مجله البيان (صفحة 5435)

قل هاتوا برهانكم

د. يوسف بن صالح الصغير

هل يمكن القول إن السياسي والتاجر يملك ضميراً من نوع خاص مرتبط بالمصالح الذاتية المجردة ولا علاقة له بالحق والعدل والرأفة؟ والجواب في نظري هو: نعم، ولا. نعم: هي التي تجعل بوش يتجاهل إعصار كاترينا عدة أيام، ثم يكرر الزيارات بصورة مبالغ فيها. ونعم: هي التي تفسر تباكي زعماء الغرب على ما وصفوه بأكبر مأساة إنسانية في دارفور، بل هدد الأمين العام للأمم المتحدة بالتدخل العسكري من أجل إغاثة المحتاجين، ثم تسكت، بل وتمتنع عن إجابة استغاثات المسؤولين في النيجر عن بوادر المجاعة حتى اضطر رئيس الوزراء أن يوجه دعوات رسمية للمؤسسات الإسلامية للوقوف على الوضع رجاء المساعدة، ولكن أين المؤسسات الإغاثية الإسلامية التي برزت على مستوى العالم الإسلامي والتي تفوقت على المؤسسات الغربية العريقة، وبرز فيها مفهوم العمل التطوعي؟ هل ملَّ القائمون عليها أم ضعف دعم عامة المسلمين لها؟ أم، أم، أم حوصرت وشوِّهت ومنعت؟ لا شك أن الغرب ينظر للمؤسسات الإغاثية الإسلامية بنفس نظرته للمؤسسات الإغاثية الغربية التي تمثل احد أعمدة المد الاستعماري، أو بصورة ألطف «النفوذ الغربي» . ومن الأمثلة الحديثة التمرد في جنوب السودان، حيث الغالبيه وثنيون، بينما الذي رفع راية التمرد من البداية حتى الآن هم ممن تربى في الكنيسة واكتسب اسماً نصرانياً أوروبياً مثل (جون) وبالمثل تيمور الشرقية في أندونيسيا ولذا فإن وجود المؤسسات، الإسلامية بالنسبة لهم علامة تنذر بتنامي نفوذ الدول التي تنتمي لها هذه المؤسسات، وعامل مهم في إضعاف أثر العمل التنصيري بين المسلمين وإحباط مشروع تنصير أندونيسيا وأفريقيا. إن أعمدة نجاح المشروع التنصيري الاستعماري يعتمد على الإمكانيات وهي متاحه لهم. وعلى وجود المأساة الإنسانية وتفاقمها، وعلى انعدام المنافس. لقد سارعت بعض القوى في أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر إلى انتهاز الفرصة ومحاربة منافسيهم؛ فتحت شعار محاربة الإرهاب تم حظر حركات إسلامية إقليمية مثل حماس والجهاد، وحوكم أناس بدعوى جمع تبرعات لأيتام فلسطين، وتجاوز الأمر إلى تجميد حسابات لرجال أعمال مسلمين لمجرد أنهم ناجحون، وليتبين بعد سنتين أنه بريء؛ فقد انتهى ودُمرِّ وهو المقصود، وهذا ما حصل مع مؤسسة الحرمين؛ فقد تمت مداهمة مكاتبها في أمريكا واتُّهمت بدعم الإرهاب وارتكاب مخالفات، وقام الإعلام المأجور أو الغبي بالتشهير والتشويه حتى إنك تتصور أنه إذا غضبت أمريكا على أحد حسبت الناس كلهم غضاباً؛ ولذا لم تعد هذه المؤسسة موجودة على الرغم من انكشاف أن التهم ليس لها أساس، وبعد سنوات من المرافعات والدعاوى يعلن القاضي الأمريكي «كوفن» من المحكمة الفيدرالية بولاية «أوريجون» الأمريكية الجمعة 9/9/2005 إسقاطاً شاملاً لجميع التهم الموجهة إلى مكتب مؤسسة الحرمين الخيرية بمدينة «آشلاند» في ولاية أوريجون بالولايات المتحدة، وعدم أحقية الحكومة في رفع القضية مستقبلا بنفس التهم. إن معاناة المسلمين في النيجر واستفراد المؤسسات التنصيرية بهم تحتم أن تعيد حكومات العالم الإسلامي النظر في المؤسسات الإغاثية، وان تعيد لها اعتبارها ومنحها الدعم المادي والمعنوي وحرية العمل لاعتبارات إنسانية أولاً، ولمصالح استرتيجية ثانياً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015