د. خالد قطب
يكاد كل مسلم ومسلمة في عصرنا يشعر بالدوَّار من جراء كثرة المذاهب والتيارات والأفكار الموجهة إلى الأمة المسلمة من كل حدب وصوب؛ تارة من الغرب، وتارة أخرى من الشرق وجيرانه، وتارة ثالثة من بعض أبناء المسلمين أنفسهم الذين تربوا على أفكار ومنطلقات غربية بعيدة عن الدين، وهذه الأخيرة أشد وأعظم خطراً على عقل ووجدان الأمة المسلمة. فالمتتبع لما يُبث على شبكات المعلومات وما يُتوصل إليه في المؤتمرات وحلقات النقاش التي تدور حول المرأة وقضاياها في الإسلام سيجد مجموعة من الأفكار المضللة صدرت عن بعض نساء المهجر اللاتي يَدِنَّ بدين الإسلام فاقت في خطورتها المذاهب والتيارات التي تريد النيْل من الإسلام وأهله. وتتجلى خطورة هذه الأفكار في أن جيلاً من مسلمات المهجر قد تربَّيْن على مبادئ الفكر النسوي الغربي الذي سعى لإخضاع المرأة المسلمة فكرياً وتربوياً لاتجاهاته المتطرفة التي تحارب الفطرة والدين. وقد انعكست آثار هذه التربية عليهن حيث روَّجن عدة أفكار تهاجم الدين الإسلامي زعماً بأنه دين يحقر المرأة ويمجد الرجل.
ويطالب هذا الجيل من مسلمات المهجر بضرورة إعادة النظر في العقائد والشرائع والقوانين التي أتى بها الدين الإسلامي لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة من حيث الإرث والزواج والطلاق والقوامة والسفر وغيرها، والمطالبة بفتح باب الاجتهاد في الأحكام الإسلامية المتعلقة بالمرأة حتى تلحق المرأة المسلمة في زعمهن بركب التقدم والرقي. إن الخطورة في أفكار هذا الجيل من مسلمات المهجر جاءت من الدعوة إلى ما يسمى بـ «الإسلام النسوي» الذي يمكن إدراجه ضمن الأفكار الهدامة التي تريد هدم الثوابت العقدية والتشريعية في حياة المسلم والمسلمة والنظر إلى هذه الثوابت نظرة ساخطة بحجة أنها راكدة جامدة لا تليق بالمرأة المسلمة في القرن الحادي والعشرين.
بدأ مصطلح الإسلام النسوي في الظهور والانتشار في فترة التسعينيات من القرن العشرين في العديد من البلاد الأوروبية (?) ، وامتد تأثير الأفكار التي يحملها هذا المصطلح إلى بلاد المسلمين عن طريق نساء مسلمات أقمن خارج حدود أوطانهن المسلمة الأصلية (خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا) حيث روَّجن لما يسمى بـ «الإسلام النسوي» بوصفه الدين الجديد الذي يلائم المتغيرات والتحولات التي يشهدها هذا العصر؛ فقد ادعت منظِّرات الإسلام النسوي من مسلمات المهجر أن لديهن الحل وطوق النجاة للمرأة المسلمة التي تعاني في زعمهن من صراعات داخلية حادة عند قراءتها للعلوم الشرعية والتفسيرات القرآنية؛ حيث تخرج المرأة المسلمة بعد هذه القراءات، بنتيجة مؤداها: أن الله ـ تعالى ـ يفضل الرجال على النساء، وهذا يولِّد لديهن شعوراً بأن النساء في مرتبة دنيا وأدنى من الرجال عند الله تعالى؛ لهذا وصل الأمر ببعض النساء المنظِّرات لما يسمى بـ «الإسلام النسوي» إلى القول: «كيف بوسعنا عبادة من يرى أننا أدنى مرتبة؟» .
لقد زعمت داعيات ما يسمى بـ «الإسلام النسوي» تقديم مبادئ وقيم قادرة على حل مشاكل المرأة المسلمة، ومن هذه المبادئ:
1 - أنهن يقدمن تفسيرات نسوية للقرآن الكريم ويعتبرونها بدائل للتفسيرات الذكورية له، فيزعمن على سبيل المثال أن التفسيرات التي وضعها علماء المسلمين تفسيرات ذكورية تمجد الرجل، وتقلل من شأن المرأة، وأن هذه التفسيرات تُخرج الكثير من الآيات عن سياقها لخدمة الرجل. لهذا كان التحدي الحقيقي في رأي داعيات الإسلام النسوي المزعوم مطالبة المرأة المسلمة بتجاوز التفسيرات الحرفية للقرآن الكريم، واعتبار القرآن وحياً داخل سياق اجتماعي تاريخي محدد بزمن معين، وأننا لسنا بملتزمين بهذا السياق في عصرنا الحاضر.
2 - تذهب داعيات ما يسمى بـ «الإسلام النسوي» كذلك إلى إعادة النظر في علم العقائد الإسلامي عن طريق إعادة النظر في الصفات الإلهية التي تعبر في زعمهن عن وجهة نظر ذكورية؛ حيث يتم تفسير هذه الصفات كالإرادة والقوة والحكمة والعدل من منطق ذكوري؛ لهذا تطالب داعيات ما يسمى بـ «الإسلام النسوي» أن يكون هناك علم للعقائد الإسلامية يقوم على النظرة الأنثوية للصفات الإلهية.
3 - تزعم داعيات ما يسمى بـ «الإسلام النسوي» أن الشريعة الإسلامية مجحفة بالمرأة؛ فقد أباحت هذه الشريعة تعدد الزوجات للرجل الواحد، وضرب الزوجة الناشز، وعدم تساوي الذكر والأنثى في الإرث، واعتبار شهادتي الأنثيين أمام القاضي مساويتين لشهادة الذكر الواحد، وانفراد الرجل بحق الطلاق. كما يزعم الإسلام النسوي أن الحدود التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كقطع اليد والأقدام والرجم حتى الموت عقاباً للزنا وقتل المرتد هي في نظرهن أحكام لا إنسانية ومنافية لحقوق الإنسان.
4 - تعيب داعيات ما يسمى بـ «الإسلام النسوي» فرض الحجاب على المرأة المسلمة؛ لأن هذا يمثل تمييزاً ضد المرأة وقهراً لها؛ لأن فرض زي معين على المرأة المسلمة يعد ظلماً كبيراً لها. كما تعيب أيضاً ربط مفهوم الشرف والعفة والعار ببكارة الأنثى؛ لهذا تطالب داعيات ما يسمى بـ «الإسلام النسوي» المرأة بخلع الحجاب نهائياً؛ لأنه ليس من الإسلام. تقول (زينا أنور) المدير التنفيذي للجمعية الماليزية التي تسمى «أخوات في الإسلام» والتي تعد من أبرز الداعيات المهاجرات إلى بلاد المهجر للإسلام النسوي بأفكاره المتطرفة: إن الإسلام لم يحدد زياً معيناً للمرأة، وإن المرأة حرة في ارتداء ما شاءت وقتما شاءت. وتزعم أن النساء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب وغطاء الرأس هن نساء قد حُرمن من الحرية، وحتى إذا دعا الأمر إلى ارتداء الحجاب فيجب ترك خصلة من الشعر تنزلق خارج أوشحة المسلمات، أو يزيِّنَّ وجوههن بقليل من المساحيق. (هذا هو شكل الحجاب المنتشر في العديد من البلاد الإسلامية الآن) .
5 - تذهب داعيات ما يسمى بـ «الإسلام النسوي» إلى إعادة النظر في قضية الإمامة سواء المتعلقة بالحكم، أو تلك المتعلقة بإمامة الصلاة؛ حيث يرفض الإسلام النسوي تحريم الشريعة إمامة المرأة في صلاة الرجال. لهذا دعا الإسلام النسوي لضرورة أن تؤم المرأة الرجال في الصلاة، وأن تتولى مهمة الخطابة في الرجال في صلاة الجمعة والعيدين.
6 - يطالب الإسلام النسوي بإلغاء عدة المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها، واقتسام الثروة بين الزوجين مناصفة في حالة الطلاق، وإلغاء دور الولي بالنسبة للمرأة.
7 - كما يطالب الإسلام النسوي بضرورة إعطاء الحرية الجنسية الكاملة للمراهقين والمراهقات المسلمات. ومن ثم طالب الإسلام النسوي بمشروعية الإجهاض.
لقد أرادت بعض مسلمات المهجر، عبر ما نادين به من إسلام جديد يتخذ التفسير النسوي للعقائد والتشريعات الدينية هدفاً وغاية وجهاداً ـ أردن سلخ الأمة الإسلامية عامة والمرأة المسلمة خاصة عن عقيدتها وشريعتها وحضارتها الإسلامية الأصيلة، وإحلال قيم وأفكار ومبادئ الفكر النسوي الغربي، فوجدنا الإسلام النسوي المزعوم يصرخ بأعلى صوته عبر المنابر الدولية والمؤتمرات العالمية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية بضرورة إقصاء وتقويض كل صحوة إسلامية تظهر على ساحة الواقع العربي والإسلامي؛ لأن صعود مثل هذه الصحوة يمثل الخطر الداهم على أفكار الإسلام النسوي. فالصحوة الإسلامية تهدف إلى إعادة هيكلة وبناء الإنسان (الذكر والأنثى) والمجتمع وفقاً لمبدأ واحد ووحيد وهو الإسلام كما وجد وكما جاء في كتاب الله وسنة نبيه #، وتسقط ما دونه من أفكار نسوية أو فلسفات عقلانية أو تجريبية علمانية تحديثية. إن داعيات الإسلام النسوي يردن تحويل الدين إلى قضية شخصية تتعلق بكل فرد على حدة وإلغاء الطابع الكلي الشامل له؛ بحيث تكثر التفسيرات والتأويلات بما يتناسب وشخصية كل فرد واتجاهاته وميوله الذاتية، فنجد الدين كما تفهمه المرأة، والدين