الصفحة الأخيرة
بعثات التنقيب تزوير في التراب والحجارة
-التحرير-
وأخيراً جاء التاريخ يحسم الجدل الدائر حول تكاثف حركات التبشير في
الخليج، فبعد أن حفرت بعثات التبشير أركانها في أطراف الجزيرة العربية مستعينة
بغفلة المسلمين أولاً وبالمستعمرين ثانياً، وبغض نظر المنتفعين ذوي النظرة
القصيرة ثالثاً؛ تحاول أن تلفق لوجودها هناك أسانيد تضفي على هذا الوجود صفة
قانونية، والأسانيد موجودة وهي هناك في بعثات التنقيب عن الآثار، وبعثات
التنقيب وبعثات التبشير منذ كانت وبخاصة في العالم الإسلامي خطان متوازيان
ومتساندان بل ومتداخلان في أحيان كثيرة.
والشهادة التي جاءت لتحسم هذا الجدل قدمتها البعثة الفرنسية للتنقيب عن
الآثار في الكويت، حيث (اكتشفت هياكل أثرية لكنيسة قديمة (!) في منطقة القصور بجزيرة فيلكا) [1] .
والاكتشاف كان عرضياً، أي إن بال المنقبين المعروفين بالموضوعية كان
خالياً من البحث عن كنيسة! هل تريد دليلاً؟ تابع الخبر: (إن البعثة الفرنسية
نقبت عن أجزاء الكنيسة في السنوات الماضية دون أن تعرف بأنها كنيسة (!) إلا
أنها اكتشفت في حملتها لهذا العام.. الأجزاء المتبقية التي تدل على أنها لكنيسة (يا
للغرابة) بجميع تفاصيلها الصغيرة، خصوصاً في الجانب الهندسي والمعماري! .
(أرأيت!) .
وليس هذا فحسب فالشهادة الترابية والحجرية تخبرنا بما هو أكثر! فتشهد:
(على أن الكنيسة ظلت تعمل حتى العصر العباسي (أوله أو آخره؟ !) ولزيادة
الاطمئنان حتى لا يتسرب الشك إلى هذا الخبر فهو مدعم بتأكيد البعثة الفرنسية التي
(محلها الصدق) ، والتي أكدت أن الكنيسة هجرت في فترات متقطعة (!) وأعيد
استخدامها فيما بعد، (!) .
وقاصمة الظهر تأتي في نهاية الخبر فالبعثة (لم تستبعد احتمال (تقول:
احتمال، فشعارها مخافة الله والبحث العلمي) أن تكون الكنيسة قد حولت فيما بعد
إلى مسجد (يا حرام!) وأن البعثة قد حاولت إثبات ذلك بالتنقيب في أحد الجوانب
إلا أن الدلائل لم تحسم هذا الافتراض) .
لقد شهد تاريخ المسلمين كثيراً من تزوير اليهود والنصارى قديماً وحديثاً،
ولعل هذه الحوادث تذكرنا بحادثة قديمة حين أظهر اليهود في بغداد كتاباً محفوراً
على قطعة من نحاس، وزعموا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتبه ليهود
خيبر وأسقط عنهم الجزية، وشهد على ذلك من الصحابة سعد بن معاذ، ومعاوية
بن أبي سفيان وطلبوا إسقاط الجزية عنهم بناء على ذلك. ولكن كان في المسلمين
علماء يكشفون عن هذا الزيف حيث عرض الكتاب على الخطيب البغدادي، فأثبت
أنه مزور بدليلين تحملهما الرقيقة المزعومة وهما أن معاوية أسلم يوم فتح مكة في
السنة الثامنة وفتح خيبر كان سنة سبع، وسعد بن معاذ مات بعد غزوة الخندق سنة
خمس قبل فتح خيبر.
فمن لنا اليوم من العلماء حتى يكشف هذا العبث الذي يُقدم إلى أجيالنا المسلمة
على أنه تاريخ موثق؟ !)