حمدي عبد العزيز
يغلب على التحليلات الغربية للحركة الإسلامية التحيز في تناول الظاهرة؛ حيث يربط بعضها بين الإسلام والإرهاب، ويخلط بين مفاهيم الحركة الإسلامية والأصولية والتطرف الإسلامي؛ فضلاً عن أنها تذهب إلى أن الحركة الإسلامية مجرد رد فعل لمشكلات وظروف الواقع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي أمور تتسم بعدم الدقة؛ نظراً لأن نشأة الحركة الإسلامية ترجع لطبيعة الإسلام بوصفة ديناً تجديدياً، واستجابة في الوقت نفسه لتحديات خارجية وداخلية مثل
وقد التفت الغربيون للظاهرة الإسلامية منذ عام 1979م؛ حيث نجحت (الثورة الإسلامية) في إيران في إقامة الحكم الشيعي الجعفري، وإزاحة نظام الشاه الموالي للغرب، ولكن لم يُنظر إلى ذلك على أنها نصر لشعب مستضعف، وإنما مصدر تهديد للمصالح الغربية والأمريكية. ثم زاد الاهتمام بالظاهرة إبان الانتفاضة الفلسطينية الكبرى 1987م ـ 1991م حيث كان للدعاية الصهيونية دور واضح في تغذية المخاوف الغربية من الحركة الإسلامية، وتصوير المقاومة على أنها إرهاب إسلامي يستهدف القيم الغربية.
ومع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي حدث تغير جوهري في هيكل النظام الدولي بزوال الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة بالقيادة؛ حيث واكبه تغير مفهوم العدو من الخطر الشيوعي الأحمر إلى الخطر الإسلامي الأخضر، وهكذا أصبح ما يسمى بـ (الإسلام السياسي) مصدر الخطر الأكبر، وتعددت الكتابات والتحريات في وسائل الإعلام والدوريات الأكاديمية التي تشير إلى خطورة (الإسلام السياسي) ليس على الولايات المتحدة ونخبتها فقط، وإنما على غرب أوروبا وحلف الأطلسى ثم روسيا.
وعقب أحداث 11/9 حدثت تحولات دراماتيكية فيما يخص تناول تلك الظاهرة وكيفية مواجهتها؛ حيث سيطر الاتجاه (المتحامل) - الذي يربط بين الأصولية والحركة الإسلامية - على وسائل الإعلام ومراكز البحث الداعمة لصناع الاستراتيجيات، وسعى ليس إلى صياغة سياسات جديدة للمواجهة مع الحركة الإسلامية، وإنما إلى القيام بدراسات تبحث عن «تحويل دين عالَم بكامله» أو إقامة مراكز بحثية لدعم ما يسمى (الإسلام المعتدل) .
ومن ذلك التقرير الذي مولته مؤسسة (راند) للمحافظة الأمريكية وعنوانه: «الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والمصادر والاستراتيجيات» ويدعو إلى خلق صلات وثيقة مع القوى الإسلامية المحبة للغرب مثل الصوفيين والعلمانيين والحداثيين، ومساعي اليهودي الأمريكي المثير للجدل (دانيال بايبس) لتأسيس معهد إسلامي تحت اسم (مركز التقدم الإسلامي) للدفاع عما يسميه (الإسلام المعتدل) ، ومواجهة التجمعات الإسلامية التي تدافع عما يسميه المقاتلين الإسلاميين.
- أصولية أم حركة إسلامية؟
يصف (ماليس روتنين) مصطلح الأصولية في كتابه (الأصولية البحث عن معنى) ـ أكسفورد 2004م ـ بأنه يطلق على تطورات معينة في العصر الحديث، وتحول إلى مصطلح يراد به إلصاق تهم سلبية بجهة أو فكر، ويعني طريقة وأسلوب ديني للحياة يظهر نفسه في استراتيجية يحاول من خلالها المتدينون المحافظة على هويتهم المتميزة كشعب أو مجموعة في وجه العلمانية.
وقد حقق المصطلح ذيوعاً باعتباره جزءاً من التعامل مع العالم الإسلامي كمتعددات عرقية ودينية إسلامية من خلال إعادة برمجة الفوارق وتظهيرها وتشغيلها، واستنساخ (فوالق) تضاف إليها. ويريد البيروقراطيون في أجهزة الاستخبارات الغربية تثبيت المصطلح، وتعميم تداوله للتأكيد على أن الحركة الإسلامية هي الحامل الوحيد لمشروع الدولة الإسلامية وهو ما يشكل بدوره أكبر مخاطر الإرهاب (المزعوم) .
ورغم ولادة هذا المصطلح في معامل أجهزة الاستخبارات الغربية؛ فالاتجاه السائد يوافق على مفهوم الأصولية مثل (جيل كيل) و (جارودي) الذي يتحدث عن أصوليات. ويطابق هذا الاتجاه بين الأصولية والعنف والإرهاب مثل (برنارد لويس) و (فؤاد عجمي) (1) وللإسرائيليين دور في ترسيخ هذا التطابق، بل الربط بين العربي والمسلم والإرهاب مثل (بنيامين نتنياهو) في كتابه «كيف يمكن للغرب أن ينتصر؟» وهو ما يرفضه (جون أسبوزينغو) و (إيفون حداد) وغيرهم.
وهناك اتجاه آخر يرفض هذا المصطلح على اعتبار أن طبيعة المفهوم لا تتسق مع الحركة الإسلامية؛ فضلاً عن أنه لا مجال للربط بين الدين والأصولية. ويطلق بعضهم مصطلحات أخرى على الحركة الإسلامية مثل (جاك بيرك) : «الإسلاميون» و (فرانسوا بورجا) : «الإسلام السياسي» و (روجر أوين) : «الإسلام الراديكالي» .
ويمكن تحديد الظاهرة (الحركة الإسلامية) عملياً من خلال التمييز بين مستويات ثلاثة هي: الدعوة والحركة والتنظيم على ما بينها من تداخل وتشابك؛ فالدعوة ـ في الإسلام ـ واجب فردي في الأساس يفترض أن يمارسه كل مسلم قولاً وعملاً، ويتحول إلى حركة وتيار حين ينتقل ـ هذا الواجب ـ من قناعة فردية إلى سلوك جماعي، وهذا ما يطلق عليه التعبير الاجتماعى للحركة أو الجسد الاجتماعي، وهو الرصيد المتدين الذي يعتبر المجال الحيوي أو المعين الذي تتشكل منه الحركة في مستواها الثالث، والذي يظهر للوجود حين تحاول الحركة الانتقال بالدعوة محاولة تجسيدها في إطار دولة ونظام سياسي.
ومن ثم تصبح الحركة الإسلامية هي التعبير السياسي عن هذه الحركة المجتمعية، وتنطلق من فهم معين ومحدد للإسلام كدعوة، ويريد تحويله أو تجسيده في دولة ونظام سياسي محدد عبر مجموعة من الوسائل والأدوات التي تدور في إطار المشروعية الإسلامية.
وتتوافر لأي حركة إسلامية فعالة سبعة عناصر هي:
1 ـ العقيدة: وهي الإطار الفكري أو المشروع الإصلاحي أو التغييري التي يؤمن بها معظم التكوين الحركي بأفراده وقياداته.
2 ـ الرؤية والتوجه: بمعنى وجود صورة واضحة عن الواقع المرفوض والمطلوب تغييره ولو في قسماته الأساسية؛ ولماذا هو مرفوض ومطلوب تغييره.
3 ـ المشروع الإصلاحي أو التغييري: أي وجود صورة واضحة عن الواقع المرغوب والمراد الوصول إليه، ولماذا هو مرغوب ومطلوب.
4 ـ البرنامج: وجود صورة واضحة عن الأساليب والأدوات التي يمكن من خلال التغيير والانتقال من الواقع المفروض إلى ذلك الواقع المطلوب الوصول إليه (المرغوب) .
5 ـ الإرادة السياسية: وجود نوع من الاستعداد الحقيقي لدفع الثمن الذي تتطلبه عملية الإصلاح والتغيير، وتحمل تكاليفه على كل المستويات.
6 ـ الحركة أو التنظيم: أي التنظيم الفعال القائد الذي يوحد الجهود وينسق بينها ويقودها نحو تحقيق الهدف المنشود الذي تحدده العقيدة.
7 ـ القيادة: التي تقوم فكرياً بوضع التصورات والرؤى الفلسفية، وتحديد فلسفة الحركة، وحركياً بتجديد مشروع الحركة والمحافظة على نقائه والتبشير به والدعوة إليه، وتنظيمياً بوضع الخطط والبرامج موضع التنفيذ والإشراف عليها.
- انقسام حول الظاهرة:
والملاحظ على الأدبيات التي تدرس الحركة الإسلامية في الغرب أنها منشورة ليس في الدوريات الدينية وإنما في الدوريات السياسية، وهو ما يعكس وجود أبعاد أيديولوجية في دراستها وتخطيطية لمواجهتها إضافة إلى أن مراكز الأبحاث المهتمة بالظاهرة في تزايد مستمر سواء التابعة للكنائس الغربية أو ذات الصلة بالدوائر السياسية.
ويمكن تصنيف هذه الأدبيات إلى اتجاهين ـ حسب المهتمين بالظاهرة ـ وهما:
1 ـ الاتجاه الأكاديمي وهو ما يظهر في تحليلات الأكاديميين من خلال الكتب أو دوريات أو مراكز الأبحاث التي تختلف في معالجة الظاهرة تبعاً للانحياز الأيديولوجي، ووفقاً للاقتراب المنهجي، فنرى تضخيماً لها عند بعضٍ، ومحاولة للتأصيل عند آخرين من خلال البحث في أسبابها وتطورها ونتائجها.
2 ـ اتجاهات عامة: مثل مواقف السياسيين، وأقربها مواقف (جيسكار ديستان) الذي كان يتخذ موقفاً موضوعياً من العرب والإسلام إبَّان تولِّيه منصب الرئاسة الفرنسية، ثم تغير بعد ذلك، وآخرها رفضه عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي لأسباب دينية، والكتابات الإعلامية التي تضخم الظاهرة من خلال حديث الصحفيين ـ الذين يقدمون أنفسهم كخبراء في (الشرق الأوسط) ـ عن أن الإسلام دين عنف، ويسعى دوماً إلى توسيع دائرة نفوذه، وأنه ليس قادراً على الحياة بسلام جنباً إلى جنب مع فئات غير مسلمة، وهو ما يعني تشكيل صورة الإسلام عموماً والحركة الإسلامية خصوصاً، وتصويرهما في صورة الخطر القادم على الحضارة الغربية.
وأيضاً يمكن تصنيف هذه الاتجاهات حسب درجة الموضوعية في تناول الظاهرة إلى اتجاهين هما:
1 ـ اتجاه تأصيلي معتدل: ويضم مستشرقين وأكاديميين درسوا الإسلام والحركة الإسلامية دراسة منهجية وافية، ومن أقطابه (مراد هوفمان) و (إلكسندر سيمرنوف) . وينظر الأول إلى الحركة الإسلامية باعتبارها إحياء (تجديد) الدين بالرجوع إلى مصادره الأولى، وليس عصرنة الدين لكي يتفق ومتطلبات العصر الحديث، وعليه قدّم مفهوماً مغايراً للأصولية وهو أنها عبارة عن موقف فكري ورؤية عالمية ترى الالتزام بالإسلام كما كان في أول عهده، وكما عرفه السلف الصالح من الصحابة منطلَقاً ومثالاً يحتذى به في صياغة المعايير والقيم وقواعد السلوك والمعاملات في عملية بناء الحاضر.
ويرى المستشرق الأوروبي (ستيفن لاكروا) أن هناك هوة فكرية بين رؤية المتخصصين في الشأن الإسلامي وما تطرحه وسائل الإعلام؛ حتى إن الأخيرة تعمد إلى تهميش المتخصصين، وتعتمد على ما يسميه (فينسان جيسر) في كتابه: «الإسلاموفوبيا الجديد» خبراء الرعب الجدد، ومهمتهم تغذية المخاوف من الإسلام و (الأصولية الإسلامية) .
كما يشير (إلبرشت متسكر) في كتابه: «الأصولية الإسلامية بين العنف والديمقراطية» أن العديد من المستشرقين الألمان يعتبرون أن اختصار الظاهرة على عنصرها العنيف بمثابة الوقوع في فخ التبسيط؛ نظراً لأن الأقلية هي التي تستخدم العنف كأداة للتغيير. وبالنظر إلى دول مثل مصر وفلسطين والأردن ولبنان واليمن، نجد الإسلاميين يظهرون كبرلمانيين وفي تركيا والأردن، أو ينشطون في المجتمع المدني (مصر) أو يشكلون جيشاً للتحرير لقتال الاحتلال (لبنان وفلسطين) .
أما الخبير الفرنسي في الحركات الإسلامية (أوليفيه روى) فيشير إلى أن استعمال العنف من جانب بعض التيارات الإسلامية هو نتيجة تلاقي عنصرين: تشدد داخلي، وآخر دولي في التعامل مع الظاهرة الأصولية، ويرفض مصطلح الأصولية مركِّزاً على التطبيق؛ حيث يقدم بعض التيارات تنظيرات معتدلة؛ لكن تطبيقها العكس؛ بينما نجد محافظين على مستوى الأفكار معتدلين على المستوى العملي.
ويؤكد بعض المنتمين لهذا الاتجاه أن الحركة الإسلامية لا تمثل أي تهديد للغرب، وأن التضخيم الدعائي للظاهرة في الغرب أدى إلى وقوع أضرار بالجاليات المسلمة، فيرى (جون أسبوزيتو) أن هناك طريقين لفهم الإسلام: الأول: سهل، والآخر صعب. السهل يرى الإسلام والإحياء الإسلامي تهديداً، والصعب هو الصعود خلف الأنماط والقوالب الجاهزة التي تساوي بين الإسلام والإرهاب، ويقرر أن الإسلام يمثل تهديداً للغرب إذا استُمِرَّ في مساندة الوضع غير العادل في (الشرق الأوسط) .
أما المستشرقون الهولنديون فإن (كونينجسفيلد) و (واصف شديد) ـ من جامعة ليدن ـ فيشبهان في مقال مشترك لهما بعنوان: (زمن الإسلام المتخفي) ـ في مجلة إم آي الهولندية عدد يوليو 2004م ـ أوضاع مسلمي أوروبا الآن بأوضاعهم في بلاد الأندلس في عهد (فرديناند وإيزابيلا) حيث عانوا من الملاحقات والمصادرة بعد قرون من التعايش والسلام، ويدعوان إلى عدم الخلط بين الإسلام والمسلمين وبين التنظيمات التي تستعمل العنف ولا تمثل بشكل حقيقي الإسلام وحقائقه السامية؛ لأن هذا أدى إلى تهميش المسلمين وإقصائهم، ثم ممارسة العنف ضدهم.
2 ـ اتجاه أيديولوجي عدائي: وتنبع وجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه من وجهة نظر صهيونية، ورؤيتهم للمصالح الغربية؛ بمعنى أن هناك دوراً لإسرائيل وتأثيراً واضحاً في تشكيل وتوجيه السياسة الغربية، وبخاصة السياسة الأمريكية تجاه الحركة الإسلامية.
ويمكن أن نصنف هذا الاتجاه على أساس التخصص الأكاديمي إلى الفئات التالية، وهم:
أـ المتخصصون بدراسة الأديان أو الأديان المقارنة: وكان من دوافع التطور والنمو في هذه الدراسات فهم الصورة التي شكل فيها الإسلام تحدياً للمسيحية، وعائقاً دون انتشارها، ومن أبرز هؤلاء الأكاديميين في جامعة هارتفورد التبشيرية.
ب ـ المتخصصون في دراسة المناطق: ورغم العمق التاريخي لهذه الدراسات في الجامعات الأمريكية؛ فإن الحاجة إلى تعميق الفهم بالمواقع الاستراتيجية، وارتباط المصالح الأمريكية بهذا الفهم كان حافزاً على تزايد الاهتمام بهذه الدراسات. ويسعى اليمينيون المحافظون إلى السيطرة على هذا الحقل مؤخراً من خلال مراقبة المتخصصين، وقطع التمويل عن أصحاب الرؤى المنصفة وتشويه مواقفهم.
ج ـ المتخصصون بالدراسات السياسية والعلاقات الدولية: وتتضمن هذه الفئة كثيراً من اليهود الأمريكيين المهتمين بدراسة الإسلام والحركة الإسلامية من موقع المصالح الغربية والصهيونية.
ويلاحظ أن الخبراء الأكثر شهرة في دراسة الحركة الإسلامية هم من اليهود المعادين للإسلام، وتتعزز الهوية الأكاديمية لهؤلاء بالاحتراف الصحفي والإعلامي، وبمواقع النفوذ السياسي لليمين المحافظ الأمريكي ليشكل الجميع حلقة فكر ومجموعة ضغوط هي الأشد عداوة للإسلام السياسي في أمريكا والغرب.
ويهاجم أصحاب هذا الاتجاه الحركة الإسلامية، بل يوسعون الهجوم على الإسلام مثل (برنارد لويس) الذي يهوِّل من خطر امتداد الحركة الإسلامية، بل المسلمين على الغرب بالقول: إن التهديد الإسلامي سياسي واجتماعي وديمغرافي. ويتطرق عالم الاجتماع الأوروبي (جان بودريان) للموافقة على تصفية الوجود الإسلامي من أوروبا، فيرى أن الصرب حلفاء الغرب؛ لأنهم يتخلصون من الأقلية الإسلامية غير المرغوب فيها.
ويحذر (مارتن كريمر) من القناعة السائدة بأن الإسلاميين فئات متعددة ساخراً من مجرد قيام صانعي السياسة الأمريكية باختبار محاولة تصنيفهم إلى معتدلين ومتطرفين، ويرى أن الإسلاميين رغم أنهم يتفاوتون في تشكيلهم للأحزاب السياسية أو الأجنحة العسكرية، ويستعملون في الوقت نفسه الرصاص وصناديق الاقتراع إلا أنهم يحملون نفس التوجهات في كل مكان، ويلجؤون إلى أساليب مختلفة حسب الظروف والمواقف، وما يحركهم هو فطرة أساسية مشتركة تتمثل في السعي نحو السلطة بأقصر طريق متاح.
وعلى مثل هذه الأكاذيب المستمرة انطلق أستاذ معروف في «هارفارد» هو (صمويل هنتنجتون) يبشر في أطروحة له في منتصف التسعينيات بحتمية المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي فيما أسماه بـ (صراع الحضارات) .
- السياسات: من الرؤى إلى التنفيذ:
ويلاحَظ الحضور القوي للاتجاه المعادي في الدوائر السياسية التي رفعت شعار التخوف من استخدام الدين للاستيلاء على الحكم ووقف الديمقراطية ـ ليتسلل من ورائه التخوف الحقيقي من تغيير طبيعة معادلات القوة الخاصة بالنفط والسوق العالمية ـ لتقوم منذ بداية التسعينيات بمواجهة الحركة الإسلامية من خلال عدة وسائل هي:
1 ـ الأدوات الاقتصادية: مثل منح القروض والتسهيلات بهدف إحداث تأثيرات اجتماعية محددة.
2 ـ أدوات سياسية: تتعلق بتوثيق الروابط مع النخب السياسية، وتشجيع التغيير السياسي على غرار ما حدث في الجزائر 1992م.
3 ـ أدوات ثقافية: بالحوار الثقافي والسياسي، وتعزيز حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي.
4 ـ أدوات استراتيجية بوضع نظام دولي محكم للرقابة على الأسلحة والسعي لتدمير قدرات بعض الدول العربية والإسلامية عن طريق الأمم المتحدة، أو من خلال تحالف بقيادة «أمريكية وعضوية أطلسية، وانضمت إليه روسيا مؤخراً» .
واتسمت المواجهة مع الحركة الإسلامية منذ ذلك الوقت بالتصعيد والعداء المتزايد؛ حيث قامت الدول الغربية بمراجعة أنظمتها القانونية التي تتيح حق الهجرة والعمل للأجانب من جهة، وعززت من التعاون الأمني مع الدول العربية والإسلامية (الصديقة) في مقابل مساندة الحكومات الأوتوقراطية التي تتصدى للحركة الإسلامية.
وعقب أحداث 11/9 حدد أصحاب الاتجاه الأيديولوجي المعادي عدداً من الأسس التي تقوم عليها الاستراتيجية الأمريكية تجاه ما يسمى بالإسلام السياسي، وهي:
1 ـ أن تتفهم الولايات المتحدة حاجة دول (الشرق الأوسط) لاستخدام العنف ضد تيارات الإسلام السياسي؛ لأن تلك التيارات تعادي القيم الغربية والمصالح الأمريكية.
2 ـ أن التنظيمات الإسلامية تزدهر في ظل ظروف اقتصادية صعبة من البطالة والفقر، ومن واجب الدول الغربية مساعدة بلدان الشرق الأوسط كي تخفف من حدة تلك المشاكل (وليس القضاء عليها) .
3 ـ أن تقدم الولايات المتحدة شيئاً أكثر أهمية من الدعم الاقتصادي وهو الرؤية المستقبلية البديلة للرؤية الإسلامية؛ وذلك عن طريق نشر القيم الليبرالية والأمريكية.
4 ـ تجنب وضع التنظيمات الإسلامية في سلة واحدة، والنظر إليهم فقط من منظور التهديد الأمني، والسعي إلى معرفة طبيعة الظاهرة وماهيتها بعيداً عن الصورة المشوهة.
5 ـ تشجيع الأنظمة الحاكمة على ضم الإسلاميين المعتدلين إلى الحكم، ويجب الإشارة هنا إلى أن معظم الحكومات، وكذلك كثيراً من مجموعات المعارضة العلمانية لم تثبت أنها أكثر التزاماً بالديمقراطية من الإسلاميين.
6 ـ انتقاد الغرب لانتهاكات حقوق الإنسان، والتزوير في الانتخابات عندما يقعان، وليس عندما يتعارضان مع مصالح الغرب.
7 ـ يجب على الدول الغربية عموماً والولايات المتحدة خصوصاً أن تساعد في تحقيق نتائج جوهرية في حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبما يؤدي بالنتيجة إلى قيام (دولة فلسطينية) .
ولم تؤدِّ هذه المبادئ سوى إلى تغيير تكتيكي في سياسات المواجهة مع الحركة الإسلامية يتمثل في إقامة العديد من الندوات في أوروبا والمنطقة العربية هدفها الحقيقي فتح حوار مع الحركة الإسلامية ليس من أجل التفاعل والانفتاح المشترك، وإنما لخدمة الأجندة الأمريكية بالأساس خصوصاً في تركيزها على تغيير المفاهيم الإسلامية من خلال الحديث المتكرر عن (التسامح) أو في البحث عن وسائل جديدة للمواجهة بالحديث عن كيفية مواجهة العنف.