ممدوح إسماعيل
مع أول خيوط الصباح طار عصفور بين الأشجار في حديقة الحيوانات وهو يصرخ فيهم: بشرى لكم! فاندفعت الحيوانات جميعاً نحو قضبان الأقفاص تستطلع: ما الخبر؟ ما الخبر؟ فقال العصفور: لقد تشكل مجلس دولي لحقوق الحيوان! فقالت الحيوانات في صوت واحد وهي خلف القضبان: وماذا يعني هذا؟ فغضب العصفور وقال: يعني هذا فتح جميع الأقفاص وعودتكم جميعاً إلى حياتكم الطبيعية في الغابات وبين الأشجار. ففرحت جميع الحيوانات وقالوا في صوت واحد: أخيراً تحقق الحلم! ولكن العصفور استدرك قائلاً: ولكن ذلك بشروط، فتجهّمت جميع الحيوانات وقالت: شروط! أيّ شروط؟ قال العصفور: أول شرط أن يتقدم كل حيوان بطلب إلى المجلس يشرح حالته وأسباب حبسه في القفص والمجلس سوف يعقد جلسات وجلسات للنظر في كل حالة على حدة، ودراسة أسباب الحبس، وهل انتفت أم لا؟ ثم يصدر قراراً بشأنه.
وهنا زمجر الأسد زمجرة قوية اهتزت لها جنبات الحديقة وقال بصوته الجَهْوَرِي: أي أسباب؟ نحن لم نفعل شيئاً، لقد خطفونا من ديارنا ومن بين عاداتنا وتقاليدنا، نعم! لقد خطفونا في لحظة غفلة، وأودعونا تلك الأقفاص، بل يحاصروننا ليل نهار، وكل حركة لا بد من الحصول لها على إذن، ونحن نموت فيها ببطء؟ التفت إليه العصفور قائلاً: هل قاومت؟ هل زمجرت؟ قال الأسد: وماذا أفعل غير ذلك، فردّ العصفور لقد سمعتهم يتهامسون: أن أول شروط الإفراج عنك أنت خاصة هو أن تنعدم مقاومتك تماماً، وأن لا تزمجر بصوتك المرعب نهائياً، وأن تحلق لحيتك وشاربك كي يكون شكلك لائقاً بالنظام العالمي الجديد، فصرخ الأسد في العصفور قائلاً: بهذا الشكل لن أكون أسداً مطلقاً! فردّ العصفور: هذا ما علمته، فالتفت الثعلب وهو مبتسم فرحان للعصفور قائلاً: أنا لا أقاوم ولا أزمجر ولا لحية لي ولا شارب؛ فالحمد لله، لا شرط للإفراج عني. فردّ العصفور قائلاً: يبدو ذلك، ولكن كما علمت أن مشكلتك أكبر، فوضع الثعلب يده على خده وهو يقول: مشكلتي أكبر، ما هي يا عصفور الأخبار السارة؟ قال العصفور: يقولون: إن مشكلتك أنك تفكر كثيراً، ومن شروط الإفراج أن لا تفكر، فابتسم الثعلب بمرارة وهو يقول: لا أفكر، لا أفكر! أكون حماراً مثلاً. وهنا ظهر الحمار غاضباً وهو يتمشى بين الأقفاص يجر عربة بها مخلفات الحديقة، واتجه إلى الثعلب في قفصه قائلاً: لو كنت غبياً لكنت مكانك، ولكني علمت بذكائي أنه ما باليد حيلة، فاستسلمت للحارس يوجهني كيف يشاء، ولكني حرٌّ لست مثلك في قفص، فصمت الثعلب وشرد ذهنه قليلاً ثم قال: لا بأس لن أفكر لن أفكر، ولكن هل هناك شروط أخرى يا غراب البين؟ فغضب العصفور وقال: لماذا تسبّني ولقد زففت لكم البشرى؟ على العموم شروط أخرى، منها: الاعتراف بحقوق الإناث السياسية، فبهتت جميع الحيوانات ورددوا جميعاً في صوت واحد: وما هي حقوق الإناث السياسية؟ قال العصفور: كما علمت أن منها تداول السلطة في كل فصيل؛ بمعنى إعطاء الإناث حق سلطة قيادة القطيع، والأمر والنهي والمساواة التامة مع الذكور! فسادت حالة من الهرج في الأقفاص، وانبرى غزال رقيق قائلاً للعصفور: إذا كانت هي غير مؤهلة لذلك؛ مثلاً هل تقود القطيع الغزالة وأنا أُرضع الصغار؟ كيف؟ لقد خلقنا الله كلٌّ له صفاته، هذا لا يصدق! لقد حدث خلل في الحياة! وهنا قالت الغزالة: حتى لو كنا مجانين فلن نوافق على هذه الشروط، فلِمَ يتدخلون في حياتنا؟ وهنا صرخ الثعلب: أكمل يا عصفور؛ فكل شيء ممكن التفاوض فيه أكمل! قال العصفور: الشرط الأخير قصّ الأظافر وخلع الأنياب، وعدم رد الاعتداء على الآخر واحترامه مهما فعل! انتابت الحيوانات موجة من الضحك الهستيري! ولكن الأسد كان الوحيد الذي كان يبكي بينما الثعلب الذي كان صامداً مطرقاً رأسه شارداً، التفت إلى العصفور قائلاً: لو اعتدى عليّ الآخر ولم يحترمني أو استولى على بيتي أو قتل أطفالي فماذا أفعل؟ قال العصفور: تشتكيه إلى مجلس حقوق الحيوانات! قال الثعلب: وماذا يفعل هذا المجلس؟ قال العصفور: سوف يصدر قراراً بشأنك، قال الثعلب: وماذا لو لم يمتثل المعتدي للقرار؟ قال العصفور: سوف يصدر قراراً آخر أشد قوة، وهنا أطرق الثعلب رأسه وانعقد لسانه فلم يتكلم، وفجأة صاح الأسد قائلاً للعصفور: من يرأس هذا المجلس؟ قال العصفور: أبو الذئاب هو الرئيس، والأعضاء خراف ونعاج، والذين عيّنهم الصياد هو الذي خطفكم، فصاحت جميع الحيوانات: العوض من الله! وانحدرت دموع ساخنة على وجنتي الأسد وهو يتمتم: أبو الذئاب وخراف ونعاج تملي شروطاً على الأسود! أيُّ زمن نعيش؟ وأيّ حياة تلك؟ ذلك جزاء المغفلين! والتفت الأسد إلى العصفور قائلاً بصوت جَهْوَرِي: يا عصفور! قل لهم: لن نخرج على شروطهم؛ فحياة الأقفاص وهذه القضبان، أهون من حريتهم، وسوف نبذل ما نستطيع كي نخرج من تلك الأقفاص ونستردّ حريتنا بطريقتنا، وعلى طبيعتنا. قال العصفور: لن تستطيعوا لقد أصدروا قراراً فإن لم تقبلوا الشروط فستزداد عدد القضبان الحديدية حولكم؛ لأنكم بذلك أصبحتم إرهابيين كما يقولون، قال الأسد: يكفينا أن نحاول، وإن متُّ وأنا أسد خير لي من أن أموت كالماعز! فانبرت عنزٌ قائلة: لا، لا تقل ذلك حتى أنا لا أرضى بذلك؛ فأنا أعتزّ بكل صفاتي ولن أغيرها سعياً وراء رضاهم، وهنا صاح العصفور وهو يطير بعيداً: نسيت أن أقول لكم: إنكم قبل الإفراج بعد تلك الشروط سوف تدخلون مدرسة لإعادة تأهيلكم ثقافياً.