اتخذتها إدارة السجن ضدّنا أن: حرّمت علينا مسك المصاحف أو قراءة القرآن تحريماً قاطعاً!
وفي صباح يوم من الأيّام أجمعنا أمرنا ـ نحن المساجين الإسلاميين ـ على مطالبة إدارة السجن بردّ مصاحف القرآن التي جرت مصادرتها منّا وحجزها عنّا.
حضر مدير السجن إلينا ـ حين بلغه طلبنا ـ وسألنا في حنق وغضب متلفّظاً بعبارات الكفر والفحش والبذاء:
- آش بيكم يا أولاد ... ! آش تحبّوا ... ؟ آش طالبين ... ؟
فأجابه مساعده:
- هاهم طالبين المصاحف؛ ليقرؤوا القرآن.
فالتفت المدير إلينا، وردّ على الفور قائلاًَ:
- «نعم ... ! لحظة ... ! توا تجيكم المصاحف» !
راح المدير، وتركنا متلهّفين لاستقبال مصاحف القرآن لهفة الظمآن لقطرة ماء. مضت بضع دقائق، عاد إثرها ومن ورائه فرقة من أفراد الطلائع السجنية مدجّجين بالعصيّ والهراوات! وللتوّ جرّدونا تماماً من أثوابنا، وأمرونا بالجري في ساحة السجن في شكل طابور دائري، طوّقونا وطفقوا بنا ضرباً مبرّحاً حتى أسقطونا أرضاً، وقد أنهكنا الجري والتعب والأذى والألم، وأمرنا المساعد بالجثيّ على ركبنا الدامية! ولّى المدير وتركنا ونحن على تلك الحال حفاة عراة، ثمّ عاد ومعه أحد الأعوان يحمل بين يديه مجموعة من المصاحف الشريفة. وبأمر من المدير ألقى العون المذكور بالمصاحف على الأرض! وطرحها بساحة السّجن! ثمّ صاح المدير في وجوهنا قائلاً:
ـ «هاهي المصاحف اللي طلبتوها ... » وأخذ يمشي عليها! ويدوسها بنعليه! في صلف وكبرياء وعنجهية واعتداء! متلفظاً بشتم الدين! والاعتداء على العقيدة! هزّنا ذلك المشهد هزّاً عنيفاً، واعتصر الحزن قلوبنا؛ فما قدرنا على فعل شيء ندفع به ذلك الاعتداء الأثيم على كتاب ربّنا؛ وما إن صاح الطاغية بنا للالتحاق بعنابرنا مهدّداً ومتوعّداً لنا بمزيد من العذاب والنكال والانتقام إن نحن طالبنا بمصاحفنا مرة أخرى؛ حتى عدنا وقد انفجرت منّا العيون تهمل بالدّموع باكية على الحال الذي آلَ إليه القرآن في تونس بلاد الإسلام» !
ليس من قبيل المصادفة أن يتكرّر هذا الصنيع الشنيع المتمثل في تدنيس المصحف الشريف في السجون التونسية؛ فما هو إذن بحادث عرضي ولا تصرف فردي منعزل؛ فقد تكررت هذه الجناية الفظيعة النكراء من أعوان البوليس والحراس في مختلف السجون والمعتقلات؛ وهو ما يميط اللثام عن سلوك لدى الحكومة وأعوانها في انتهاك الحرمات وتدنيس المقدّسات.
إنه سلوك متعمَّد يأتي في سياق حرب شاملة تشنّها الحكومة التونسية بكافّة دوائرها وأجهزتها ومؤسّساتها على الدين الإسلامي ومقدَّساته.
إن ركل المصحف الشريف لهو جريمة عظمى تكاد السماوات يتفطّرن منها وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا! فكيف يرضى مسلم أن يُدنَّس أقدسُ مقدّساته؟! أو كيف يغضي عن منتهكي أعظم حرمات ربّه؟! إن الجناية على كتاب الله جناية على أمّة الإسلام بأسرها! فعلى هذه الأمّة إذن واجب النصرة! {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحجّ:40] .