مجله البيان (صفحة 5120)

ويبقى الأقصى في خطر

عبد الرحمن شيخ حمادي

تدمير المسجد الأقصى هو أهم الأهداف الصهيونية حالياً؛ فالمطلوب هو إزالته وبناء (الهيكل الثالث) مكانه. وتحقيق هذا الهدف يتم وفق خطط مدروسة بعناية؛ ونحن نتحدث عن تلك الخطط؛ لأن واجبنا يفرض علينا أن نعرفها ونسعى إلى مجابهتها؛ وخاصة أنها تطال مدينة إسلامية من أعرق مدننا وأقدسها. وهذه الخطط صارت معروفة للعالم.

ففي 9/5/1983م أصدرت أجهزة أمريكية رسمية وغير رسمية ومن بينها بعض أجهزة الاستخبارات تقريراً مفصلاً كشفت فيه عن خطط إسرائيلية متكاملة لإزالة المعالم العربية والإسلامية من مدينة القدس القديمة؛ بما في ذلك خطة لتدمير المسجد الأقصى وبناء (الهيكل الثالث) مكانه؛ وقد حذرت تلك الأجهزة من تنفيذ هذا المخطط؛ لأنه سيشكل خطراً على المصالح الأمريكية في الدول الإسلامية والعربية؛ وطالب التقرير بإجراء تحقيق رسمي موسع تشارك فيه وكالات الإدارة الأمريكية ولجان الكونغرس لمعرفة سبل مواجهة هذا الخطر.

واللافت للنظر في ذلك التقرير أنه أشار ومنذ ذلك التاريخ إلى هجرة اليهود الروس بالملايين إلى فلسطين قبل نهاية عام 2000م؛ حيث يمكن بوجودهم إحياء مشروع (الهيكل الثالث) . كما أن التقرير تحدث عن عملية رسم خريطة المنطقة، وعن علاقة اليهود والجماعات الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التي تعتنق الأفكار الصهيونية، وتدين بالرأي القائل بأن العالم يعيش في آخر أيامه.

إذن نحن مع تقرير أمريكي صدر عام 1983م؛ وإن كان مكتوباً للأغراض الداخلية، ويحمل صفة السرية؛ إلا أنه يتحدث عن خطط صريحة لنسف المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وإقامة هيكل سليمان مكانهما؛ حيث يمكن المباشرة بتنفيذ هذه الخطط بعد وصول المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً؛ ليس لأن هؤلاء سيشكلون قوة بشرية كبيرة تحمي عملية إزالة المسجد الأقصى فحسب؛ بل أيضاً على أساس (نبوءة توراتية) نشرتها الصهيونية تنص على أن بناء هيكل سليمان للمرة الثالثة سيتم على أيدي يهود روس؛ وهذه النبوءة ليست عبثاً في الطرح الصهيوني؛ ذلك أن معظم اليهود الذين أخذوا على عاتقهم مهمة تنفيذ خطة بناء (الهيكل الثالث) هم اليهود الذين هاجروا من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا؛ وهم أقلية بالقياس إلى طموحات (جمعية أبناء هيكل القدس) بإقناع وضم جميع اليهود إلى هذه الجمعية. والمهاجرون الروس هم أسهل إقناعاً واقتناعاً بهدف ومرامي الجمعية؛ وخاصة أنهم هاجروا بحماس كبير، ومن الممكن استغلالهم بهذا الحماس كأداة في تدمير المسجد الأقصى؛ وهم عندما يفعلون ذلك يجنبون إسرائيل كثيراً من المتاعب أمام الرأي العام العالمي؛ إذ يمكن آنذاك إلقاء اللوم على (الحماس الديني) أو (عدم ضبط النفس) .

وهكذا في ذروة هجرة اليهود الروس عام 1990م حدثت مجزرة المسجد الأقصى، وكان اليهود الروس أشد المهللين لها؛ حتى إن «ب. بوخينوف» الناطق الرسمي باسم المهاجرين الروس أعلن وبالحرف: «إن تحرير إسرائيل لن يكتمل إلا بعد أن ندمر كل المباني الإسلامية في أورشليم؛ وبعد أن نحرر أرض الهيكل من المسلمين.. لقد عجز الإسرائيليون عن ذلك حتى الآن، ولكن ها نحن قد جئنا لنفعل ما يريده الرب؛ ولن يوقفنا شيء عن إزالة هذا المسجد وبناء الهيكل المقدس مكانه» .

من هذا وغيره يتضح أن خطة تهديم المسجد الأقصى في مدينة القدس وبناء ما يسمى (هيكل سليمان) مكانَه قائمة وراسخة في صلب الفكر الصهيوني؛ وقد أعلنها أعضاء (المنبر الأمريكي للتفاهم اليهودي ـ المسيحي) وله مقرَّان: الأول في القدس؛ والثاني في بنسلفانيا؛ وكذلك أعضاء (مؤسسة هيكل القدس) ولها أيضاً مقرَّان: في القدس، وكاليفورنيا؛ وهدف أمثال هاتين المنظمتين التي تعمل علانية هو تنفيذ (النبوءة التوراتية) ببناء الهيكل الثالث في القدس؛ والتمهيد لذلك بتدمير المسجد الأقصى وكافة الأماكن الأثرية الإسلامية والعربية.

إن المتابع لما يجري في هذا المجال يجد أن حقبة تسعينيات القرن الماضي الميلادي والسنوات الأولى من القرن الجديد هي الوعاء لمخططات تدمير المسجد الأقصى؛ وكانت وما زالت تستند ـ كما قلنا ـ على توجيه اللوم للحركات الدينية المتطرفة في إسرائيل بعد كل عملية اعتداء على المسجد الأقصى؛ وكانت عمليات الحفريات حول وأسفل المسجد الأقصى تجري بنوع من السرية والصمت؛ لأن الحكومات الإسرائيلية كانت تخطط للتخفيف من غلواء المتطرفين وحماسهم لتدمير المسجد الأقصى، وتركز على تدمير الأماكن الإسلامية الأخرى التي تقلّ أهمية عن المسجد الأقصى؛ لذلك كانت منظمة هيكل القدس وغيرها من المؤسسات ذات الأهداف المشابهة تعتبر نفسها في حالة صدام مع الحكومات الإسرائيلية؛ لأن تلك الحكومات كانت تمنع هذه المنظمات من تنفيذ خططها علناً؛ ولكن منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي لم يعد أبرز قادة إسرائيل يخفون انتماءهم للمؤسسات المنادية ببناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى؛ مثل نتنياهو الذي تبين أنه من أبرز أعضاء منظمة هيكل القدس المتطرفة؛ وهو الذي قاد الحملة التي أجبرت شركات الطيران على عدم التحليق فوق المسجد الأقصى؛ باعتبار أن المكان هو منطقة الهيكل؛ ولذلك لم تعد ثمة حاجة لإبقاء خطط تدمير المسجد الأقصى في حيز السرية؛ فكان الإعلان عن فتح الأنفاق التي تم حفرها تحت الحرم القدسي أمام السياح كإعلان سافر بأن عمليات تهديم المسجد الأقصى مستمرة ـ الآن ومستقبلاً ـ وانهيار أحد أجزاء سور الحرم القدسي الشريف مؤخراً إنما هو جزء من عمليات التهديم هذه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015