إبراهيم بن سليمان الحيدري
لن تكفي أصابع اليد الواحدة لسرد المشكلات التي يعاني منها الدعاة والمنظمات الدعوية، ولا نحتاج إلى كل أصابع اليد الأخرى لِنبْصِم أن الإدارة الفاعلة هي إحدى أهم الوسائل لعلاج هذا المشكلات.
لقد اهتمت الإدارة بالإنسان باعتباره حجر الرحى الذي تقوم عليه الأعمال لتجعله أكثر إنتاجية وموضوعية وأُلفة، والإنسان مشكلة الدعوة الأولى، والعقبة التي غدت أسطورة في تاريخ الدعوة. واهتمت الإدارة كذلك بالوقت، وهو العملة النادرة في حياة الدعاة، والمورد المهدر في مؤسساتهم، ولم تغفل الإدارة إدارة المال الذي جعل كثير من الأفكار، والمشاريع الدعوية حبيسة عقول الدعاة وأوراق ملفاتهم، كما أوْلت الإدارة عناية خاصة بالمعلومات التي تتعطش إليها قرارات الدعاة لتخرج أكثر موضوعية ونضجاً.
وحتى عندما كانت الحياة بسيطة كانت الأعمال تنجح، والنتائج تتضاعف عندما تدار بطريقة صحيحة؛ فقد أثبتت الأيام المحملة بالتجارب الناجحة والبائرة ضرورة تعلم الإدارة، وممارستها بطريقة علمية لاستثمار الموارد المتاحة، والوصول إلى النتائج المأمولة.
الإدارة علم محايد في أغلب مجالاته وأطروحاته؛ فمع أنه نشأ في الغرب وتطور فيه إلا أنه قلّما يوجد فيه انحرافات الغرب العقدية والأخلاقية، وإن وجدت فهي شوائب يمكن إزالة الأغلب منها، وتوظيفها لخدمة الصالح العام.
لقد تفرعت الإدارة لتشمل مجالات الناس المتنوعة؛ فهناك الآن إدارة تربوية، وإدارة صحية، وأخرى صناعية، بالإضافة إلى إدارة الأعمال.
والدعوة والدعاة هم أوْلى من يستفيد من علم الإدارة، ويتعلم مهاراتها؛ فهي كفيلة بحل كثير من المشكلات، كما أنها وسيلة لإتقان العمل، وحسن الأداء الذي حثنا عليه حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» .
ومع أن المهتم يرى خطوات رائعة لدى كثير من المؤسسات الدعوية في مسيرة التطوير الإداري في هذه الفترة إلا أن هذه الخطوات السارّة لا توازي أهمية الإدارة، ودورها الفاعل في الرقي بالعمل، والعاملين في الحقل الدعوي، كما أنها لا تترجم صدق هذه الرغبة وتهيؤ الكثير من الدعاة للتطوير.
وبين ارتفاع تكاليف بيوت الاستشارات الإدارية، وندرة المتخصصين من الدعاة في المجال الإداري يبقى الجواب الأكثر إلحاحاً للسؤال عن الوسيلة المناسبة للرقي والنهوض بالمستوى الإداري: هو أن تتحول المؤسسات الدعوية إلى مؤسسات متعلمة، تطوّر نفسها بما تتيح لها مواردها المالية والبشرية من خلال الدورات القصيرة، والقراءة والاستفادة من تجارب الآخرين، ومحاكاة المؤسسات الناجحة؛ بما يتفق مع خصوصيتها وإمكاناتها.
والأمل أن تكون هذه الزاوية سبيلاً للرقي بفن الإدارة في مؤسساتنا، وإيضاح السبل المختلفة للرفع من مستوى العاملين فيه؛ بما يعود علينا بالنفع والفائدة، والله من وراء القصد.