خواطر في الدعوة
محمد العبدة
جاء في كتاب (فضائل الصحابة) أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
شكى خالد بن الوليد إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فقال رسول الله-صلى الله
عليه وسلم-لخالد: «يا خالد لمَ تؤذي رجلاً من أهل بدر، لو أنفقت مثل أحد ذهباً
لم تدرك عمله» [1] . وجاء في صحيح مسلم: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد
الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» [2] .
ومع بقاء هذه الأحاديث على عمومها، ولكن من الواضح أن رسول الله وجه
خالداً رضي الله عنه إلى احترام صحبة معينة وهي الصحبة القديمة، فهؤلاء لهم
منزلة خاصة، منزلة أوائل من أسلم وسار مع الدعوة في دربها الطويل من التعذيب
والحصار والهجرة، سار مع الدعوة في السراء والضراء، وكان مع الوحي الإلهي
وهو يتنزل آية آية وسورة سورة، هؤلاء الصحب هم أجدر الناس بحب رسول
الله-صلى الله عليه وسلم-وتقديره لهم.
والذين جاءوا بعد ذلك قد يكون فيهم من يملك طاقات ومواهب ويقدم خدمات
جلّى للدعوة الإسلامية، ولكن يبقى للرعيل الأول منزلتهم، والإسلام ليس فيه
طبقية ولا كهنوت، وكل يؤخذ من كلامه ويرد عليه، وليس عندنا شيخ ومريد،
ولكن من له باع طويل في الدعوة، والتقى ظاهر عليه فيجب أن يحترم ولا يتطاول
عليه من هو ناشئ غِرٌ، والحقيقة أنه ليس أضر على العمل الإسلامي، بل على
الأمم من نشوء صراع بين الجيل القديم والجيل الجديد، فلا يستفاد من خبرة أولئك
ولا من حماسة هؤلاء.
وقد عاتب الله سبحانه وتعالى أهل بدر عتاباً شديداً بسبب اختلافهم حول
الغنائم، وكان هذا الخلاف بين الشباب والشيوخ، فقال الشباب: نحن جمعنا
الغنائم وطاردنا العدو، وقال الشيوخ: ونحن كنا ردءاً لكم ونحمي رسول الله-صلى
الله عليه وسلم-، فأنزل تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ] [الأنفال: 1] .
فليحذر الدعاة من هذا المزلق، الذي يتلبس باسم الأمر بالمعروف أو بشبهة
استعجال الطريق، أو قد يكون جهلاً بعواقب الأمور، والعجيب أن يسبقنا الغربيون
إلى هذه الفضيلة، فلا يدعون فرصة تفوتهم إلا ويستفيدون من كبارهم وعقلائهم،
ولا يهملونهم بل إن هذا الأمر واضح عند العوام في بلادنا فيقولون:
الذي ليس عنده كبير، يشتري له كبير أو الذي ليس عنده كبير ما عند هـ
تدبير.
والمسلمون في هذه الأيام بأشد الحاجة إلى كل طاقة وكل خبرة، ونرجو أن لا
تتبدد بالخصومات المفتعلة.