يحيى أبو زكريا
تُجري العواصم الأوروبية فيما بينها مشاورات واسعة للوصول إلى صيغة موحدة لمواجهة الاختراق الأمريكي المتكرر للجغرافيا الأوروبية وقوانينها بهدف إقامة سجون أمريكية في أكثر من منطقة أوروبية.
وقد أدّى كشف بعض الصحف الأوروبية وبعض البرامج التلفزيونية عن هذه الحقيقة إلى استياء أوروبي شعبي واسع واكبه استياء رسمي وخصوصاً عندما صرح بعض الرسميين في بعض العواصم الغربية أن لا علم لهم بهذه السجون الأمريكية في المواقع الأوروبية (?) .
وللإشارة فإنّها ليست المرة الأولى التي يجري فيها اختراق القوانين الأوروبية من قِبَل الأجهزة الأمنية نفسها؛ فقد سبق للدانمارك أن عرضت على دول الاتحاد الأوروبي مشروع قانون لمراقبة محطة التجسس الهاتفي والإلكتروني الأمريكية الموجودة في بريطانيا، والتي تكمن وظيفتها في التجسس على ملايين المكالمات وبشكل يومي انطلاقاً من بريطانيا، ومن ثَم ترسل هذه التسجيلات الدقيقة والمعقدة إلى أمريكا لفحصها وفرزها وامتصاص ما ينفع الأجهزة الأمنية المشار إليها.
وتلا ذلك قيام عناصر المخابرات الأمريكية باختطاف العديد من الأشخاص من الأراضي الأوروبية ودون علم المؤسسات الرسمية وهو الأمر الذي ولّد نقاشات برلمانية حادة في أكثر من عاصمة أوروبية حول عدم احترام الأجهزة الأمنية الأمريكية للقوانين المعمول بها في أوروبا والتي على رأسها عدم جواز اعتقال أي شخص إلاّ من خلال إذن خاص من الجهات القضائيّة المختصّة.
كما أنّ الأجهزة الأمنية الأمريكية باتت تأمر الأجهزة الأمنية الغربية أن تعتقل من تراه مشبوهاً، وتطالب باستمرار بتسلم هذا وذاك من إيطاليا والسويد والدانمارك والنرويج؛ وهو الأمر الذي أحرج الأجهزة الأمنية الغربية أمام الرأي العام الأوروبي والذي أبدى انزعاجه من هذه الخروقات الأمريكية لحرمة القوانين الأوروبية.
وقد بات مألوفاً في أوروبا أن تحطّ الطائرات الأمريكية في بعض المطارات الأوروبية وتنقل من تشاء أو تسجن من تشاء في سجونها الخاصة المنتشرة في بعض الدول الغربية والمتاخمة لقواعدها العسكرية المحصنة التي تعتبر دولة داخل دولة، وتتمتّع بحصانة كبيرة. ولم تكتفِ أمريكا بذلك؛ بل استغلت فقر بعض الدول الأوروبية التي كانت محسوبة على المحور الاشتراكي سابقاً وساومتها على إقامة سجون على أراضيها مقابل مساعدات مالية وتسهيلات اقتصادية.
وقد أدّت هذه الخروقات إلى نفور شعبي أوروبي من هذه التصرفات تجلّى من خلال المقالات والتعليقات الصحفية اليومية ومواقع الإنترنت التابعة لبعض التيارات الأوروبية المناوئة للأمركة، وقد وصل هذا الانزعاج إلى المؤسسات البرلمانية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي التي ستبحث في هذه الخروقات الأمريكية للقوانين الأوروبية وإقامة سجون لمعتقلين يجري اعتقالهم بدون حكم محكمة أو سند قانوني، وأغلب هؤلاء المعتقلين يُخطَفون من دول أخرى ويؤتى بهم إلى تلك السجون دون أن تعرف دولهم أو أهلوهم عنهم شيئاً.
وتعليقاً على هذه السجون الأمريكية التي أصبحت شبه منتشرة في بعض الدول الأوروبية يقول أعضاء في حركة الهجوم الغربية المناوئة للأمركة والعولمة الأمريكية: إنّ أمريكا تريد تعميم تجربة (سجن غوانتنامو) في الغرب؛ فهي بعد أن أقامت ذلك السجن في كوبا تريد تعميم التجربة نفسها في دول الاتحاد الأوروبي ودون علم بعض الرسميين الأوروبيين الذين سافر بعضهم إلى أمريكا وطلب من الإدارة الأمريكية بعض الاستفسارات بخصوص هذه الخروقات، كما فعل وزير العدل السويدي الذي سافر إلى أمريكا قبل فترة للاستفسار عن طائرة المخابرات الأمريكية التي حطّت في مطار (بروما) السويدي وخطفت مواطنيْن من مصر كانا قد طلبا اللجوء