د. عبد العزيز كامل
حقيقة أو حكماً بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما جرى فيها، وبغض النظر عن مصير بوش الإنجيلي وكيري اليهودي بعدها؛ فإن مرحلة بوش الرئاسية الأولى، قد مثلت سقوطاً مدوياً للولايات المتحدة ولدول الغرب المتحالفة معها.
قد استطاع بوش «الناجح» في سقوطه، أو الساقط في نجاحه خلال مدته الرئاسية الفائتة، أن يجر بلاده إلى مشارف مهلكة حضارية، بعد أن عرًَّض ناصيتها لمطارق السنن وعواقب الأقدار المستوجبة لعاجل العقوبة وحتمية الانكسار: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] .
ومنذ أن استطاع جورج بوش أن يرتقي ظهر الفيل الجمهوري الهائج ـ رمز الحزب ـ وهو يهرول به في حقول ألغام الشرق الأوسط (الكبير) في رحلة نَزَق ورَهَق أشغلت العالم حيناً من الدهر، حتى هوى هو وأصحاب الفيل في مستنقعات وورطات عديدة قد تحتاج الولايات المتحدة للخروج منها إلى عمليات إنقاذ قد تستغرق أجيالاً، في النواحي الأخلاقية القيمية، والسياسية القانونية، والاقتصادية والعسكرية. هذا إذا افترضنا أن منحنى السقوط سيتوقف حتى تتم عمليات الإنقاذ.
إن التاريخ سوق يذكر لذلك الرئيس أنه قد دشن مع فريقه البئيس من الصهاينة الإنجيليين والصهاينة التوراتيين، مرحلة الانهيار والسقوط، الذي يحيق بالقرى الظالمة، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] ، {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف: 59] .
وأياً كانت ملامح الفترة القادمة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا نعتقد، أنها لن تستطيع أن تجبر الكسور البالغة التي أصابت صرح صنم (الحرية) الأمريكي، ولن تستطيع إعادة الوهج للشعلة التي انطفأت في يده.
- السقوط الأخلاقي: «فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا» :
إذا كان القضاء الأمريكي لم يثبت للآن ـ وبعد ثلاثة أعوام من أحداث سبتمبر ـ أي تهمة ضد جهة بعينها في الوقوف وراء هجمات نيويورك وواشنطن التي قتل فيها نحو ثلاثة آلاف أمريكي؛ فإن أي قضاء في العالم يستطيع أن يثبت بسهولة، مسؤولية جورج بوش الابن عن قتل ما لا يقل عن 150 ألف مدني من المسلمين في هجمات أفغانستان والعراق، منهم 100 ألف في غزو العراق فقط، مات أكثرهم تحت ركام منازلهم، أو داخل مصانعهم أو مزارعهم؛ وذلك أثناء حربين لا أخلاقيتين، بُنيتا على دعاوى كاذبة، واتهامات غير ثابتة، أُلقيت فيهما آلاف الأطنان من القنابل الحارقة والخارقة، والذكية والغبية، على رؤوس المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، ثم تبع هذا السقوط الأخلاقي في أثناء الحرب سقوط أشد وأنكى بعد انتهاء الحرب في كل من أفغانستان والعراق، حيث شاهد العالم أشباه الرجال من الجنود الأمريكيين وهم يقتحمون الديار في ظلمات الليل أو في واضحة النهار، ليفجعوا الولائد في ذويهن، ويروِّعوا الزوجات والبنات في أزواجهن أو آبائهن، ولتنتقل (الفضائح البوشية) بعد ذلك إلى سقوط آخر داخل السجون، وما أدراك ما هو داخل السجون، بدءاً من سجن مزار الشريف في أفغانستان، الذي سُحِلَ فيه الأسرى على أيدي وحوش دوستم وبإشراف جيوش بوش، ومروراً بسجن جوانتانامو الذي تهدر فيه كرامة الإنسان إلى درك أسفل من الحيوان، ووصولاً إلى سجن أبي غريب الذي جسّد فضيحة تاريخية، لا تغيرها الدهور، ولا تغسلها مياه البحور.
لو كان ما حدث في سجن أبي غريب تصرفاً فردياً، أو اجتهاداً شخصياً من بعض شواذ البشر، لهان الأمر، أما أن يُعرف بعد ذلك أن تلك التصرفات المرضية السادية كانت مأموراً بها ومأذونا فيها؛ فإن ذلك كان يكفي لإسقاط العديد من رموز إدارة بوش منذ الأسبوع الأول لتكشف تلك الفظائع. لقد قال السيناتور الديمقراطي في مجلس النواب الأمريكي (كارل ليفين) في مقال له على موقع الـ (رضي الله عنهرضي الله عنهC) في 10/5/2004م: «إن الانتهاكات في سجون الاحتلال، تمثل جزءاً من السياسة الأمريكية في عهد بوش» . والمصيبة أن الجرائم التي وقعت في تلك السجون وشاهد العالم بعضها في سجن أبي غريب؛ لم تكن من فعل حفنة من مغامري تكساس أو متشردي شيكاغو فقط، بل شارك فيها رجال يفترض أنهم أصحاب مسؤولية ومشاعر إنسانية، فهل يُتصور أن يشارك أطباء في التنكيل بالأسرى والسجناء …؟! هذا ما حدث، فقد شارك الأطباء المسؤولون عن سلامة المرضى من الأسرى في السجون العراقية في تلك المخازي الإجرامية! وقد كشف الأستاذ الجامعي (ستيفن مايلز) من جامعة (مينوسا) في تحقيق نشرته صحيفة (ذا لانسيت) الأمريكية في منتصف أغسطس من عام 2004م، عن الحقائق التي تتحدث عن مشاركة أطباء السجون في الجرائم ضد الأسرى، وطالب السلطات الأمريكية بالتحقيق في الأمر، غير أنها رفضت ذلك الطلب. وقد كشف مايلز أيضاً، أن هناك أساليب من التعذيب المنظم يقوم بها الجنود الأمريكيون في كل من أفغانستان والعراق وجوانتانامو، تشمل الضرب المبرح والحرق والصعق بالكهرباء، والتعليق والانتهاكات الجسدية، والعزل الانفرادي والحرمان من النوم لمدد طويلة، والتعريض للبرودة الشديدة بعد الحرارة الأشد، وقال مايلز: «إن الأدلة تشير إلى تورط الأطباء الأمريكيين في المشاركة في هذه العمليات، والوثائق الحكومية تشير إلى أن النظام الطبي للجيش الأمريكي أحجم عن حماية الحقوق الإنسانية للمعتقلين، ولم يبلَّغ هؤلاء الأطباء عن الكثير من الإصابات وحالات الوفيات الناجمة عن التعذيب» . وضرب ذلك الشاهد من أهلها مثالاً على ذلك، وهو أن أحد السجناء العراقيين، عُلق على باب زنزانة من أعلى بعد أن أثخن ضرباً، ولم يكتف السجانون القادمون لنشر القيم الديموقراطية بتعليق المعتقل، بل كمموا فمه، مما تسبب في اختناقه ووفاته معلقاً، ومع ذلك جاء تقرير أطباء السجن الأمريكيين بأن وفاة ذلك السجين جاءت (لأسباب طبيعية) !! ... أثناء النوم! (رضي الله عنهرضي الله عنهC) 10/5/2004 م) وقد اضطرت وزارة الدفاع للتحقيق في الحادث؛ حيث تبين أن السجين توفي نتيجة قتل متعمد، وبأسوأ الوسائل.
يذكر هنا أن 37 سجيناً ماتوا في ظروف مشابهة، كما اعترف بذلك البنتاجون في 22/5/2004م، فماذا تركوا لسجون صدام حسين إذن؟!
يبدو أن هؤلاء الأطباء الذين تصرفوا بسجية النرجسية الأمريكية، كانوا محميي الظهور من عناصر المخابرات؛ فقد تكشفت حقائق مذهلة عن دور الاستخبارات العسكرية الامريكية في التواطؤ في جرائم أبو غريب، وقد كتب (نك تشيلدز) مراسل إذاعة الـ (بي بي سي) في وزارة الدفاع الأمريكية أنه بالرغم من التهم التي تحوم حول عدد من عناصر الاستخبارات الأمريكية، وعلى رأسهم رئيس وحدة الاستخبارات داخل السجن، فإنه لم توجه حتى الآن أي تهمة لأي من عناصر تلك الاستخبارات، وعندما طولبت الحكومة الأمريكية بالتحقيق مع المشتبه بتورطهم في التعذيب من جهازها الاستخباري العسكري، اكتفت بإطلاع الصحفيين على ما يجري داخل إحدى قواعد تدريب الشرطة العسكرية في ولاية ميسوري الأمريكية؛ حيث يمكن لأولئك الصحفيين أن يطمئنوا إلى حسن (سير وسلوك) أفراد تلك الشرطة داخل معسكرات تدريبهم! والأمر ليس مقصوراً على عناصر من الشرطة والاستخبارات داخل الجيش، بل إن وزير الدفاع الأمريكي نفسه كان قد وقَّع وثيقة عام 2002م، تسمح بانتهاج أساليب عنيفة في انتهاك كرامة السجناء، ولكن (في حدود) ما تسمح به قيم الديموقراطية الأمريكية! وكان من ضمن ما وقَّع رامسفيلد على السماح به مما تسمح به «القيم» الأمريكية؛ الحبس الانفرادي ... والتعرية ... والانتهاك الجسدي ... والضغط العصبي ... واستخدام الكلاب ... (فقط) .
ويبدو أن السقوط الأخلاقي في الحرب الأمريكية العالمية الجديدة، تتواصل حلقاته في سلسلة متصلة تنتهي إلى رقبة جورج بوش؛ فمثلما احتمى الجنود والأطباء بضباط الاستخبارات، واحتمى ضباط الاستخبارات بوزير الدفاع، فإن وزير الدفاع يستند إلى تعميد رئاسي من جورج بوش شخصياً؛ فقد صرحت منظمة (هيومان رايتس) لحقوق الإنسان، بأن الانتهاكات التي حدثت في سجون الاحتلال الأمريكي، نفذت بناء على قرار من الإدارة الأمريكية بتجاهل القوانين المحلية والدولية خلال الحملة الأمريكية على ما يسمى بـ (الإرهاب) وأوضحت تلك المنظمة أن الإدارة الأمريكية قررت تجاهل الدستور الأمريكي ذاته في هذا الصدد. وقد نشرت صحيفة الواشنطن بوست في عددها الصادر في 20/5/2004م، أنباء جديدة عن مظاهر السقوط الأخلاقي لإدارة جورج بوش؛ حيث ذكرت أن إدارات السجون الأمريكية في العراق وأفغانستان وجوانتانامو، درجت على تعذيب شباب ورجال المسلمين داخلها بفتح أبواق الموسيقى الصاخبة، وإجبار المساجين على أكل لحوم الخنازير واحتساء الخمور والخضوع لفتنة النساء المجندات، وذكرت الصحيفة أن أحد الأسرى أخبر بعد الإفراج عنه، أنه طُلب منه أن يجهر بالشكر لـ (الرب يسوع) لأنه أبقاه حياً بعد كل تلك المدة من الاعتقال.
إن الأمريكيين لا يشعرون تجاه هذه المخازي بمجرد وخز في الضمير، لا، بل إن المسؤولين الأمريكيين لم يعدوا اللجوء إلى مثل تلك الأساليب الهمجية مجرد حق من حقوقهم، بل واجباً من واجباتهم؛ فقد جاء في تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية نشرته صحيفة (وول ستريت) في 7/6/2004م أن الرئيس جورج بوش يعتبر في نظر إدارته غير ملزم بالقوانين التي تحظر اللجوء للتعذيب، وعللوا ذلك بأن الأمن القومي الأمريكي فوق كل القوانين والمعاهدات الدولية.
أما السجناء البؤساء في ظل الغزو الديموقراطي الحضاري، والبالغ عددهم وفق تقدير بعض الأوساط نحو مئة ألف شخص حتى شهر مايو 2004م، فإن من واجبهم أن يحنوا الرؤوس أمام الجندي الأمريكي (النزيه) الذي طالبت حكومته بتوفير الحصانة القضائية له، في مشروع قرار تقدمت به لمجلس الأمن في هذا الشأن، ومن واجب هؤلاء السجناء أيضاً، بل من واجب الشعب العراقي كله، بل العالم الإسلامي بأسره أن يتغاضى عن (بعض الهنات) التي حدثت من الأمريكيين أثناء هجمتهم (التنويرية) على العالم الإسلامي. يقول الجنرال (مارك كيمت) المتحدث باسم جيش الاحتلال الأمريكي في العراق: «إن الشعب العراقي سيغفر حتماً للولايات المتحدة ما حدث في سجن أبي غريب» !! وقال في حديث له مع الإذاعة البريطانية في 3/5/2004م: «إن ما حدث هو تصرف فردي من عدد محدود من الجنود الأمريكيين، إلا أن بقية الجنود الأمريكيين، في العراق، والبالغ عددهم 135 ألف جندي، يعاملون الشعب العراقي باحترام وإكرام» !!
- السقوط الديمقراطي في أوحال الدكتاتورية:
رصدت الولايات المتحدة الأمريكية المشكوك في شرعية رئيسها من الناحية الديموقراطية، مبلغ 29 مليون دولار، لنشر الديموقراطية في العالم العربي وقد سخا الأمريكيون بهذا المبلغ (التافه) ضمن مشروع يتولى وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) الإشراف عليه، وهذا المبلغ قد يكفي بالكاد، لإطلاق حملات كذب دعائية، وإنتاج لافتات على واجهات المؤسسات الرسمية في مختلف البلدان العربية مكتوب عليها (دولة كذا ... الديموقراطية) ، ليسهل من خلال تلك اللافتات المزورة، تمرير التحول الخطير في بلاد الإسلام باسم الديموقراطية، التحول في السياسات، والتحول في المناهج، والتحول في المواقف، بل التحول في العادات والتقاليد والعقائد والقيم، وفق ما عرف بمشروع الإسلام المدني الديموقراطي، الذي تناولت الحديث عنه في مقال سابق. فأن ترصد الولايات المتحدة لهذا التغيير الكبير تحت مسمى التحول الديموقراطي مثل ذلك المبلغ؛ فهذا يدل على حسابات خاطئة، لا تعي طبيعة هذه الأمة التي تستعصي على الذوبان في طوفان المكر والسُكْر الأمريكي؛ فالأمريكيون كانوا قد رصدوا لغزو العراق عسكريا مبلغ مئتي مليار دولار، والآن يريدون أن ينشروا (الديموقراطية) منه إلى بقية دول العالم العربي والإسلامي بمبلغ 29 مليون دولار.
ما أرخص تلك الديموقراطية وما أحقرها! إن الأمريكيين وغيرهم من الغربيين، يضنون بديموقراطيتهم ـ المرفوضة إسلامياً ـ على بلدان المسلمين، ويرون أن تلك الديموقراطية الليبرالية لا بد أن تحل محلها في بلادنا (دماقراطية) عسكرية تجمع بين الدم والدمار، ذات أنياب ومخالب وأذناب وثعالب، وأقبية وسجون. تماماً كما يحدث الآن في أفغانستان وفي العراق، حيث ديموقراطية عهر وعار تتحكم بالحديد والنار.
أما ديموقراطية الحياد والشفافية، واحترام الحريات والأصوات ونتائج الانتخابات فإنها خاصة بهم وموقوفة عليهم، بل حتى هذه (المقدسات) عندهم، قد دنسها بوش في انتخاباته الماضية.
وبالرغم من أنني أتوقع (مهزلة) ديموقراطية أخرى في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، على غرار مهزلة عد الأصوات يدوياً في انتخابات عام 2000م لإنجاح بوش بأصوات حفنة من يهود فلوريدا؛ فإن مهازل أخرى ـ ديموقراطية أمريكية ـ جرت وتجري الآن في كل من العراق وأفغانستان؛ حيث تجري في كلا البلدين عملية سطو استعماري شامل باسم الديموقراطية، من خلال إضفاء الشرعية على عملاء جواسيس، بلا هوية إسلامية أو وطنية أو حتى إنسانية.
- ديموقراطية بوش في أفغانستان:
سقوط بوش في أفغانستان، لا قعر له؛ فخلاصة مشروعه للنهضة بأفغانستان بعد السطو عليها، هي تلك الأهزولة (الديموقراطية) الأخيرة، التي تعد فضيحة، لا تقلُّ في فداحتها عن فضائح نسبة الـ (99%) الانتخابية في 99% من بلدان العالم الثالث على اعتبار أنها جرت بإشراف وإسناد أمريكي.
كرزاي الأمريكي الجنسية والأفغاني الهوية، تقدم بالترشيح في الانتخابات (الحرة) وهو محتفظ بمنصب الرئاسة، مع أنه ـ في الظاهر ـ مجرد رئيس (مؤقت) لأفغانستان، عينته قوى الاحتلال، أما في الباطن، فهو رئيس اختارته المخابرات المركزية الأمريكية لزعامة أفغانستان منذ عام 1996م كما ذكر ذلك (تومي فرانكس) في مذكراته، أي أنه اختير قبل أحداث سبتمبر بنحو خمس سنوات، بل قبل سيطرة طالبان على الحكم في ربوع أفغانستان. ومع ذلك ظن بعض المخدوعين بسراب الديموقراطية الأمريكية، أن الولايات المتحدة جادة في إصلاح الأوضاع في أفغانستان تحت قيادة حرة مختارة، فراحوا يتسابقون في الترشيح للرئاسة إلى جانب حامد كرزاي، وظهرت العديد من الوجوه القديمة التي تحاول القيام بأدوار جديدة في محنة أفغانستان المتتابعة الفصول وكان منهم كتلة الجهل والغباوة، (عبد الرشيد دوستم) الشيوعي سابقاً، و (الليبرالي) لاحقاً، والذي أراد أن تنكب أفغانستان به رئيساً قادماً من حارات مزار شريف وخمارات موسكو وأنقرة!! وما المانع في ظل ديمقراطية ضاق عطنها بالشرفاء الأنقياء الذين اجتمعت عليهم قلوب الأمة الأفغانية، وارتضت قيادتهم؟
تقدم للترشيح للرئاسة 17مرشحاً، وسجل نحو عشرة ملايين ناخب أسماءهم للإدلاء بأصواتهم فيما يظنون أنه مشاركة فعالة في انتخابات حرة، وكان 41% من الأسماء للنساء اللاتي تبلغ الأمية في صفوفهن نحو 80%، ولهذا كانت توضع على الصناديق صور المرشحين التي ربما لم يرَ الناخبون والناخبات صورهم قبل ذلك، أو يسمعوا بهم، وقد ساهمت الأمم المتحدة في إضفاء صفة المشروعية على تلك المسرحية الانتخابية، فوظفت ما بين 120 ـ 135 ألف شخص للإشراف على مراكز الاقتراع في أنحاء أفغانستان، في محاولة لإقناع العالم بأن الاحتلال ـ المأذون فيه من الأمم المتحدة ـ هو خير كله، وقد تحولت براعم الديمقراطية في ظله إلى ثمرات يانعات في أقل من ثلاث سنوات. ولكن الخديعة لم تطل؛ إذ اكتشف المرشحون المخدوعون أو أكثرهم، أن الانتخابات الأمريكية في أفغانستان تجري كشأنها في معظم انتخابات العالم الثالث وسط جو من الدجل، شمل شراء الذمم وعدم تكافؤ في الفرص مع تزييف النتائج وتغيير الحقائق، حتى إن كرزاي ـ ومن فرط إيمانه بـ «القيم» الديموقراطية ـ أوعز إلى شيوخ قبيلته (التيرازاي) بأن يهددوا كل من لم يصوِّت لصالحه بحرق بيوتهم وتشريد أسرهم.
أما النزاهة المطلوبة في الانتخابات وفق المواصفات المتعارف عليها فقد رفضها الديموقراطي العريق (كرزاي) حتى إنه رفض أن تشكل لجنة مستقلة ومحايدة لتنظيم الانتخابات، كما رفض قبل ذلك أن يتنازل عن الرئاسة حتى تظهر نتائج الانتخابات. ثم ظهرت قصة التلاعب بالأحبار التي «يبصم» بها الناخبون، وتبين أنها كانت قابلة للإزالة، بحيث يتعين على كل من أراد أن يبصم بالعشرة لكرزاي أن يكتفي فقط بغسل الإصبع الذي سبق أن بصم به. وكانت هذه التصرفات كافية لأن يفهم بقية المرشحين المخدوعين أنهم مجرد ديكور رخيص في البهو الديموقراطي المزيف، فاضطر غالبيتهم للانسحاب ومقاطعة الانتخابات، ورفضوا القبول بنتائج تلك «اللعبة» الديمقراطية التي أظهرت أن كرازاي، هو الدمية المختارة كزعيم أوحد ينبغي أن يرضى به الشعب الأفغاني الحر، الذي قاتل كل الرؤساء القادمين على الدبابات الروسية، ليقبل في النهاية ـ فيما زعموا ـ بذلك الرئيس القادم على المجنزرة الأمريكية! ويعطيه 62% من الأصوات ويوزع البقية على 17 مرشحاً.
لقد أخفق كرزاي وسقط في حل سائر القضايا المتعلقة بأفغانستان، وسقط بسقوطه مشروع بوش هناك حيث رجعت أفغانستان إلى عهود الخوف والجوع تحت مظلة الاحتلال، ولذلك هي تنتفض الآن ضد بوش وعملائه، ولا يستبعد المهتمون والمراقبون ـ بمن فيهم كرزاي نفسه ـ أن تتمخص أحداث مقاومة الاحتلال في أفغانستان عن عودة النفوذ إلى الإسلاميين هناك، وفي مقدمتهم قوى طالبان العائدة، التي يستجير كرزاي من شبح عودتها للصعود؛ فقد صرح به في خطاب له أمام مجلس العموم البريطاني، بأن قوة القانون لا تحكم سوى 45% من أراضي أفغانستان، أما بقية الولايات فإن كل واحدة منها تمثل دولة داخل الدولة، وقد قال نصاً أمام مجلس العموم البريطاني: «إن تهديد طالبان لا يزال موجوداً، وبلادي ليس بوسعها عمل شيء يحول دون عودة طالبان للسيطرة على أفغانستان، والمجتمع الدولي سيكون مسؤولاً عن صعود هؤلاء المقاتلين مرة أخرى» .
- «ديموقراطية» بوش في العراق:
يصر بوش على أن تجري الانتخابات «الديموقراطية» في العراق تحت أسنة الرماح على وجه السرعة، وهو ما يؤكد معظم المراقبين استحالة تحقيقه في الموعد المقرر في بداية الشهر الأول من العام القادم 2005م، إلا في حالة الرغبة في حسم نتائج الانتخابات مسبقاً لصالح الحكومة المؤقتة العميلة.
وكما حدث في أفغانستان، فإن الفوضى الأمنية العارمة التي يعيشها العراق لن تسمح بسريان العملية الانتخابية في مجراها الطبيعي الآمن، وما تريده الإدارة الأمريكية باختصار في العراق، هو تكريس الاحتلال وتثبيت حكومة العملاء الحالية، لتتمكن بعد الانتخابات من الادعاء بأنها صاحبة الحق الشرعي في الموافقة على بقاء الاحتلال أو رحيله، فإذا تم انتخابها واكتسبت المشروعية المزعومة؛ فإنها ستطلب من (الصديق) الأمريكي، أن يتكرم بطول الضيافة في ربوع العراق؛ لأن العراق محتاج إلى ذلك المحتل! وعندها (سيتواضع) هذا الاحتلال، ويؤثر مصلحة العراقيين على مصلحة الأمريكيين، ويبقى جنوده في أرض الرافدين، لكن لا في داخل المدن؛ وإنما خارجها حيث تعد القواعد العسكرية لبقاء طويل الأمد، أما الأمن في المدن فإنه سيوكل إلى العراقيين أنفسهم، حيث سيأكل بعضهم بعضاً ـ بعد انتخابات ـ بدلاً من التفرغ لمقاومة الاحتلال. إن ما يريده بوش هو حقن دماء الأمريكيين بهدر دماء العراقيين، وذلك بتدشين حقبة جديدة من الاقتتال والصراع بين العراقيين في مواجهات أمنية، أو حتى حرب أهلية، ولذلك كان كل هذا الحرص على إمضاء العملية «الديموقراطية» في أسرع وقت وبأقل تكلفة. وقد نشرت مجلة التايم الأمريكية مؤخراً تقريراً حول حقيقة الديموقراطية التي يريدها بوش في العراق، فنسبت إلى مسؤولين أمريكيين قولهم: إن حكومة بوش كلفت جهاز الاستخبارات الأمريكي الـ (س. آي. إيه) أن يختار ويدعم المرشحين الذين يتعين على الولايات المتحدة أن تقف بكل ثقلها خلف إنجاحهم، دون النظر لمصالح أي قوى أخرى ـ غير أمريكا ـ لها نفوذ أو مصلحة في الداخل العراقي.
وهكذا وبعد ما يقرب من عشرين شهراً من الاحتلال الأمريكي للعراق بدعوى القضاء على الديكتاتورية وإحلال الديموقراطية؛ يتضح للجميع أن الهمجية الديموقراطية التي يبشر بها بوش، تحاول التفوق على كل ما كان يقال عن ديكتاتورية صدام حسين.
إلا أن أحلام بوش لن تكون سهلة المنال؛ فالعملية الانتخابية التي وضع بول بريمر نظامها الأساسي؛ يحتاج إتمامها إلى جيش حقيقي من رجال الشرطة يصل إلى 600 ألف رجل أمن مسلح، لحماية 150 ألف موقع انتخابي في أنحاء العراق، أي بواقع 4 رجال شرطة لكل موقع، وهو ما لا يمكن أن يضمن أمن الناخبين في ظل الأوضاع الأمنية المتردية حالياً، ومع ذلك فإن توفير هذا العدد (600 ألف) لا يمكن للحكومة العميلة أن توفره بسهولة في ظل تخوف المتطوعين في الشرطة من الاستهداف المباشر من المقاومين. يضاف إلى ذلك أن الانتخابات ستجري ـ إن جرت ـ دون مشاركة عدد من المناطق العراقية تبلغ نحو 30% من الأماكن المأهولة؛ فالفلوجة والرمادي وسامراء، وبعض المناطق الأخرى، جرى استثناؤها «بشكل ديموقراطي جداً» من المشاركة في العملية الانتخابية.
لكل هذا فإن هيئة علماء المسلمين السنة، شككت في مصداقية تلك الانتخابات، إحساساً منها بأن إقصاء أهل السنة عن الحياة السياسية في عراق المستقبل أمر مرتب له، ولهذا أعلن أعضاء تلك الهيئة أنهم لن يشاركوا في تلك الانتخابات السياسية، وسيكتفون بموقع المرجعية الدينية للشعب العراقي.
ومما يخشى من عواقب تنفيذ مشروع بوش «الديموقراطي» في العراق؛ أن يكون ذلك المشروع طريقاً إلى التقسيم، وبخاصه في ظل إصرار الزعامات العلمانية للأكراد على الاستقلال وفق نظام فيدرالي. أما الشيعة فإنهم قد يرضون بالتقسيم إذا لم يتمكنوا من السيطرة على أنحاء العراق، ولهذا فإن بينهم ما يشبه الإجماع على الانخراط في العملية الانتخابية، حتى من التيار الصدري الذي ضاق صدره سريعاً باستدراج الأمريكيين المتعمد لما يسمى بـ (جيش المهدي) وإصرارهم على اصطياد أفراده المتثاقلين بأسلحتهم، ولهذا قرر هذا الجيش (الفاتح) بيع أسلحته ـ إي والله ـ بيع أسلحته للمحتلين وعملائهم.
إن ديموقراطية بوش في العراق الآن، ومن قبلها في أفغانستان، هي بشرى شر ونذير شؤم، لكل التواقين إلى النزول على الأسر في قصر الديمقراطية الأمريكية، ذي الأقبية والزنازين.
- السقوط الاقتصادي «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة» :
تسببت حرب بوش العالمية ضد ما يسمى بـ (الإرهاب) ، في خسارة الولايات المتحدة لأموال طائلة، أثقلت كاهل الاقتصاد الأمريكي، وأسهمت هذه السياسة المتشنجة داخلياً وخارجياً في حرمان المناخ الاقتصادي من الاستقرار اللازم للازدهار، وإضافة إلى تعثرات أخرى مُني بها الاقتصاد الأمريكي، فقد تسبب كل هذا في وصول عجز الميزانية الأمريكية لعام 2002م إلى أربعمائة مليار دولار، وهي نسبة عجز كانت كافية لأن تلتهم ما كان كلينتون قد حققه من فائض الـ (115) مليار دولار في عام 1999م. ولم يتمكن الاقتصاد الأمريكي من استعادة شيء من توازنه، إلا بعد أن ألجأت الولايات المتحدة حلفاءها الاقتصاديين إلى ضخ أموال ضخمة في أسواقها، مخوفة إياهم من أن الخراب والدمار لن يقتصر عليها إذا تهاوى اقتصادها. ولكن هذا العلاج المؤقت؛ كان ولا يزال بمثابة المخدر الذي يخفي الألم ولا يذهب بالداء.
الحاصل أن الاقتصاد الأمريكي أصبح مريضاً في عهد بوش، بما يهدد بكارثة قومية، لا قومة بعدها ولا تعافي. والمراقبون يتساءلون: هل هذا المرض قابل للشفاء؟ وتكاد الأجوبة تُجمع على أن هذا العلاج إذا لم يكن مستحيلاً؛ فإنه صعب ومكلف وغير مضمون، ومن هنا كانت وعورة أرض المنافسة التي يتسابق فيها جورج بوش ضد الحزب الديموقراطي ومرشحه جون كيري.
إن فقدان الولايات المتحدة المنتظم لرصيد كبير من ثقة المستثمرين في الداخل والخارج؛ سيعني على المدى القريب انهيار القواعد الهيكلية لنظام بيوت المال الأمريكية الكبرى، القائمة أصلاً على الاستقرار والبعد على الأزمات الطارئة والمتكررة. ولكن لسوء حظ الاقتصاد الأمريكي ببوش، فإن هذا الرئيس المغامر فوق حصانه المجنون؛ لا يكاد يكف عن هز أعمدة ذلك الاقتصاد هزاً عنيفاً بدعوى إيقاظه، وهو ما أصبح يهدد الاقتصاد بأزمة لا تهدد مستقبل بوش وفريقه من كبار تجار الأسلحة والنفط فحسب، بل تهدد مستقبل الرفاه الأمريكي بكامله، وتنهي عصور الكفاية والوفرة التي عاشها الأمريكيون عقوداً وراء عقود.
لقد بدأت معالم ذلك الضعف بعد أحداث سبتمبر؛ حيث انخفض مقياس (داوجونز) بمعدل (624) نقطة، ثم عاد إلى الانخفاض بمعدل (1775) نقطة، بعدما تكشفت فضائح الشركات الكبرى مثل (أنرون) (?) و (وورلد كوم) (?) .
والحكومة الأمريكية التي لا تكشف الحقيقة الكاملة عن حجم الخسائر، تحاول تعويض تلك الخسائر باتباع سياسة ريجان في استقبال الأموال السوداء لتبييضها في الأسواق. وقد أسهم أركان حكومة بوش من تجار السلاح والنفط بسياستهم الجشعة، في إيجاد ثارات اقتصادية ضد بوش وإدارته؛ حيث يحاول المتضررون من تلك السياسات أن يُحكموا الخناق حول أعناق خصومهم من خلال لف حبال الفضائح حول رقابهم، ومع اشتداد وطيس المعارك الانتخابية يستجمع خصوم بوش قواهم للكشف عن المزيد من الفضائح الاقتصادية التي تثبت أن بوش لم يكن فاشلاً فقط في إدارة الاقتصاد الأمريكي، بل كان رئيساً لعصابة من محترفي استغلال النفوذ.
- السقوط العسكري.. تهافت الفراش إلى النار:
قد يحسب بعض الناس غزو العراق وأفغانستان انتصاراً عسكرياً ساحقاً لبوش الابن أثناء فترته الرئاسية الأولى، ولكن لأن الأمور بخواتمها وعواقبها، فإن هذا الانتصار يتحول تدريجياً إلى انكسار مروِّع، وسقوط مدوٍ، يجعل الأمريكيين يترحمون على أيام فيتنام؛ فبعض الأوساط توصل عدد القتلى الأمريكيين بعد غزو العراق إلى نحو 8000 قتيل، بينما يحذف الأمريكيون صفراً واحداً ويكتفون بالإعلان عن 800 قتيل، وقد بدأت روائح الفضائح الأمريكية في الكذب على الشعب الأمريكي تتكشف كلما ووريت الجيف بالأعلام الأمريكية، حتى إن الكاتب الأمريكي الذائع الشهرة (روبرت فيسك) كتب يقول بأن الإدارة العسكرية الأمريكية تكذب على الشعب الأمريكي فيما يتعلق بضحايا الحرب من القوات العاملة في العراق، واعتبر أن عدد القتلى أكثر بكثير من الأرقام المعلنة، وعلل ذلك بأن القيادة الأمريكية لا تعلن إلا عن أسماء القتلى الذين يحملون الجنسية الأمريكية، وأما الأعداد الأكثر في قوات الاحتلال والذي يمثلهم المرتزقة الراغبون في الحصول على الجنسية الأمريكية؛ فإنهم لا يذكرون ضمن أعداد القتلى، مع أنهم محسوبون ضمن قوة الجيش الأمريكي.
وحتى هؤلاء الحاملون للجنسية؛ فإن القيادة العسكرية تتحدث عنهم وكأنهم قوى خارقة، أو جيوش من (السوبرمان) ، فرتل عسكري يدمر بكامله، فيعلن أن أحد سائقيه أصيب برضوض وخدوش، وطائرة عمودية محملة بالوقود تسقط في الرمال والجبال فيقال هبطت بسلام، ولم يصب أحد من الجنود بأذى، وما يقال في العراق يقال في أفغانستان، فقد ذكرت وكالة (يونايتد برس أنترناشيونال) ، أن 17 ألف مصاب في العراق وأفغانستان لم يقيدوا ضمن الخسائر البشرية الأمريكية في المعارك الحادثة هناك، أما العدد المعلن عنه رسمياً من المصابين فهو 7 آلاف مصاب فقط.
كنت قد كتبت في أعقاب أحداث سبتمبر 2001م، عن (الورطة الكبرى) التي توقعت أن يقع الأمريكيون فيها إذا نفذ جورج بوش تهديداته وقتها بغزو بعض البلدان الإسلامية، ولكن ما وقع فاق التوقع؛ فلم يكن أحد يتصور أن تنتصب لمقاومة العدوان في بلد كالعراق المحاصر منذ طيلة 13 سنة قبل الحرب، كل تلك الأعداد من المقاتلين غير النظاميين؛ فالتقديرات المعلنة عن عدد المقاومين في العراق، من مواطنين وغير مواطنين، تتراوح ما بين 30 إلى 50 ألف مقاوم، ينفذون يومياً ما يقرب معدله من 50 هجوماً عسكرياً ضد قوات الاحتلال ومعاونيها، بل إن صحيفة النيويورك تايمز أوصلت هذا المعدل في بعض الفترات إلى 80 هجوماً يومياً؛ فكيف تصمد أفراخ بوش البيضاء أمام هجمات تلك الصقور الشهباء؟
إنه السقوط الذي وقع فيه بوش، حتى وإن تبختر أمام الناخبين مزهواً بانتصاراته المزعومة. وقد نقلت صحيفة الجارديان البريطانية عن خبراء وقادة عسكريين أمريكيين قولهم: إن الولايات المتحدة خسرت الحرب في العراق كنتيجة، وإن كانت قد انتصرت فيها كبداية، وأكد هؤلاء أن المستنقع العراقي أخطر بكثير من المستنقع الفيتنامي، وأكد عدد منهم للصحيفة ـ ومنهم الجنرال متقاعد (وليام أدوم) ـ الرئيس السابق لجهاز الأمن القومي الأمريكي والجنرال (جوزيف هوار) القائد السابق للبحرية الأمريكية، و (جيفري ريكورد) أستاذ الاستراتيجية العسكرية في الكلية الجوية بواشنطن: أن حسابات الحرب كانت خاطئة ولا أمل في إنقاذ الوضع المتردي للقوات الأمريكية في العراق؛ لأن إمكانية القضاء على المقاومة العراقية غير واقعية، بحسبان أنها تزداد كمّاً وتتطور كيفاً.
وقد قال الصحفي الأمريكي الشهير (سيمور هيرش) : إن أمريكا في (مأزق حقيقي) . ومن مظاهر هذا المأزق، أن جنود الاحتياط داخل الولايات المتحدة، بدؤوا في الفرار من تلبية دعوات الخدمة خوفاً من إرسالهم إلى العراق، وقد بلغ عددهم بحسب صحيفة واشنطن بوست نحو 30 ألف شخص. أما الذين لم يلتحقوا بالخدمة العسكرية بعدُ فإن أعداداً غفيرة منهم تغادر الولايات المتحدة إلى كندا، حتى لا ينتهي مصيرها إلى محرقة العراق.
تُرى، هل تستطيع الإدارة الأمريكية في الفترة القادمة أن تتجاوز المخلفات المخزية الحزينة لسنوات مطلع الألفية السعيدة (السعيدة) ، وهل لا يزال الإنجيليون والتوارتيون مقتنعين بأنهم يعملون من أجل (الخلاص) ؟!
رجاؤنا أن يخلّص الله الإنسانية، من تسلط هذه الشياطين البشرية التي ما كان لها أن تسود وتقود العالم إلا في غياب تمكين المسلمين، هذا التمكين الذي يسهمون الآن من حيث لا يشعرون في تيسير قدومه، وتسيير قافلته، حتى لو كانوا يظنون أنهم بنباحهم سيوقفونها أو يعرقلون خطاها {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8] .