محمد زيادة
سيناريو الحرب المُفضل للقادة الإسرائيليين
خبير صهيوني: حماس أجبرت الإسرائيليين على عدم وجود رؤية تجاهها
لا تزال حركة حماس تشغل المساحة الكبرى من اهتمامات وسائل الإعلام العبرية، المقروءة منها والمسموعة والمرئية كذلك، ولم يكن فوز حماس بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية في الخامس والعشرين من يناير المنصرم، إلا موعداً مع ميلاد «وضع جديد» داخل الأجهزة الأمنية الصهيونية خاصة الداخلية المتمثلة في جهاز الأمن العام «الشاباك» ، وشعبة «أمان» المخابراتية، فضلاً عن ميلاد الوضع الجديد نفسه في جهاز المخابرات الخارجية «الموساد» .
لذلك رأت قيادات تلك الأجهزة الاجتماع مراراً منذ الأول من فبراير الماضي، حتى توصلوا في نهاية مارس إلى عدة سيناريوهات، لتنفيذ أحدها مستقبلاً مع الحكومة الفلسطينية الجديدة بقيادة حماس.. لكن هذه السيناريوهات جميعها أدت بالكاتب الصهيوني الشهير، خبير الشؤون الأمنية بصحيفة هآرتس (زئيف شيف) للتأكيد على أن وضع هذه السيناريوهات يثبت أن حماس أجبرت الحكومة الصهيونية على عدم قدرتها على وضع تصور واحد ومُحدد، للتعامل معها في الفترة المقبلة.
(شيف) أوضح أن كل ما يُقال عن سيناريوهات مخابراتية للتعامل مع حكومة حماس، ليس حلاً حقيقياً يطمئن الصهاينة من المستقبل الذي بات مجهولاً أكثر عقب فوز حماس، وتزايد نفوذها وسط الشارع الفلسطيني.
üالسيناريو الأول:
رأى المسؤولون الأمنيون بالكيان الصهيوني أن يتم الفصل بين الأفعال والأقوال؛ بمعنى أن تقوم الدولة العبرية بالفصل الحقيقي والجاد بين ما يقوله المسؤولون عن حماس، وبين ما يفعلونه على أرض الواقع؛ فحسب التصريحات ترى الدولة الصهيونية دوماً أن حماس حركة متطرفة لا لشيء إلا لرفضها الاستجابة للضغوط «الصهيونية» والأمريكية بإلغاء النص الخاص بإبادة الدولة الصهيونية من ميثاقها، كما أن رفض حماس لتبني الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان الصهيوني يزيد من الوصف الصهيوني الدائم لها بأنها حركة متطرفة.
أما على مستوى الأفعال، وحسب السيناريو الأول الصهيوني؛ فإن حماس ستمتنع عن القيام بأي أعمال عنف ضد الدولة الصهيونية. ويرى بعض المؤيدين من الجانب «الصهيوني» لهذا السيناريو أن حماس ستمتنع بالفعل عن تنفيذ أي عمليات في هذا الوقت، كما أن حماس تفضل هذا الخيار ـ على حد زعم السيناريو ـ.
يرى معدو السيناريو أن هذا الأمر يُنشئ نوعاً من التناقض ما بين التصريحات والأفعال؛ فحماس لن تتنازل عن شيء مما طُلب منها التنازل عنه، وفي الوقت ذاته تحصل على ثمن كبير يتمثل في حصولها على فترة زمنية طويلة تمكنها من إعادة تنظيم نفسها على المستوى السياسي والعسكري، وتحافظ على الهدوء في الأراضي الفلسطينية.
هنا يدعي التقرير أن ما سماهم بالعناصر المتطرفة القادمة مثل العناصر الإيرانية سيمكنها التسلل إلى المناطق الفلسطينية.
يوضح السيناريو أن هناك من يؤيد هذا السيناريو، وهم فلسطينيون معتدلون على حد تسميته، ومحافل أوروبية رافضة للأيديولوجيا الحربية لحماس، ولكنهم يبحثون عن الحلول المانعة لمواجهة عسكرية بين الدولة الصهيونية والفلسطينيين.
ü السيناريو الثاني:
اصطلح معدو السيناريوهات المختلفة للتعامل مع حماس في المرحلة القادمة، على تسمية السيناريو الثاني بـ «سيناريو استبدال حكم حماس» ، ويوصي السيناريو ببذل الجهد في مسار إفشال حكومة حماس على كافة المستويات الخارجية والداخلية، ويأتي ذلك بالضغط على السكان الفلسطينيين، عن طريق المساعدات الاقتصادية الدولية للسلطة الفلسطينية، وعرقلة وصول المعونات الغذائية للمناطق الفلسطينية ولا سيما مدينة غزة (كما حدث في أزمة عدم وجود الخبز في بداية إبريل) .. وكل ذلك بهدف إقناع الفلسطينيين أن قرارهم باختيار حكومة حماس كان الخطأ الأكبر.
واعترف السيناريو الصهيوني الثاني بصعوبة تطبيق هذا الأمر في الوقت الراهن، بسبب أن حكومة حماس حكومة غير فاسدة، يتمتع أفرادها بنظافة الأيدي وعدم تورطهم في أي قضايا فساد. لكن السيناريو يشير إلى أن الضغط المتزايد على حكومة حماس سيؤدي إلى حرب ضروس، ينتج عنها تغييرات اجتماعية، تُثقل على الشعب الفلسطيني، وعلى النساء الفلسطينيات بصفة خاصة، وعلى ما يجري في المدارس، وفي الحياة الاجتماعية عموماً.
واستبدال الحكم سيتحقق في النهاية من خلال انتخابات جديدة في السلطة.
وحول دور الدولة الصهيونية في هذه المرحلة بجانب عمليات الضغط المتواصلة على حماس خارجياً وداخلياً، يرى السيناريو أن مشاكل ستواجهها حماس في هذا المسار ستكون صعبة، منها تصرفها حيال المصاعب الاقتصادية المتدهورة في السلطة الفلسطينية، ورأى أنه من السخافة أن تقوم الدولة الصهيونية بالعمل على تحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين طالما لا تزال حماس هي حكومتهم، وأن أي مساعدة صهيونية تعني قيامها بطريقة غير مباشرة بدفع رواتب وزراء وأعضاء حماس بالسلطة الفلسطينية، في ظل دعوة الحركة المستمرة لمواصلة الحرب على الدولة الصهيونية ـ بمقتضى السيناريو ـ.
ü السيناريو الثالث:
ويُعرف باسمَيِ «الوساطة» ، أو «غريب السبت» حسب التسمية اليهودية التراثية، وتعني أن تبحث الدولة الصهيونية عن وسطاء غير معلومين، لوجود مسائل مشتركة بين الفلسطينيين والدولة الصهيونية، مثل التصدي لكارثة انتشار فيروس «أنفلونزا الطيور» في البلاد، وبما أن هناك رفضاً صهيونياً للتعامل مع حكومة حماس، فإن وجود هؤلاء الوسطاء أمر حيوي وضروري.
يوصي السيناريو القيادة السياسية الصهيونية بضرورة الالتفات لهذا الموضوع؛ ذلك أن هناك بعض الأزمات تجبر الطرفين على التعاون معاً للتصدي لها مثل انتشار فيروس أنفلونزا الطيور، وأزمة تلوث الصرف الصحي؛ فانتشار أي منهما في الأراضي الفلسطينية سيؤدي بالتبعية لانتشاره في الصهاينة.
يرى السيناريو أنه يمكن للدولة الصهيونية في هذا المسار أن تختار وسطاء من السلطات المحلية الفلسطينية، للبعد عن التعامل المباشر مع وزراء حماس.
ثمة مفاجأة في هذا الشأن تتمثل في تقرير قدمه رئيس الأركان الصهيوني، دان حلوتس، للقيادات العسكرية والسياسية، يؤكد على أن هذا الحل غير مفيد للصهاينة؛ لأن حماس قادرة على تزويد الفلسطينيين بكل احتياجاتهم اليومية دون التواصل مع الصهاينة. أضف إلى ذلك أن هناك تقارير مخابراتية صهيونية تفيد أن قادة حماس يدركون أن الدولة الصهيونية هي التي ستأتي إليهم في النهاية باقتراحات لإجراء اتصالات.
ويرى (زئيف شيف) من جهته أن في تنفيذ هذا السيناريو خطراً يتجلى في بروز أمرين متناقضين في الوقت نفسه:
ـ القطيعة مع حكومة السلطة ستكون جزئية، وستجد الدولة الصهيونية نفسها تقدم مساعدة تُعزز مواقف حماس؛ حيث سيعمل الوسطاء بشكل كبير ونشط.
ـ استمرار «الإرهاب ضد الصهاينة، ولو بشكل منخفض نسبياً. وحماس ستتجاهل نشاط الجهاد الإسلامي وغيرها من الفصائل الفلسطينية، وسيستمر إطلاق صواريخ القسام والكاتيوشا بعيدة المدى دون الوضع في الاعتبار الجهة المطلقة لهذه الصواريخ.
ü السيناريو الرابع:
تم الاتفاق على تسميته بـ «سيناريو الحرب الآن» ، ويصفه الخبير الأمني بصحيفة هآرتس بأنه السيناريو الأكثر تطرفاً؛ إذ يقوم على أساس تقدير للوضع، يخرج بنتيجة مؤداها أنه لا مجال ولا أمل في التوصل إلى اتفاق أو حلول وسط مع حماس وأهدافها. ويقف غالبية المسؤولين بهيئة الأركان في صف تأييد هذا السيناريو.
ووفقاً لها السيناريو، فإنه إذا استمر «الإرهاب» ـ في إشارة لعمليات حماس ـ ولو بمقدار منخفض، فإن على الدولة الصهيونية أن تُعلن الحرب فوراً ضد حماس، بدلاً من العمليات الانتقامية وعمليات رد الفعل، ويزعم السيناريو أن أي دولة في العالم تتعرض للهجوم يجب أن تعلن الحرب على المهاجمين، لذلك يرى معدو هذا السيناريو أن يتم النظر لحماس على أنها عدو يجب إبادته.
ينال هذا السيناريو تأييداً كبيراً من المسؤولين «الصهيونيين» ، للدرجة التي يطالبون فيها بضرورة تنفيذ الحرب في أقرب وقت ممكن، لكي لا تقوم حماس بتنظيم نفسها، وتوفيق أوضاعها العسكرية، كما يرون أن الحرب مع حماس قادمة لا محالة؛ لذلك فإنه من الأفضل التبكير بالحرب، وترك رد الفعل لحماس.
يحذر المؤيدون للحرب حكومتهم من أن التأخير في قرار إعلان الحرب على حماس قد يؤدي لعواقب وخيمة للدولة الصهيونية، منها تنامي قوة حماس على المستوى المعنوي والمادي.
(زئيف شيف) يقول إن هناك سلبية في هذا السيناريو، تتمثل في أن الدولة الصهيونية لا تملك أي رؤية حول ما ستقوم به عقب إبادة حماس؛ ذلك أن ما يمكن أن تفعله الدولة الصهيونية هو إعادة احتلال غزة، وقد أيقنا الآن أن احتلال غزة أسوأ من تبادل النار معها.
ü موقف حماس:
يمضي الخبير الصهيوني في الشؤون الأمنية (زئيف شيف) في تصور الأوضاع عقب تنفيذ أي سيناريو من السيناريوهات الأربعة السابقة، موضحاً أن تنفيذ أي منها يعني ظهور سيناريوهات أخرى فرعية في الحياة اليومية سواء في الدولة الصهيونية أو في الأراضي الفلسطينية، لكنه يتساءل عن موقف حماس من كل هذه السيناريوهات الموضوعة من قِبَل أجهزة الاستخبارات «الصهيونية» ، مؤكداً أن أكثر ما يقلق الدولة الصهيونية حالياً هو اختيار حماس للهدنة من طرف واحد.
يعلل ذلك بأن حماس لن تقبل آنذاك الشروط التي يطالبها بها المجتمع الدولي، لكنها قد تتوقف عن العمليات، في انتظار تطورات المستقبل، مُفترضين في ذلك وجود رغبة صهيونية شعبية حثيثة للتمتع بالهدوء الأمني؛ وهو ما سيجعل الصهاينة يستجيبون على الفور لموقف حماس الداعي لهدنة، حتى مع يقينهم بأن هذا الهدوء سيجر وراءه تسلل عناصر إيرانية تهددنا وتهدد الأردن كذلك.
وقد لخص (زئيف شيف) من جهته رؤيته الخاصة بتوقع سيناريو سياسي، يقوم من خلاله رئيس الوزراء الصهيوني، (إيهود أولمرت) بتنفيذ خطوة إضافية من خط «فك الارتباط» التي تم تنفيذ الجزء الأول منها وهو الانسحاب من غزة في منتصف أغسطس الماضي، والاحتمال الأكبر تنفيذ الانسحاب من أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، فيما عرَّفها أولمرت بـ «خطة التجميع» .
أضاف (شيف) أن حماس ستنظر لهذا السيناريو على أنه نصر جديد لها، وهروب صهيوني، كما سيرفض الفلسطينيون الحدود التي توصل إليها (أولمرت) منفرداً، دون الرجوع للاتفاقيات مع الفلسطينيين.
ومن الناحية العسكرية ستكون خطة التجميع التي يتبناها (أولمرت) سبباً جديداً لمواصلة الفلسطينيين الحرب ضد الدولة الصهيونية.
الانطواء سيسهل على الدولة الصهيونية، ولكن من الواضح أن الخط الجديد سيكون أيضاً أساساً جديداً لمواصلة الحرب مع الصهاينة مثلما حصل في قطاع غزة.
وأوضح أنه: «إذا كانت هناك فرصة لتأييد دولي للصهاينة فإنها تكمن قبل كل شيء في موافقتها على خريطة الطريق حتى وإن لم تكن مثالية» .
وختم شيف بالقول: «من الناحية التكتيكية، في هذه المرحلة، الأمر الأهم لحماس هو كسب الوقت. حماس تحتاج إلى الهدوء كي تنظم نفسها، وتعزز صفوفها، وتطور النصر النادر والأولي، والذي في أعقابه قام حكم إسلامي سُني. وإذا ما ساد الهدوء، فسيكون بوسع حماس منع مواجهات داخلية وحرب أهلية فلسطينية» . في مثل هذا السيناريو يمكن لحماس أن تعمل بشكل أفضل حيال محافل دولية وتحظى باعترافها.
ولهذا فما من شك أن حماس ستبعث المرة تلو الأخرى برسائل للدولة الصهيونية مفادها استعداد الحركة لتوفير الهدوء للصهاينة، مقابل تمتعها بالهدوء أيضاً.
على كل الأحوال فإن التمعن في هذه السيناريوهات الصهيونية لمواجهة حماس، يدل على أن الصهاينة ليس لديهم رؤية محددة للتعامل في موضوع صعود حركة حماس لقمة السلطة الفلسطينية، كما أنهم لا يملكون أي رؤية لما بعد فشل حماس في قيادة السلطة الفلسطينية إذا ما فشلت.