الافتتاحية
-التحرير-
دعا مركز دراسات الوحدة العربية إلى ندوة في القاهرة ما بين 25 - 27
أيلول/1989 وتحت عنوان (الحوار القومي - الديني) وقد حضر هذه الندوة عدد
غير قليل من الكتاب القوميين الذين يرون الصلة ما بين العروبة والإسلام، أو
بدءوا بالتكلم عن الإسلام ودوره الحضاري، كما حضرها القوميون العلمانيون
وبعض الإسلاميين والمشايخ، وكانت الموضوعات تدور حول تطبيق الشريعة
الإسلامية، ومحاور الالتقاء والتفاهم بين العروبيين والإسلاميين، والأزمة التي تمر
بها الأمة ودور المفكرين في هذه الظروف، وقد نشرت مجلة المستقبل العربي
بعضاً من الأوراق التي قدمت للندوة، كما نشرت جريدة الشرق الأوسط اليومية
ملخصاً ليوميات الندوة.
ولنا على هذه الندوة الملاحظات التالية:
1 - إن فكرة الحوار والتواصل، وسماع الأطراف من بعضها، والتعرف
على الفكر الآخر، شيء جيد ولا غبار عليه بشرط أن يكون الرائد إلى ذلك هو
التوصل إلى الحق وليس الترف الفكري. وجميل أن يتراجع الناصريون والقوميون
ويعترفوا بقصورهم السابق في دراستهم للإسلام، وأن التيار القومي عندما حكم أبعد
الإسلام وبطش بدعاته، ونرجو أن تتوضح الصورة أكثر في المستقبل ويعترفوا
بأن عبد الناصر أساء للعروبة والإسلام.
2 - من الواضح أن كثيراً ممن شاركوا في هذه الندوة كانوا يطرحون حلولاً
توفيقية وسطية ما بين الإسلام والقومية العلمانية، وكأن لسان حالهم يقول: قربوا
خطوة ونقرب أخرى، حتى نلتقي في منتصف الطريق، فالأستاذ محمد فائق (وزير
إعلام مصري سابق) ينتقد النظرة السلفية التي تريد إعادة عجلة التاريخ إلى
الوراء! ! .
والأستاذ فريد عبد الكريم يدعو إلى عدم إقحام الدين كل دائرة من دوائر
نشاطنا. والدكتور عصام نعمان ركز على أنه لا عصمة للفقهاء (لم يقل بعصمتهم
أحد من المسلمين) ولكنه يريد أن يقول: إن باب الاجتهاد مفتوح للجميع، وبمثل
هذا قال مسعود الشابي واتهم الإسلاميين بأنهم يحتكرون المرجعية الدينية. والدكتور
محمد عمارة يجوز أن يتولى القضاء الإسلامي رجل غير مسلم لأنه منفذ للقانون
فقط.
وقد طالب الدكتور رضوان السيد كل طرف بالتنازل: (فعلى القوميين
التقدميين أن يسقطوا من أجل الحوار شرطهم العلماني الذي يفصل أمتنا عن تاريخها، وعلى الإسلاميين أن يسقطوا من أجل الأمة شعار تطبيق الشريعة الذي يشرذمهم
في الراهن ولا يجمع) [1] ودعا فهمي هويدي للالتقاء حول موضوع الحرية وحقوق الإنسان والقضية الفلسطينية كقضايا متفق عليها الآن بين الطرفين.
هذا الطلب حول التنازلات يأتي من طرف القوميين رغم أن موقفهم ليس هو
الأقوى، وهم الذين طلبوا الحوار ودعوا إليه ومع ذلك فإنهم يشترطون على الطرف
الآخر (الإسلاميين) أن يكون متنوراً ويؤمن بالديمقراطية والتعددية، أي أنهم
يريدونه إسلامياً عصرانياً يتنازل لهم ويلتقي معهم في منتصف الطريق، وإذا كانوا
جادين في الحوار فلماذا لا يسمعون من الطرف الأقوى على الساحة؟ وقد أحسن
الدكتور رضوان السيد في الرد عليهم عندما قال: (إذا كنتم تقصدون لجوء بعض
الحركات الإسلامية إلى العنف، فإن الماركسيين الجدد هم أول من دعا إلى الحرب
الشعبية الداخلية، ولم تتهموهم بالظلامية وعدم الاستنارة) [2] .
3 - إن شعارهم الذي رفعوه هو (الحوار القومي-الديني) ولم يقولوا (القومي-
الإسلامي) وهذا مقصود طبعاً لأن الديني تعني أي دين، وفيه أيضاً تحجيم للإسلام
على أنه (نحلة) أو مذهب يستفاد منه روحياً واجتماعياً، والكل يعلم أن الإسلام دين
شامل مهيمن، مكون للأمة من جميع جوانبها.
4 - إن ملاحظاتنا هذه لا تعني السلبية أو النقد، فبعض المشاركين تكلموا
كلاماً جيداً - وإن من وجهة نظرهم - ولكنه يتصف بالرزانة والتعقل، وإذا كانوا
سيساعدون فعلاً في إزالة القهر المفروض على المسلمين فهذا شيء طيب، ونريد
منهم التدليل على هذا لأن الإسلاميين ذاقوا من الاتجاه القومي الويلات، وكلام
فهمي هويدي أن الإسلاميين وقعوا في أسر الماضي، وإن كان فيه شيء من الصحة
ولكن هل يريد منهم نسيان هذا والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين؟
5 - بعد فترة من انتهاء هذه الندوة سئل أحد الدعاة الإسلاميين عن رأيه في
الحوار مع العلمانيين، فرحب بهذا كثيراً، بل دعا إلى الحوار مع الكل، مع
المستشرقين والفاتيكان… وليس هذا مجال التعليق على جدوى أو أهمية مثل هذه
الحوارات، ولكن أليس من الأجدى والأولى الدعوة إلى الحوار مع الفصائل
الإسلامية ودعوتهم إلى التعاون والتقارب والتنسيق، وإذا كنا غير متحفظين على
أي حوار نافع فأصحاب المنهج الواحد أولى بالمعروف.