قد يستغرب بعض القراء عندما يكتشف أن الحرب الصامتة هي التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ ذلك أن قضية التطبيع قُتلت بحثاً، ولكنا نقول: إنها لم تُقتل فعلاً بعد، وما لم يُقتل فعلاً لا بد من إعادة طرحه دوماً، وقضية التطبيع ترتدي حالياً ثوباً جديداً يفرض معاودة البحث لمواكبة الحدث.
ونلفت هنا إلى قضية بالغة الخطورة، وهي «لعبة الألفاظ» التي استُخدمت أكثر من مرة لخداع الرأي العام العربي، وهي لعبة ماكرة تفرق بين المصطلح وتعريفه، وبين الاسم والمسمى، وتعتمد فكرتها الأساسية على حشد الرأي العام خلف مصطلح زائف تأييداً أو رفضاً، وعندما اختزلت السلطة الفلسطينية قضية فلسطين في مصطلح «الدولة» قال اليهود حسناً: «فلنعطهم دولة» لكن ما هو تعريف هذه الدولة؟ وهل يصح أن تكون دولة حقيقة؟ لا أحد يهتم طالما اتفق الجميع في النهاية على أن المنتج النهائي هو «دولة» .
وفي مجال التطبيع، أصبح المصطلح يمثل قيداً لتعريفه، فقد تراكمت خلفه طبقات من الرفض والشجب والإنكار تعوقه عن الحركة، ومن ثم كان الحل في لعبة الألفاظ. فلنترك الحشود خلف مصطلح التطبيع قائمة، ولنعمد إلى تفعيل التعريف في أرض الواقع بعيداً عن الزحام! فأصبح هناك مساران، أولهما للمصطلح وهو يتعثر ويتراجع، والثاني للتعريف وهو يتقدم خلسة بعيداً عن الأعين.
ولذلك أسقطنا مصطلح التطبيع عند تقديمنا لهذا الملف.. ووصَّفنا الحال: فهي حرب؛ لأنها مع العدو، وهي صامتة؛ لأنها تتسلل لِواذاً من بين أظهرنا، وتنسلُّ من بين الفُرَج كما يفعل الشيطان في صف المصلين.