علي البلاونة
يبدو أن المصارف الإسلامية التي تشكل جزءاً من أعمدة الاقتصاد الإسلامي أصبحت ضمن نطاق الاستهداف الصهيوني؛ فقد جاءت تصريحات أحد الخبراء العرب مؤخراً أن أجهزة أمن المعلومات التابعة لشركته قد كشفت النقاب عن عملية اختراق موسعة، قام بها مكتب المعلومات في الموساد الإسرائيلي لعدد من المصارف الإسلامية بحجة مراقبة الحوالات المالية الجارية في هذه البنوك في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب؛ وبدعوى أن هذه المصارف تشكل أحد أدوات وأذرع تمويل العمليات الإرهابية، وبزعم تمكينها المالي للأصولية الإسلامية المتطرفة، ومدها بالأموال اللازمة عن طريق التبرعات وغيرها، وذلك في خطوة تستهدف التأثير أو العمل على إعاقة الجهاز المالي والمصرفي الإسلامي، الذي بدأ في السبعينيات يخط طريقه بنجاح، وأصبح على درجة من القدرة والقوة والاحترام في منتصف التسعينيات؛ مما أثار خشية المصارف الغربية من احتمالية أن تكون هذه المصارف نواة تشكُّل اقتصاديّ سياسيّ مستقبليّ للأموال العربية والإسلامية.
- مقدمات ونتائج وأهداف واضحة:
فعقب أحداث 11/9/2001م صدر قانون (الباتريوت الأمريكي patriot) ، وهو قانون منح السلطات الأمريكية صلاحيات واسعة للتصرف دون اللجوء إلى القضاء، وقد سُمّي هذا المشروع بـ (القانون المظلي umbrella law) ، نظراً لكونه يجمع في إطاره مسائل عدة، من الممكن التعامل معها، ابتداءً من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، وانتهاء بالمسائل المصرفية والحسابات المالية، وهذا القانون أصبح شبه قانون دولي؛ حيث فرضته الولايات المتحدة على غالبية المؤسسات الأمريكية، وعلى المتعاملين معها؛ مما اضطر دول الشرق الأوسط، وبخاصة العالم العربي والإسلامي للتعامل مع هذا القانون من خلال إصدارها قوانين مشابهة، مثل: قوانين محاربة الإرهاب، ومكافحة عملية غسيل الأموال، وامتد الأمر إلى الرقابة على البنوك، والحسابات المصرفية لبعض الجمعيات الخيرية ذات الصفة الإسلامية.
ولقد أكد العديد من الخبراء في مجال الاقتصاد الإسلامي أن الحرب على الإرهاب التي تشنها الولايات المتحدة تحمل في طياتها حرباً على الثقافة، والمؤسسات الاقتصادية الإسلامية الناجحة في العالم، والتي أصبحت تلقى رواجاً وقبولاً بسبب سمعتها العالية؛ حيث أصبحت البنوك الإسلامية أكثر تفاعلاً على الصعيد الاقتصادي العالمي، وتحظى بمكانة مرموقة ومتميزة؛ مما جعلها من ضمن الأهداف الأساسية للحرب الأمريكية في بُعدها الاستراتيجي؛ رغبة منها في تحرير القطاع المالي والمصرفي العالمي، وربط اقتصاديات الدول بفلك الاقتصاديات الرأسمالية وعلى قاعدة (دعه يعمل، دعه يمر) ؛ حيث يؤثر التحرر الاقتصادي في إمكانية إحداث تفكيك للبنى الثقافية والفكرية والسياسية، وتهميش لمنظومة القيم الأخلاقية والدينية الإسلامية؛ وبما يؤدي إلى تحقيق الانتشار والتأثير الأمريكي الواسع في المنطقة العربية، والتحكم في مستقبل هذه الدول والمجتمعات.
وطبقاً للقانون الأمريكي foreign intelligence surveillance act fisa، وبخاصة المادة 214، والتي نصت صراحة على حق الولوج للمعاملات والسجلات، والاطلاع على دفاتر، وسجلات وأوراق ومستندات البنوك، وغيرها من الأشياء المحمية؛ وذلك لمعرفة النشاط المالي للقوى الخفية. أصبحت السرية البنكية محط مراقبة وتجسس أمني من قِبَل الولايات المتحدة، والدولة العبرية تحديداً، خاصة بعد خروج مئات المليارات من الدولارات من الأسواق الأمريكية والغربية باتجاه شرق آسيا، والصين، وبعض البلاد العربية؛ مما أثار حفيظة الجانب الأمريكي، وتخوفاته من احتمالية حدوث أزمات اقتصادية؛ تؤدي في المستقبل إلى المساهمة في نقل المركز السياسي الدولي إلى تلك البلدان.
- اختراق صهيوني لقاعدة المعلومات المصرفية:
هذا الأمر جاء بالطبع متوافقاً تماماً مع الاتهامات التي صدرت مؤخراً من قِبَل بعض الشركات والبنوك العربية والإسلامية حول وجود تجسس صهيوني على حساباتها المالية؛ حيث اتهم خبير عربي في أمن المعلومات جهاز الموساد الإسرائيلي بالعمل على تحقيق اختراق ناجح للشبكات الإلكترونية للمؤسسات المالية العربية والإسلامية؛ بهدف الاطلاع على شبكة علاقاتها، وزبائنها، وعملائها من رجال المال والأعمال، وتتبُّع اتجاهات الحراك المالي، وعمليات انتقال رؤوس الأموال إلى مناطق أخرى غير أوروبا، والولايات المتحدة؛ حيث إن الرقابة على الجهاز المالي والمصرفي العربي والإسلامي تهدف إلى تعطيل تحركات هذه المؤسسات، والحد من تطورها وانتشارها؛ بحيث يصبح رأس المال الإسلامي قوة لا يمكن تجاهلها على الصعيد الاقتصادي الدولي.
فقد أكد (أنس شبيب) مدير عام شركة (إيه جي بي) المتخصصة في مجال أمن المعلومات ومقرها برلين: أن الموساد الإسرائيلي عمل بمختلف الطرق على اختراق شبكة المعلومات الإلكترونية للمؤسسات المالية العربية والإسلامية؛ بهدف رصد تحركات الحوالات المالية التي يتم تحويلها لصالح بعض قوى المقاومة الفلسطينية، وبعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة، حسب الاتهامات الأمريكية؛ حيث أصدرت الولايات المتحدة قائمة بأسماء ما لا يقل عن 23 منظمة عربية وإسلامية وُضعت على لائحة الإرهاب.
وأضاف (شبيب) أن السبب في عملية الاختراق الصهيوني لقاعدة المعلومات الإلكترونية للمصارف تعود إلى تقاعس المنشآت والمصارف والاتصالات العربية تحديداً عن تعزيز قدراتها وبُناها التحتية في أمن المعلومات، وهو الأمر الذي يعرضها لعملية القرصنة من قِبَل الهواة والمحترفين، موضحاً في الوقت ذاته أن ستة بنوك عربية (من بينها بنك خليجي) تعرضت في الفترة الماضية لأعمال الاختراق والقرصنة على شبكاتها الإلكترونية. وتشير الإحصاءات إلى أن حجم الخسائر المالية العالمية من الجرائم الإلكترونية مرشح للتزايد، والوصول إلى 20 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة، وأن نصيب الدول العربية سيكون بحدود مليار ونصف مليار دولار.
- استهداف الجمعيات الخيرية الإسلامية:
ويذكر أن الأمر لم يتوقف عند حدود استهداف البنوك الإسلامية فقط، وإنما تطور ليشمل وجود مطالب أمريكية مستمرة للاطلاع الدائم على قاعدة بيانات الجمعيات الخيرية الإسلامية، وذلك عقب أحداث 11 أيلول الأمريكية، في حرب واضحة المعالم على عدد كبير من هذه الجمعيات.
ويبدو مما تقدم أن الحرب الصهيونية والأمريكية على العالم الإسلامي لن تتوقف عند حدود نهب الثروات، واحتلال منابع النفط، وجعل المنطقة سوقاً استهلاكية، ومحاربة الإسلام، وإيجاد زي ثقافي إسلامي على الطريقة الغربية، وإنما امتدت إلى قاعدة البناء الاقتصادي بعدما امتدت يده إلى قاعدة البيانات والمعلومات الشخصية، والأمنية في غالبية الدول العربية.