اتفاق السودان.. سلام أم انقسام؟
حمدي عبد العزيز
- مدخل:
بعد حرب دامت 21 عاماً في جنوب السودان وقعت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة (جون جارانج) اتفاقاً مع الحكومة السودانية يوم الأحد 28/11/1425هـ الموافق 9/1/2005م، وسط حضور شعبي ودولي وقال الرئيس (البشير) : لن تكتمل الفرحة إلا بإدخال الطمأنينة إلى قلوب أهل دارفور وتحقيق السلام، وأضاف: لا نريد حرباً بعد اليوم في أي مكان، نريد السلام. ومعلوم أن الطرفين اتفقا على وقف النار الشامل، وقد تضمن الاتفاق: آليات التنفيذ، وجداول زمنية لبنود الاتفاق، ولجاناً مشتركة من الطرفين لتقويم الاتفاقات وخطوات تنفيذها، والله نسأل أن يقي السودان الشرور المحدقة به، ونرجو أن يكون ذلك الحدث بداية خير له ولشعبه حتى يقطعوا السبل التي يريد الأعداء من ورائها تنفيذ مآربهم المشبوهة التي عمل الأعداء على إشعالها، والتي يوضح هذا المقال شيئاً منها.
اتجهت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى وراثة النفوذ الغربي في أفريقيا وآسيا من خلال المعونات والعلاقات مع النخب السياسية، ولم يكن السودان بعيداً عن مثل هذا التوجه؛ حيث عمد الأمريكيون إلى إقامة علاقات مع الخرطوم، ومنحها المعونات منذ منتصف الخمسينيات في إطار مساعيهم إلى بسط النفوذ على منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.
وطوال مرحلة الاستقلال ظلت العلاقات الأمريكية ـ السودانية بين شدّ وجذب، وكانت مثالاً واضحاً على استخدام تكتيك «الخل والعسل» بمعنى استعمال الضغوط أو إعطاء المنح تبعاً لامتثال نظام الحكم في السودان للتوجهات الأمريكية، وكانت قضية الجنوب ورقة رابحة للأمريكيين في هذا الإطار.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة كانت تقف خلف اتفاقية أديس أبابا بين الحكومة وحركة التمرد في جنوب السودان من خلف الكواليس من خلال مجلس الكنائس العالمي الذي كان يتحرك بصورة قوية على مسرح المفاوضات التي توطدت باتفاقية أديس أبابا في عام 1972م، وكان من نتائج توطيد هذه العلاقات هو وجود شركة شيفرون الأمريكية للاستثمار في مجال البترول، إضافة إلى تدفق المعونات الأمريكية، وصندوق النقد الدولي على السودان في تلك الفترة (?) .
وبعد مجيء حكم الإنقاذ بعد انقلاب عسكري عام 1989م ظلت الولايات المتحدة ملتزمة موقفاً محدداً هو عزل النظام واحتواؤه، حتى تغيرت هذه السياسة بعد مجيء الإدارة الجمهورية في واشنطن؛ حيث أصبح من الواضح أن هذه السياسة بحاجة إلى المراجعة خصوصاً مع الضعف الواضح للقوى السودانية السياسية المعارضة. وترافق مع ذلك حدوث تغير في الظروف الإقليمية المحيطة بالسودان بانفجار الحرب الإثيوبية ـ الإريترية، والحروب الأوغندية ـ الكونجولية وهو ما أثَّر على قدرة هذه الدول على تقديم الدعم المناسب للقوي المعارضة للنظام السوداني (?) .
وعلى مستوي آخر كان نظام الإنقاذ نفسه قد شهد بعض التحولات بعد انفجار الخلافات الداخلية، وخروج الدكتور حسن الترابي وحزبه من الحكم، ومحاولة حكومة الرئيس عمر البشير التقارب مع الولايات المتحدة والغرب من خلال حزمة من السياسات والتوجهات الجديدة.
وبمجيء إدارة بوش الجمهورية انتهج الأمريكيون سياسة الـ (خطوة ـ خطوة) والتي تتمثل في الحوار والتفاوض مع عدم التخلي عن التلويح بالعقوبات سعياً لبسط النفوذ الأمريكي على السودان بعد تغيير أيديولوجية النظام الحاكم في الخرطوم، وتبلورت هذه السياسة بدءاً من يوليو 2000م؛ حيث شرع مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن في دراسة ملف الحرب الأهلية، وفي فبراير 2001م أصدر تقريره الشهير الذي أوصى بسياسة أمريكية جديدة نحو السودان تقوم على التواصل الإيجابي، وتهدف إلى تحقيق السلام ضمن معادلة جديدة (?) ، وهو ما قامت به هذه الإدارة بعد نجاحها، فقام الرئيس الأمريكي بتنفيذ توصيات التقرير ـ ومن بينها تعيين مندوب خاص للسودان ـ فقرر تعيين السيناتور جون دانفورث مندوباً خاصاً للسودان في بداية سبتمبر 2001م.
- أولاً: تطور السياسة الأمريكية منذ بداية التسعينيات:
1 - سياسة الاحتواء والعزل:
قبل انقلاب 1989م كان للإدارة الأمريكية مآخذ على حكومة الوفاق، وأهمها أن الحكومة أوقفت التسهيلات كافة التي أعطاها نظام جعفر نميري للأمريكيين وهي:
- تحالف أمني في البحر الأحمر.
- تسهيلات تخزين معدات عسكرية في بورتسودان ومحطات تنصت.
- التعاون ضد الدول المعادية للولايات المتحدة مثل: ليبيا وإيران (?) .
ومنذ وصول نظام الإنقاذ إلى الحكم عام 1989م كانت واشنطن تنتهج تجاهه سياسة الاحتواء والمواجهة؛ نظراً لأنه اتخذ سياسة دولية عدائية، وكون المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي كبؤرة لتجمع الناقمين عبر العالم. وعلى الصعيد الإقليمي؛ فقد اتخذ النظام نهجاً أيديولوجياً توسعياً، ودعم الحركات المعادية لدول الجوار (?) . واستمرت هذه السياسة الأمريكية خلال فترتي إدارة كلينتون، وارتكزت على صنع إطار إقليمي معادٍ للحكومة السودانية، ووصلت هذه السياسة إلى ذروتها مع القصف الصاروخي الذي تعرض له مصنع الأدوية في الخرطوم عام 1998م (?) .
كذلك اتجهت إلى تأييد التجمع الوطني الديموقراطي، وعزل نظام الإنقاذ من خلال إدراج النظام ضمن الدول الراعية للإرهاب في عام 1993م، وتأييد قرارات مجلس الأمن بإدانة النظام السوداني، وتطبيق عقوبات اقتصادية أمريكية عليه (?) .
ومنذ عام 1993م اتخذت الولايات المتحدة موقفاً متشدداً من النظام السوداني؛ إذ تطلعت السياسة الأمريكية لقرن أفريقي موسع يضم السودان وأثيوبيا وإريتريا والكونغو وغيرها، ويقوده قادة جدد في تحالف مع الولايات المتحدة.
هذه الرؤية تحطمت؛ لأن هؤلاء القادة اشتبكوا في حروب بينية (?) ، ثم استغلت واشنطن محاولة اغتيال الرئيس المصري في أديس أبابا 1995م، والاتهامات الموجهة للسودان بالضلوع فيها لتقوم بوضع السودان على قائمة الدول التي تمارس الإرهاب، والذي ترتب عليه بعد ذلك بإيعاز أمريكي إصدار الأمم المتحدة قراراتها (1040، 1054، 1070) ضد السودان، والتي تتعلق بالحظر الدبلوماسي على المسؤولين السودانيين والحظر الاقتصادي والجوي على شركة سودانير (?) .
وفي عام 1996م قامت الولايات المتحدة بتخصيص مبلغ 20 مليون دولار لثلاث دول أفريقية لإسقاط النظام السوداني في صورة مساعدات عسكرية، وهذه الدول هي إريتريا وأوغندا وإثيوبيا، وفي نوفمبر 1997م فرضت الولايات المتحدة منفردة عقوبات اقتصادية على السودان، وظلت هذه العقوبات تجدد سنوياً (?) .
وكشفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (مادلين أولبرايت) عن دوافع هذه السياسة بتصريحها في يناير 1998م أنه: لا ينبغي أن تترك هذه المنطقة ـ في إشارة لشرق أفريقيا ـ دون توجيه استراتيجي أمريكي من شأنه أن يؤدي إلى نتائج من مقدمتها قيام عدة دول إسلامية في الشرق الأفريقي.
ودعت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في مجلس النواب إلى تشديد العقوبات على السودان بدعوى أن الحكومة السودانية تقوم باسترقاق وقتل المواطنين الجنوبيين (?) ، وهو ما تبناه المجلس بالفعل في منتصف يوليو 1998م بإصدار قرار يتهم الحكومة بممارسة الرق، وأعمال التطهير العرقي في الجنوب، ودعا إلى فرض حظر الأسلحة على السودان.
كما أكد تقرير أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عام 1999م أن النهج الاستقلالي الذي تتجه إليه دول شرق ووسط أفريقيا، وسعيها إلى إنشاء السوق الأفريقية المشتركة، والذي سيؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة، وأن الهدف الأمريكي هو إحداث تغيير سياسي سريع في المنطقة، وعلمنة الحكم في السودان ليرتبط مع دول البحيرات العظمى في إطار تحالف قوي يضم كلاً من أوغندا، وأثيوبيا، والكونجو، والسودان الجديد (?) ، ومن ثم التحكم في منطقة حوض النيل، وإخضاع الدول الواقفة عليها للسياسات الأمريكية.
2 - سياسة (خطوة ـ خطوة) :
وظلت الولايات المتحدة طوال عقد التسعينيات تدعم حركة التمرد في جنوب السودان في الوقت الذي لم تبتعد فيه عن الجهود الإقليمية والدولية لتسوية الصراع الأهلي بين الشمال والجنوب، ودخلت أمريكا في التوسط عبر (مبادرة الإيغاد) ، وشكلت ضمن دول غربية أخرى (منبر شركاء الإيغاد) لكي يكون الوسيط نافذاً له صفات لم تتوافر للوسطاء الإقليميين (?) .
وبدأت ملامح السياسة الأمريكية الجديدة تتشكل في عام 2000م؛ حيث وصل في فبراير 2000م المبعوث الأمريكي (هارس جونستون) إلى الخرطوم في أول زيارة له منذ تعيينه؛ حيث قدم مبادرته بشأن تحقيق السلام في السودان، وفي أغسطس وضعت الولايات المتحدة عدة شروط لإجراء حوار مع السودان تتعلق بالتخلص من المنظمات الإرهابية، ووقف الاسترقاق في الجنوب، واقترحت على الحكومة إجراء مفاوضات مباشرة مع الحركة الشعبية (?) ، وهو ما رفضته الحكومة السودانية.
ومنذ مارس 2000م بدأت حملات واسعة في واشنطن تقودها جماعات ضغط يمينية وكنسية، وشخصيات في الكونجرس، ومراكز الأبحاث من أجل دفع الإدارة الأمريكية لتتبنى سياسة جديدة تجاه السودان.
واستجابت الإدارة الأمريكية لضغوط داخلية مورست في جانب تحالف واسع ومتباين الأطراف، يجمع بين اتجاهات سياسية شتى؛ فإدارة بوش التي تستند في قاعدتها إلى اليمين الجمهوري المحافظ، ولوبي شركات البترول وقعت تحت طائلة مطالب تبدو متعارضة؛ فاليمين النصراني، والمنظمات الكنسية تطالب بالمواجهة مع نظام الإنقاذ. أما شركات البترول فتطالب بتطبيع العلاقات مع السودان من أجل الحصول على حصة من البترول (?) ، ولهذا جاء تعيين «القس جون دانفورث في بداية سبتمبر 2001م لطمأنة اليمين النصراني بأن مطالبهم ستكون في رأس أولويات المبعوث الرئاسي، وفي الوقت نفسه تكريس السياسة الجديدة القائمة على الضغط من خلال الحوار والتفاوض.
ولتسهيل مهمة المبعوث الأمريكي دعت الولايات المتحدة في 15/10/2001م مجلس الأمن تمرير العقوبات عن السودان التي فرضها المجلس على السودان 1996م، وقررت وقف تمرير قانون سلام السودان مؤقتاً، وفي 28 أكتوبر رفع المجلس العقوبات المفروضة على السودان كمقدمة لوصول دانفورث إلى الخرطوم، وتقديم مبادرته إلى الحكومة (?) .
وتحرك (دانفورث) بناء على أن تعمل الولايات المتحدة مع الدول الأخرى في أوروبا وأفريقيا في إطار إيجاد دور محفز للمفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية، وذلك وفق رؤية لبعض الاستراتيجيين في الإدارة الجمهورية بأنه لا توجد أي دولة في العالم، وحتى الولايات المتحدة يمكنها أن تواجه تحديات القرن الحادي والعشرين بمفردها، وعلى سبيل المثال نجد أن تحقيق النصر في الحرب ضد الإرهاب يحتاج إلى وجود شبكة عمل بين الولايات المتحدة وحلفائها (?) .
واتضح منذ ذلك الوقت أن التصور الأمريكي للمرحلة الجديدة يتركز على توحيد المبادرات المطروحة لحل أزمة السودان في مبادرة واحدة، وإيجاد منبر واحد يحظى بالدعم الإقليمي الإفريقي والعربي والأوروبي، وإحداث تغيير جوهري في النظام السوداني مع الإعلان عن ميل الإدارة الأمريكية إلى فكرة: «دولة واحدة ونظامان» ، أي شكل من أشكال الكونفدرالية مع أهداف فرعية أخرى هي: إخراج الشركات العاملة في حقول النفط السوداني تمهيداً لإحلال شركات أمريكية محلها، وتحقيق المطالب الخاصة بالمنظمات الكنسية وحقوق الإنسان (?) .
وفي هذا الإطار وقعت الحكومة والحركة الشعبية اتفاقات (مشاكوس ونيفاشا) ، بناءً على مبادرة دول منظمة الإيغاد (السودان، وإريتريا، وكينيا، وأوغندا، وأثيوبيا، والصومال، وجيبوتي) ، وجوهرها تأكيد الحق في تقرير المصير للجنوبيين، أو بديل الدولة العلمانية في السودان، وضمان حرية الاعتقاد بالكامل لكل المواطنين السودانيين، كما يجب فصل الدين عن الدولة (?) .
ومن أجل تحقيق هذا التصور والضغط على الحكومة السودانية أثناء المفاوضات في آن واحد، أُودع قانون سلام السودان في 7/10/2002م، في مجلس النواب، وأجازه في العاشر من أكتوبر، وفي 24 من أكتوبر وقع الرئيس بوش على القانون (?) الذي تقدمت به لوبيات اليمين المحافظ، ويدعو إلى دعم السلام والحكم الديموقراطي في السودان، ومراقبة ما يحدث للتأكد من أن الحكومة والحركة الشعبية يتفاوضان بحسن نية وعزيمة صادقة عن طريق تقارير تقدم للكونجرس كل ستة أشهر، وفي حال إخلال حكومة السودان بهذا النهج يقوم الكونجرس بفرض عقوبات اقتصادية وحرمان النظام السوداني من عائدات النفط (?) .
وينص القانون في أحد بنوده أنه إذا لم تنخرط الحكومة السودانية بحسن نية في المفاوضات من أجل الوصول إلى اتفاقية سلام دائم ومنصف، أو إذا تدخلت بلا سبب معقول في الجهود الإنسانية، أو خالفت شروط اتفاقية سلام دائم بينها وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ فإن على الرئيس التشاور مع الكونجرس لتطبيق الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من نفس الباب.
وهي إجراءات تتعلق بمعارضة منح قروض لصالح حكومة السودان من المؤسسات الدولية، وخفض العلاقات الدبلوماسية، واتخاذ كل الخطوات المناسبة لمنع حصول حكومة السودان على عائدات البترول، والسعي لاستصدار قرار من مجلس الأمن لفرض حظر السلاح على السودان، وفي فقرة أخرى تقرر رصد 300 مليون دولار للجنوب (?) .
وإذا كانت التفسيرات الشائعة وقتذاك من جانب الإعلام الرسمي تذهب إلى أن تمرير القانون يعكس استمرار الدعم الأمريكي للقوى المعارضة للنظام السوداني بقدر ما يؤكد وجود غياب سياسة خارجية واضحة ومتوازنة؛ فإن أحد تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن يشير إلى المزاوجة بين الحوار، واستصدار قانون سلام السودان بالقول: إن الولايات المتحدة لا بد أن تقود جهداً جديداً للسلام لانتهاء الحرب بدعم من المجتمع الدولي، وأن تظل العقوبات على حكومة السودان حتى تتوقف عن ضرب المدنيين، ومعاقبة الشركات التي تكتشف النفط في السودان بحجة أن الاكتشافات تقود إلى تشريد المدنيين، والمشاركة في تقليل الإنتاج إلى أن يتم الوصول إلى تسوية مع الحركة الشعبية (?) .
- ثانياً: السياسة الأمريكية الجديدة ـ الدوافع والتطبيقات:
1 - عوامل التحول عن سياسة الاحتواء والمواجهة:
يقف وراء الدور الأمريكي في السودان عدد من الدوافع تتعلق بالنفط، وبإعادة تصور اليمين المحافظ للخريطة السياسية للمنطقة، ويمكن تقسيمها إلى مجموعات ثلاث هي:
المجموعة الأولى: وهي الدوافع التي تتعلق بمبادئ سياسة الإدارة الأمريكية، ويتمثل إحداها في أن على الولايات المتحدة أن تشجع التغيير نحو الديموقراطية من خلال المشاركة والتعاون، ومن خلال التشاور والطرق الدبلوماسية والاقتصادية، ومعايير حقوق الإنسان، ومعايير الأداء الناجح (?) .
لكن هذا لا يمنع من ظهور استراتيجيين في الإدارة الأمريكية يؤمنون بأن قوة الولايات المتحدة العسكرية هي القوة الحقيقية لدفع المصالح الأمريكية، وأن الولايات المتحدة بحكم الظروف قوة حميدة ذات نوايا جيدة.
وفي إطار هذا المبدأ تلائم السياسة الأمريكية الجديدة سعي المؤسسات الدينية الغربية لإيجاد حل للمشكلة في إطار سياستها التبشيرية في جنوب السودان، وبين أتباع الأديان الأفريقية الوضعية، وسعي الإدارة الأمريكية بمزاجها الديني المحافظ لإيجاد حل، ثم اعتباره نموذجاً يمكن احتذاؤه وتطبيقه على حالات أخري في أفريقيا (?) ، ويقوم هذا الحل على أسس تقاسم السلطة والعلمانية والدولة الموحدة؛ حيث تفضل الولايات المتحدة أن يكون السودان موحداً؛ لأن في شمال مستقل احتمال تكوين قنبلة أيديولوجية تؤثر في الاستقرار الجيوسياسي، وجنوب مستقل يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في القرن الأفريقي (?) .
المجموعة الثانية: وتتعلق بالنفط السوداني؛ حيث تؤكد بعض المصادر النفطية أن الاحتياطات الإجمالية تبلغ ما بين 600 مليون إلى 1200 مليون برميل مع احتياطي مرجح يصل إلى 800 مليون برميل، وربما يكون ما دفع الولايات المتحدة للحفز على التواصل لاتفاق سلام هو السعي الأمريكي لاكتشاف أية احتياطات نفطية عالمية بعيداً عن منطقة الخليج العربي (?) ، علاوة على المصالح المباشرة للشركات الأمريكية الوثيقة الصلة بالإدارة بما يعني رغبة الأخيرة في دعم مصالح الشركات النفطية الأمريكية في أن تكون لها الحصة الكبرى في عمليات استخراج النفط السوداني (?) .
ومن المعروف أن من بين مصالح واهتمامات الولايات المتحدة الحفاظ على مستوى ثابت من إمدادات النفط والغاز الطبيعي؛ فطبقاً لإحصاءات وزارة الطاقة نجد أن الولايات المتحدة تستورد 60% من نفطها الخام؛ حيث تأتي 20% من تلك الواردات من دول الخليج، ومن المتوقع أنه بقدوم عام 2025م ترتفع تلك النسبة لتصل إلى 26% (?) .
وتؤكد دراسة أعدها فريق عمل أمريكي، وظهرت خلال أبريل/ نيسان 2001م أن العالم صار عليه أن يواجه سوقاً مختلفة تتطلب توجيه المزيد من الاستثمارات للبحث عن مصادر جديدة للبترول لمواجهة احتياجاته المتزايدة من هذا الوقود الذي سيظل يحتل مركز الصدارة على خريطة الطاقة العالمية خلال المستقبل المنظور (?) .
وإضافة إلى هذا فإن تقريراً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يؤكد أن النفط سيغير الحرب الأهلية في السودان من خلال تحويل ميزان القوة العسكرية لصالح الخرطوم، وأن أفضل مرحلة للتوصل إلى ما يحقق أفضل امتيازات للجنوب هي الوقت الراهن، وأن الاتفاق على دولة واحدة بنظامين ممكن، وعلى واشنطن أن تسعى لتحقيق ذلك (?) .
ويعمل التقرير على تحفيز الحركة الشعبية والتيار المؤيد لها في الإدارة الأمريكية على أهمية الانخراط في المفاوضات بالقول في المدى القصير والمتوسط الاكتشافات الحديثة ليس من المحتمل أن يكون لها تأثير واضح على ميزان القوة، وأن الهجمات الحكومية على التجمعات المدنية في مناطق النفط أصبحت واضحة ودموية، ولذلك من المهم على الجنوب أن يتفاوض الآن دون انتظار لعدة سنوات قادمة (?) .
المجموعة الثالثة: وتتمحور حول المياه واستعماله كإحدى وسائل الضغط على القوى الإقليمية، وأولها مصر، وهذا العامل لم يأخذ حقه من الاهتمام؛ رغم أنه يكاد يكون نتيجة مباشرة لكل التفاعلات، في عقد التسعينيات خصوصاً وأن جيران السودان ليسوا مجرد دول مفردة، وإنما أعضاء في منظمة «الإيجاد» التي ترعى عملية السلام، وفوق ذلك فإن قسماً كبيراً منها من دول منابع النيل والدول الموقعة على اتفاقية حوض النيل (?) ؛ وتدخل الولايات المتحدة من خلال (منبر شركاء إيجاد) لعقد اتفاقية سلام بين الحكومة والحركة الشعبية قد يشكل خطراً على الأمن القومي المصري مستقبلاً، سواء من حيث اتفاقية مياه النيل (1959م) ، والحصص، ونشأة كيان في جنوب السودان لم يكن طرفاً في الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات.
كذلك فمن الواضح أن السياسة الأمريكية تعمل على تطويق وحصار الدور الإقليمي المصري في مناطق حوض النيل ذات الحساسية السياسية والثقافية والاجتماعية لمصر، سواء حول المياه، أو العلاقات التاريخية البالغة التميز مع جنوب وادي النيل، وذلك لإضعاف مصادر قوة المكانة الإقليمية المصرية في العالم العربي، وفي نظام حوض النيل بكل انعكاسات ذلك الجيوبوليتيكة والاستراتيجية (?) ، وخصوصاً أن هذه السياسة تستبعد المبادرة المصرية ـ الليبية، وتدعم منظمة الإيجاد، ومن ثم الدور الأفريقي المحض بكل دلالات ذلك.
2 - تطبيق السياسة الجديدة:
أ - الصراع الأهلي بين الشمال والجنوب:
اتصل المبعوث الأمريكي بأطراف النزاع، وممثلي الحركة، ثم اقترح أربع نقاط لاختبار حسن النيات، وقدم اقتراحات في يناير 2002م، وقبلتها الحكومة والحركة الشعبية (?) ، وتتعلق بالاتفاق على هدنة في جبال النوبة، وإقامة ملاذات آمنة لتدفق الإغاثة، ووقف القصف الجوي للأهداف المدنية، وحدد سقفاً زمنياً لممارسة الضغط على الحكومة معتبراً أن الاستجابة لهذه المقترحات تعد تمهيداً أساسياً لإحلال السلام، وإنهاء الحرب الأهلية.
تم رفع تقريره إلى الرئيس الأمريكي في أبريل 2002م الذي يحمل رؤيته لتسوية الصراع، فأشار إلى ثلاث قضايا أساسية هي: النفط، وحق تقرير المصير، ونظام الحكم، فذهب إلى أن التخصيص العادل للموارد النفطية يعد مفتاحاً أساسياً لمعالجة المسائل السياسية في إطار صيغة لتقاسم هذه الموارد بين الحكومة المركزية وجنوب السودان، أما حق تقرير المصير فأوضح أنه لا يدعم هذا الحق بشكل مطلق، وأنه ليس إلا وسيلة لحماية الجنوب من الاضطهاد. وفيما يتعلق بالدين فقد أكد على ضرورة إيجاد ضمانات للحرية الدينية (?) .
وبناء على هذه الرؤية بدأت المفاوضات في كينيا بين وفدي الحكومة السودانية والحركة الشعبية في ضاحية مشاكوس، والتي انتهت بتوقيع فاعل ومهيمن من كل من الولايات المتحدة وشركاء إيغاد، وعلى رأسها بريطانيا والنرويج وإيطاليا (?) .
واتفق الطرفان في مشاكوس على قضيتين رئيسيتين:
الأولى: الاتفاق على منح الجنوب حق تقرير المصير بعد فترة انتقالية قدرها ست سنوات على أن تكون الخيارات المطروحة للاستفتاء هي الاستمرار في النظام، أو الانفصال في كيان مستقل.
الثانية: الاتفاق على إطار دستوري متعدد الطبقات؛ بحيث يكون هناك دستور للشمال، ودستور للجنوب، ثم دستور قومي يجمع بين الكيانين الشمالي والجنوبي (?) .
وبتوقيع بروتوكول مشاكوس بناء على الرؤية الواردة في تقرير دانفورث تكون الأزمة السودانية قد خرجت إلى أطر جديدة للتفاعل؛ حيث لم تعد شأناً داخلياً، أو إقليمياً فحسب، بل أصبحت جزءاً من الأولويات الدولية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، كما أصبحت بشكل أو بآخر خاضعة لتفاعلات قوى الضغط لجماعات المصالح داخل الولايات المتحدة (?) .
وبدأت الحكومة السودانية والحركة الشعبية جولة ثانية من مفاوضات مشاكوس في أغسطس 2002م، وانتهت في 18/11/2002م إلى الإعلان عن التوصل إلى اتفاق حول بعض القضايا الجوهرية وتوقيع مذكرة تفاهم، ومن أهم بنودها: إجراء انتخابات خلال النصف الأول من الفترة الانتقالية، وإجراء إحصاء سكان لحسم الخلافات حول النسب السكانية، ثم الاتفاق حول الهيئة القضائية، وقيام حكومة وطنية خلال الفترة الانتقالية (?) .
وتقرر عقد جولة ثالثة في بداية يناير 2003م، ولكنها مرت بالعديد من الخلافات نتيجة تحيز الوسطاء للحركة الشعبية من خلال إضافة قضية المناطق المهمشة على جدول التفاوض، فضلاً عن تشدد الحركة الشعبية في مطالبها، واستغلالها قانون سلام السودان لصالحها، ثم انصرفت الجولة إلى التفاوض حول قضيتي قسمة الثروة والسلطة، ونقلها الوسيط إلى «كارن» في كينيا دون تشاور، وحدد موعد 15 يناير. وانتهت الجولة في الأسبوع الأول من فبراير دون الإعلان عن نتائج محددة (?) ، وكانت نقطتا الخلاف الرئيسيتين في محادثات مشاكوس، قضية تعيين الحدود بين الأقاليم الشمالية، وتلك الجنوبية، وقضية توزيع الثروة لا سيما الثروة النفطية، وكلا النقطتين هما في قلب المعادلة النفطية (?) .
وتدخلت الولايات المتحدة لعقد جولة أخرى من المفاوضات؛ حيث تم في محادثات نيفاشا التوقيع على اتفاق في شأن الترتيبات الأمنية، وحسم وضع القوات المسلحة في الفترة الانتقالية في 25/9/2003م (?) ، ومن ثم توصل الطرفان إلى ثلاث اتفاقيات إطارية حول تقسيم السلطة، ووضع العاصمة القومية والوضع في المناطق المهمشة، وبذلك اقتربا من توقيع اتفاق سلام بناء على الرؤية الأمريكية، ولم يتبق سوى خطوة واحدة تتمثل في التوصل إلى اتفاقيتين منفصلتين: أولهما: يحدد كيفية تطبيق الاتفاق. والثاني: يتعلق بوقف إطلاق النار النهائي والشامل ودور القوات الدولية.
ويلاحظ على المفاوضات أن الدور الأمريكي كان مهيمناً؛ حيث كانت الولايات المتحدة قد عينت مبعوثاً رئاسياً لها هو السيناتور جون دانفورث، كما أن بريطانيا قد عينت مبعوثاً لها المهمة نفسها هو (آلان جولتي) ، إلا أن الدور الأمريكي ظل هو الفاعل الرئيسي والمهيمن على أجواء التفاوض، والموجه لها؛ حيث كان الدور البريطاني مسانداً للرؤية الأمريكية، وداعماً لها باعتبار الدراية والخبرة البريطانية العميقة بالشأن السوداني (?) .
وساعد دانفورث فريق من الاختصاصيين المحترفين في تنفيذ المهمة برئاسة المسؤول المتقاعد في وزارة الخارجية روبرت أولكي، وضم الفريق نائب مساعد وزير الخارجية شارلي سنايدر، المنشق للشؤون السودانية جيف ميلينغتون، ومدير الشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي مايكل ميللر، ومساعد مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية روجر ونتر (?) .
وقام دانفورث بالتنسيق مع الحلفاء البريطانيين والنرويجيين والإيطاليين، والتشاور مع الفاتيكان، وكنيسة كانتر بري، والدول الأفريقية طوال المفاوضات معتبراً أن التعاون والتنسيق اللذين تحققا بين الولايات المتحدة وحكومات أوروبية معينة يعد تطوراً إيجابياً، في الماضي كان للاختلافات المضخمة في الأساليب بين الولايات المتحدة والأوروبيين تأثير على السودانيين على حساب الجهود المبذولة لتشجيع السلام (?) .
ثم بلور الأمريكيون عقب التوقيع على الاتفاقات خطة دولية لتمويل مشروعات التنمية تقودها لجنة خاصة يرأسها ممثلان للبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويشارك فيها ممثلون لجهات إقليمية ودولية، ومطالب للجامعة العربية بالتنمية في الجنوب، وتمويل مشروعات تنموية في حدود 2 مليار دولار (?) .
وطوال المفاوضات التي انطلقت منذ عام 2002م كانت أكبر المفارقات هي أن هناك أطرافاً في الصراع هي بعض الدول الإقليمية مثل: مصر والحكومة السودانية، استمرت في إبداء المرونة وما تسميه «حسن النيات» للإدارة الأمريكية، رغم وجود مخاوف حقيقية ليس من انفصال الجنوب والمناطق المهمشة، وإنما التوصل إلى نتائج سياسية وأمنية في المفاوضات تفضي إلى احتلال كامل السودان.
ب - أزمة دارفور:
خلال العام 2003م شهدت العلاقات السودانية - الأمريكية هدوءاً نسبياً بعد أن أحرزت الحكومة والحركة الشعبية تقدماً ملحوظاً في المفاوضات بين الجانبين، إلا أن اندلاع التمرد في دارفور جعل واشنطن تزيد من تهديدها إلى السودان، واستخدامها كورقة ضغط على الحكومة السودانية لإجبارها على تقديم تنازلات مع الحركة الشعبية (?) ، وتحقيق المزيد من النفوذ في السودان.
وفي بداية مارس 2004م أدانت الولايات المتحدة ممارسات (الجنجويد) ودعت الأحزاب للتفاوض على وقف إطلاق النار، واحترام القانون الإنساني، ونزع أسلحة القوات غير الشرعية، وفي هذا الوقت كانت الإدارة الأمريكية تشجع على اتفاق سلام بين الحكومة والحركة الشعبية، في حين كان اقترابها لصراع دارفور ينقصه نفس التشجيع (?) ، على اعتبار أن الاتحاد الأفريقي يقوم بدور في حل الصراع.
وفي ذلك الوقت صدر تقرير مجموعة الأزمات الدولية (ICG) متحاملاً على الخرطوم، وداعياً المجتمع الدولي لعمل حاسم، وأن يكون مستعداً لاستعمال القوة إذا استدعي الأمر، وذلك لإنقاذ حياة مئات الآلاف من المدنيين المعرضين لخطر الموت بسبب حملة السودان لقمع التمرد في إقليمه الغربي.
واقترح تقرير مجموعة الأزمات الدولية عدة اقتراحات بالنسبة لأطراف الصراع، ومجلس الأمن، فبالنسبة لحكومة السودان الالتزام بمفاوضات سياسية بتيسير دولي مع متمردي دارفور هدفها وقف إطلاق النار بمراقبة دولية، ووقف كل المساعدة للجنجويد والميليشيات الأخرى، وتجريدهم من السلاح، ومحاكمة من يستمر منهم في مهاجمة المدنيين، والسماح لفريق مراقبة حماية المدنيين مباشرة، والتحري في المزاعم المتعلقة بالهجوم على المدنيين في دارفور من ميليشيات الجنجويد التي تساندها الحكومة (?) .
وبالنسبة لمجلس الأمن الدولي: إصدار قرارات تتضمن ما يلي:
- التنديد بانتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ترتكبها كافة الأطراف في دارفور.
- الدعوة إلى مفاوضات سياسية تحت مراقبة دولية بين الحكومة ومتمردي دارفور هدفها الأول وقف إطلاق النار بمراقبة دولية.
- الحث على نهاية سريعة لمحادثات سلام الإيجاد لاتفاق سلام شامل بين الحكومة والجيش الشعبي.
- كفالة عودة اللاجئين إلى مواطنهم، وتنسيق دعم مالي دولي لإعادة توطينهم واستقرارهم (?) .
وكان هذا التقرير بمثابة خطة عمل للولايات المتحدة في أزمة دارفور؛ حيث عملت الإدارة الأمريكية على تصعيد الأزمة من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، فوصل في 29/6/2004م وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى الخرطوم للتحقق من صحة الأحداث في دارفور، وفي 30 يوليو أصدر مجلس الأمن قراراً رقم 1556 (الذي اعتمد بغالبية 13 صوتاً مع امتناع الصين وباكستان) ، الذي يمهل الحكومة السودانية 30 يوماً للسيطرة على الوضع في دارفور وحل ميليشيات الجنجويد، وتقديم العون للنازحين وإعادتهم لمناطقهم وحمايتهم (?) .
وفي الوقت نفسه كان اجتماع قمة الدول الثمانية في (سي أيلاند) في ولاية جورجيا الأمريكية ـ يونيو 2004م ـ قد أصدر بياناً عن السودان رحب فيه بدور الاتحاد الأفريقي في حل أزمة دارفور ـ وليس الجامعة العربية ـ بناء على تقسيم أمريكي يعتبر السودان دولة تنتمي إلى القرن الأفريقي، ومن ثم يفصلها عن محيطها العربي (?) ، وكان الأمريكيون ينفذون توصيات تقرير مجموعة الأزمات الدولية المشار إليه فيما يتعلق بشركاء الإيغاد: (الولايات المتحدة، بريطانيا، النرويج، ويدعو إلى التنسيق مع الدول الأخرى بما فيها فرنسا وتشاد لخلق إطار للتفاوض السياسي بين الحكومة والمتمردين، والتأكيد على الحكومة بأن أي فوائد يتم اكتسابها من محادثات الإيغاد سيتم سحبها إذا عارضت الحكومة المفاوضات الخاصة بتحديد جذور الصراع في دارفور (?) .
ومن ثم يمكن القول: إن الأمم المتحدة لها دور أساسي في الفترات الانتقالية التي تتبع تسوية الصراعات حتى تضفي صفة الشرعية الدولية على تلك الفترات. كما أن هناك مصالح مشتركة بين الولايات المتحدة والدول الغربية تصل إلى ما هو أبعد من حدود الحرب الباردة، ويظهر ذلك خلال كلمات الرئيس (جيرالد فورد) أمام مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا عام 1975م في هلسنكي عندما قال: إن الولايات المتحدة وأوروبا مرتبطتان بعلاقات وثيقة، وفي مقدمتها حب الحرية والاستقلال، وهي المبادئ التي لا تعرف دولة محددة بعينها، وإنما هي راسخة في قلوب جميع شعوب العالم (?) .
وبينما كانت الحكومة وحركات التمرد في دارفور تجربان مفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي في العاصمة النيجيرية (أبوجا) ، أصدر مجلس الأمن قراراً رقم 1564 يهدد السودان بعقوبات نفطية إذا لم يوقف الأعمال الوحشية بدارفور، وقال السفير الأمريكي في الأمم المتحدة (جون دانفورث) : تعمل اليوم؛ لأن حكومة السودان أخفقت في الالتزام الكامل بقرارنا السابق الذي جرى تبنيه في 30/7/2004م زاعماً أن أزمة دارفور أكبر كارثة إنسانية في العالم (?) .
ويلاحظ على القرار الجديد تركيزه على النفط وهو ما دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص للسودان يان برونك أن يوضح أن العقوبات النفطية قد تؤثر على إمدادات الوقود، وتضر بالجهود لنقل الغذاء إلى سكان دارفور (?) . فضلاً عن أن العنصر الأساسي في القرار رقم 1564 يكمن في أنه يكرس الدور المركزي للاتحاد الأفريقي في جهود حل أزمة دارفور فيقول (دانفورث) : إن مفتاح كل ذلك هو مشاركة الاتحاد الأفريقي، وينبغي علينا الآن التركيز على موضع تمركز المراقبين، وأن نكون على أهبة الاستعداد لتقديم أي مساعدة لوجستية يحتاج إليها الاتحاد الأفريقي (?) .
ومنذ بدايات الأزمة استخدم الأمريكيون الشعارات الأخلاقية لتمرير سياستهم في السودان، فيرى الكاتب البريطاني (جون لاغلان) أن الأخلاق ستعمل كذريعة لتبرير الحروب العسكرية، إلا أن التدخل العسكري المحتمل في السودان سيوفر خزان نفط ضخماً، وغير مستغل جنوب إقليم دارفور وجنوب السودان (?) .