لا شك أن العدالة لا تتجزأ، والجرائم لا تسقط بالتقادم، وهذه كانت حجة من قدموا رئيس دولة سابق ـ هو صدام حسين ـ مع سبعة من معاونيه إلى المحاكمة؛ حيث انتهت محاكمتهم حتى الآن إلى تهمة واحدة، وهي المتعلقة بإعدام 143 من الشيعة في بلدة الدجيل، بعد أن قامت محاولة لاغتيال صدام في تلك البلدة. وصدام مع معاونين آخرين، سيواجهون المحاكمة على ثلاث تهم أخرى، هي: ضرب الأكراد في مدينة «حلبحة» بالسلاح الكيماوي، وقمع انتفاضة الشيعة بعد حرب تحرير الكويت عام 1991م، واستخدام الغاز السام (غاز الخردل) ضد القوات الإيرانية في أواخر الحرب التي جرت بين العراق وإيران.
وهذه التهمة الأخيرة بالذات، قد لا تجري فيها المحاكمة؛ لأن الذين زوّدوا صدام حسين بغاز الخردل القاتل وقتها هم الأمريكيون، وكان وزير الدفاع الحالي (دونالد رامسفيلد) هو عَرَّاب تلك الصفقة من أسلحة الدمار الشامل، وهو الذي أبرمها شخصياً مع صدام في ذلك الوقت، وعلى هذا، فإن مكان رامسفيلد الطبيعي ـ لو جرت المحاكمة على تلك التهمة الأخيرة ـ هو أن يكون على يمين صدام في قفص الاتهام.
ولكن العدالة الأمريكية ـ بخلاف كل «العدالات» ـ يمكن أن تتجزأ، ويمكن أن تسقط الجرائم فيها بالتقادم، بل يمكن ألا تعد جرائم أصلاً، ولكن ذلك لا يغير من حقيقة أن الإدارة الأمريكية ـ في عهد بوش ـ ارتكبت العديد من جرائم الحرب.
فقرار شن الحرب نفسه لم يكن شرعياً بشهادة الأمم المتحدة، ومعنى ذلك أن كل ما ترتب عليه هو من جرائم الحرب، كجرائم الإبادة الجماعية التي مات بسببها أكثر من 120 ألفاً من المدنيين فضلاً عن العسكريين، وكذا جرائم الاختطاف، والسجن دون محاكمة، والتعذيب داخل السجون الرسمية وغير الرسمية، وجرائم التمييز على أسس دينية وعنصرية، وقتل الصحفيين والإعلاميين بدم بارد، والاعتداء على المساجد وقتل المعتصمين داخلها، وجرائم الاغتصاب والتنكيل بالقتلى واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً في اجتياح المدن المقاومة؛ فكل هذا وغيره هو من الجرائم التي لا تقل بحال من الأحوال في فظاعتها وشناعتها عن الجرائم الموجهة لصدام ومعاونيه، بل إن أكثر التهم الموجهة لصدام حسين ـ في حال ثبوتها ـ هي إحدى جرائم أمريكا وحلفائها في عهد ريجان وبوش الأب؛ لانهما هما اللذان دعما صدام منذ عام 1984م وحتى عام 1990م.
لكن يبقى السؤال: بعد محاكمة صدام وسبعة من معاونيه.... من يحاكم بوش وسبعة وسبعين من معاونيه..؟!