نبيل محمد علي
دعوة الوفاق التي أطلقها الدكتور عبد العزيز كامل ـ مهندس عملية الوفاق ـ حفظه الله تعالى ـ عبر مجلة البيان الصرح الشامخ والمجلة الرمز والوجه المشرق لمنهج أهل السنة والجماعة، هذه الدعوة والتي تكرر ذكرها في أكثر من مقال للدكتور ـ حفظه الله ـ وإن كان الإعلان الرسمي لها في العدد (189) في مقال بعنوان (فقه الوفاق متى نحييه؟) ص 34 ـ 41 هذه الدعوة تستحق أن يعقد لها مؤتمر عالمي لقادة العمل الإسلامي من علماء ودعاة ومفكرين؛ بشرط قناعتهم بالفكرة أولاً.
إن ما دعا إليه الدكتور، وغيره ممن يحزنه واقع العمل الإسلامي ينبغي أن تأخذه الجماعات الإسلامية مأخذ الجدّ، وتبدأ بداية حقيقية في السعي ـ ولو بخطوات بطيئة ـ للوصول إلى وفاق حقيقي واقعي، وعلى كل جماعة أن تعيد النظر ـ وبشجاعة ـ في الموقف من الآخر ـ القريب ـ. لذلك أتمنى على مجلة البيان الدعوة إلى إقامة مؤتمر علمي يجمع فيه ما يستطاع من قادة العمل الإسلامي.
ودواعي إقامة هذا المؤتمر كثيرة، أهمها:
1 ـ الحاجة الماسّة في هذا الظرف الذي تمرّ به الأمة إلى جمع الكلمة.
2 ـ حجم المشكلة؛ فهي أكبر مما نتصور، وتحتاج إلى جهود كبيرة ومتواصلة.
3 ـ عموم البلوى؛ فلا يخلو بلد إسلامي، بل بلد فيه أقلية مسلمة من مرض الاختلاف والتنازع.
4 ـ وجود قطاع كبير من شباب الصحوة وطلاب العلم، بل قبلهم من العلماء والدعاة ممن يرغبون ويتمنون جمع الكلمة؛ لكن الأُطر الحزبية والتنظيمية وعدم الجرأة على البداية وغيرها من الأسباب تقف سدّاً منيعاً أمامهم.
فأسأل الله أن يوفق من يهمّه الأمر إلى إيجاد مشروع عملي ولو إقليمياً أو حتى محلياً؛ ليكون نواة لبداية مرحلة جديدة في طريق الائتلاف والالتقاء والإخاء الصادق.
وفكرة (مشروع جمع الكلمة) في هذا المقال إنما هي تفاؤل ـ قد يكون ـ في غير محلّه، لكن استجابة لطلب الدكتور في قوله (أَقْدِمْ ولا تتردّد) (?) ، فإنني لم أتردّد في كتابة هذه الفكرة، ولعلها تجد من يعيد النظر فيها ويخرجها فكرياً إلى مستوى أعلى، مع السعي عملياً إلى نقلها إلى الواقع ليتم البدء في تنفيذها.
أولاً: الفكرة:
هي عبارة عن القيام بمجموعة من البرامج والأنشطة الدعوية المختلفة بواسطة مجموعة من الدعاة المنتمين إلى جماعات مختلفة.
ثانياً: الأهداف:
1 ـ تقريب وجهات النظر بين الإسلاميين.
2 ـ زيادة فرص الالتقاء والمشاركة في البرامج المختلفة.
3 ـ إزاحة أو إزالة الحاجز النفسي ـ الوهمي ـ الحائل بين دعاة الجماعات الإسلامية بعضهم مع بعض.
4 ـ العمل على تخفيف أو تجفيف منابع الفرقة والاختلاف.
ثالثاً: الوسائل والطرق:
لا شك أن الفكرة يسهل طرحها، بل طرح ما هو أعمق منها وأفضل، وكذلك الأهداف، والعبرة بتنفيذها وإخراجها إلى حيّز الواقع، لذلك سأحاول وضع طرق واقعية ـ قدر الإمكان ـ من أجل تحقيق الأهداف المذكورة. وقبل ذلك أنبّهُ إلى أمر مهم، وهو أن الذي يقوم بالترتيب والسعي لإقامة هذه الأنشطة وتنفيذ هذه الوسائل لا بد أن يكون مقتنعاً بل متفاعلاً ومتفائلاً وباذلاً وُسْعَه في ذلك.
ومن الوسائل المقترحة في هذا الأمر:
1 ـ إقامة ندوات وحلقات نقاش تعالج قضايا عامة ليس لها علاقة بأمور الخلاف، يقيمها مجموعة من الدعاة من عدّة جماعات، ظاهرها موضوع الندوة، وباطنها اجتماع الوجوه وزيادة فترة اللقاء فيكون نوراً على نور.
ومن أمثلة المواضيع التي تناقش في هذه الندوات: (غلاء المهور ـ الفساد الأخلاقي المنتشر في المجتمعات ـ التنصير ـ الغزو الفكري) ونحوها.
2 ـ دورات عامة مختلفة، مثل: دورة للنساء، وأخرى لشباب الصحوة، ودورة خاصة بالأئمة والخطباء، وغيرها يشترك في إقامتها دعاة مختلفون في الانتماء تجمعهم الدورة.
3 ـ لقاءات فردية، أي: بين أفراد الجماعات بطريقة غير رسمية؛ كالدعوة إلى وليمة أو مناسبةٍ ما، أو زيارة أو ضيافة؛ وهكذا.
4 ـ نشر الوسائل الدعوية التي تعالج هذه القضية بين شباب الصحوة؛ كالأشرطة والرسائل والنشرات ونحوها.
5 ـ إقامة مسابقات مختلفة تدور مواضيعها حول هذا الأمر، ومن ذلك مثلاً:
ـ مسابقة في كتابة بحوث وأفكار حول الطرق والوسائل التي تؤدي إلى جمع الكلمة.
ـ مسابقة الشريط الإسلامي، ولها صورتان:
الأولى: مسابقة في شريط يعالج قضية الخلاف لأحد الدعاة المشهروين.
الثانية: مسابقة في الشريط الإسلامي المحلي، وذلك باختيار مجموعة من الأشرطة لمجموعة من الدعاة المحليين في البلد في مواضيع مختلفة ليس لها علاقة بالقضايا الخلافية ونشرها في أوساط طلاب العلم.
6 ـ إقامة محاضرات عامة في مساجد مختلفة؛ فكما هو معروف أن المساجد في بعض البلدان تُنسب إلى الجماعات فيحاضر هذا في مسجد هذا، وهذا في مسجد هذا؛ وهكذا.
7 ـ توزيع استبانة صريحة ومناسبة لقطاع كبير من الدعاة وطلاب العلم وشباب الصحوة، يكتبون فيها ما يدور في خلدهم وما يحملون في صدورهم وما يرونه من حلول واقتراحات حول مسألة تفرّق الجماعات الإسلامية؛ فإن هذا وإن لم تظهر آثاره مباشرة إلا أن له دوراً كبيراً في التهيئة النفسية، خاصة إذا كانت الإجابات بعيدة عن الأجواء التي تُشعِر بالمراقبة وخروج الخبر عن الخصوصية، ثم يتم الإعلان عن النتائج الإيجابية للاستبانة ونشرها وتوزيعها دون الإشارة إلى الأسماء بقدر الإمكان.
8 ـ نشر الأعمال التي يجتمع فيها أكثر من داعية ومن عدّة جماعات؛ كالفتاوى والمحاضرات واللقاءات المشتركة.. وغيرها.
9 ـ إيجاد مسجد مستقل عن الانتماء ـ قدر الإمكان ـ لإقامة البرامج الدعوية فيه لجميع الدعاة بغضِّ النظر عن انتمائهم.
رابعاً: تنبيهات مهمة:
1 ـ عدم المساس بالانتماء، أي: محاولة الابتعاد عن الكلام في انتماء الأفراد وجماعاتهم، وليكن الشعار القولي والعملي: (لنتعاون وكلٌّ في انتمائه) ولو في بداية مراحل التعاون؛ لأن فتح باب النقاش حول الانتماءات معناه تعميق الخلاف وتعزيز التعصب.
2 ـ التركيز على جماعة وتكثيفُ النشاط معها معناه الانتماء ولو بصورة غير مباشرة؛ لذلك ينبغي أن ينتبه مَنْ يدعو إلى جمع الكلمة أن يكون محسوباً على طرف من الأطراف.
3 ـ عرض الفكرة قبل تنفيذها على القيادات العملية والدعوية في الساحة، وخاصة التي يتوقع منها التأييد والتشجيع والتعاون.
4 ـ لا شك أنه يوجد في كل جماعة فئة محبة للاجتماع راغبة في التآلف؛ فهؤلاء هم الأرض الخصبة لبذر هذه الفكرة وعلى أيديهم ستؤتي ثمارها ـ بإذن الله ـ فينبغي التركيز عليهم والحرص على معرفتهم.
خامساً: شروط النجاح:
1 ـ الإخلاص، وعدم الخلاف.
2 ـ الرغبة الصادقة في جمع الكلمة.
3 ـ الصبر؛ لأن المعارضة للفكرة قد تأتي ممن نعقد عليهم الأمل في جمع الكلمة بسبب الانتماءات والولاءات الضيقة.
4 ـ الوضوح في التعامل خاصة مع القيادات؛ فالكثير ـ إلا من رحم الله ـ يظن أن أيّ دعوة جديدة معناها جماعة جديدة تبحث عن أنصار.
وأخيراً أقول: قد يمكن تنفيذ هذه الفكرة أو بعضها في بيئة معينة وفي مجتمع خاص وقد لا يكون ذلك ممكناً في غيره، لكن الهدف هو الفكرة، وأما وسائلها وطرق تنفيذها؛ فأهل مكة أدرى بشعابها.
وأختم بالتذكير بكلمة مهندس عملية الوفاق: (أَقْدِمْ ولا تتردّدْ) والله المستعان.