د. سامي محمد صالح الدلال
لقد دارت رحى القرون، وأبحرت سفن الحياة عبر محيطات الزمان، ثم أرست مراسيها في موانئ العصر الحاضر، فإذا بها إزاء أقوام تدثروا بالأوهام، وادعوا انقطاع عهدهم عن العهد الزاهر، وقالوا في المرأة ما لم يقله الشرع الطاهر. أرادوها مجرد متعة، ولكن دين الله أراد لها الرفعة! فجعل دائرة حركتها مؤطرة بالستر، وابتغى أولئك أن تكون مجللة بالوزر؛ فشتان ما بين الثرى والثريا، وما أبعد قضم الحجر عن أكل الثمر!
لقد حدد الإسلام بشكل واضح وجلي ما للمرأة وما عليها، ومن ذلك أنواع ولاياتها.
إن الولايات في الإسلام تقسم إلى قسمين:
الأول: الولايات العامة: كرئاسة الدولة، ورئاسة مجلس الوزراء، والوزارة والنيابة والقضاء، وهي ولايات مقصورة على الرجال.
الثاني: ولايات خاصة، وهي ما سوى ذلك. وللمرأة فيها نصيب بحسب تلك الولاية، وفي إطار نصيبها منها فإن لها حقوقاً وعليها واجبات.
وانطلاقاً من ذلك فإن كلامنا في الموضوع سيكون ضمن ثلاثة محاور رئيسة، هي:
(?) قوله ـ تعالى ـ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] .
(?) قوله ـ تعالى ـ: {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] .
(?) قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «لن يفلح قوم ولوْا أمرهم امرأة» رواه البخاري (?) ، وعند أحمد في أحد رواياته بلفظ: «ما أفلح» (?) .
(?) وقد اخترت هذا الترتيب ليتبين لنا أنه إذا كانت المرأة المسلمة مأمورة بالقرار في بيتها ـ من حيث الأصل ـ وأن المباشرة معها في الخطاب يكون من وراء حجاب؛ فكيف يتسنى لها مع ذلك أن تكون في إطار أي من الولايات العامة التي لا يمكن أن تمارس المرأة دورها فيها إلا إذا اخترقت الأصلين السابقين.
وسأذكر الآن نبذة مختصرة بشأن كل عنوان.
- قرار المرأة في البيت:
الأصل في ذلك قوله ـ تعالى ـ مخاطباً نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] ، قال ابن كثير: «هذه آداب أمر الله ـ تعالى ـ بها نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك» (?) .
والحكمة في ذلك هي إتاحة الفرصة للمرأة للاضطلاع بدورها العظيم المناط بها شرعاً، وهو تربية الأولاد ليكونوا رجالاً صالحين عابدين مجاهدين، وللقيام بشؤون الزوج ولرعاية بيته، كما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «والمرأة راعية في بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم» رواه البخاري ومسلم من طريق ابن عمر رضي الله عنهما (?) . فإذا ما أخلَّت المرأة بهذه المسؤولية انخرقت سفينة المجتمع، فربما غرقت أو أوشكت!
لذا وجب على الحكام والعلماء أن يُلزموا المرأة بأداء دورها الشرعي الذي ذكرته مستلهمين في ذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها؛ فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم؛ فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا، جميعاً» رواه البخاري ـ وهذا لفظه ـ والترمذي، وأحمد من طريق النعمان بن بشير (?) .
لكن للمرأة أن تخرج من بيتها، ويكون هذا الخروج ممثلاً لحركة طارئة من حيث الأصل، ومنضبطاً بالشرع من حيث الممارسة، وبما لا يخل بقاعدة «القرار» ، ومن ذلك:
1 ـ الخروج للعبادة:
كالصلاة في المسجد؛ لحديث ابن عمر عن الشيخين: «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فائذنوا لهن» ـ لفظ مسلم، وأخرجه أحمد (?) ـ رغم أن صلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد، وكصلاة العيدين لحديث أم عطية قالت: «كنا نؤمَر بالخروج في العيدين، والمخبأة والبكر، قالت: «الحُيّض يخرجن فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس» رواه مسلم (?) . وفي رواية البخاري: «أمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخدور» (?) ، وتخرج المرأة للحج، لقوله ـ تعالى ـ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] . وهو شامل للرجال والنساء؛ على أن يكنَّ مع محرم؛ ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لكن أحسن الجهاد وأجمله، الحج المبرور» رواه البخاري والنسائي، وابن ماجه بنحوه (?) .
2 ـ الخروج في خدمة المجاهدين:
كما جاء في حديث الربيع بنت المعوذ، قالت: كنا نغزو مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة (?) . قال ابن عباس: «قد كان يغزو بهن (أي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة» رواه مسلم والترمذي وأبو داود والبغوي (?) .
3 ـ الخروج للبيعة:
وهو ليس بالمعنى المعروف حالياً من المشاركة في الانتخابات، أو الترشيح للمجالس النيابية، بل هو خروج ضرورة حدث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لتوثيق العهد على امتثالهن لأوامر الإسلام، وقد حدث ذلك مرات عديدة، كما حصل في بيعة العقبة الثانية، وكبيعة النساء للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد صلاة العيد، وهو في الصحيحين (?) ، ومبايعة أميمة بنت رقيقة في نسوة، كما في رواية مالك والنسائي والترمذي وأحمد (?) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (?) ، ومبايعة أم عطية في نسوة كما في رواية الصحيحين والنسائي (?) ، وقد جاء في التنزيل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الممتحنة: 12] .
4 ـ الخروج لحوائجهن:
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قد أذن لَكُنَّ أن تخرجن لحوائجكن» رواه الشيخان (?) . نقل الحافظ في «الفتح» عن ابن بطال قوله: «فقه هذا الحديث أنه يجوز للنساء التصرف فيما لهن الحاجة إليه من مصالحهن» (?) : أي مصالحهن الدينية والدنيوية: كطلب العلم، وزيارة الزوج في المعتكف، وللقيام بأعباء الحياة، قالت أسماء بنت أبي بكر: «كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ» رواه الشيخان (?) .
5 ـ الخروج للعرس:
هو مشروع للنساء؛ لحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ في الصحيحين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى صبياناً ونساءً مقبلين من عرس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ممثلاً: «اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ، يعني الأنصار» لفظ مسلم (?) .
نلاحظ مما ذكرته أن الإسلام رغم أنه وسع للمرأة حركتها خارج المنزل للقيام بالمهمات المنوعة، لكنه لم يجعل من بينها المشاركة في أي عمل سياسي، إضافة إلى أنه وضع لها ضوابط في ذلك الخروج، من أهمها:
1 ـ أن لا يؤدي خروجها إلى خلل في أداء واجباتها الأصلية في مقرها وهو المنزل، أي لا بد من استحضارها لقوله ـ تعالى ـ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] .
2 ـ الالتزام بالحجاب؛ لقوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59] .
3 ـ الالتزام بغض البصر: قال ـ تعالى ـ: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] .
4 ـ عدم التبرج: لقوله ـ تعالى ـ: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] ولقوله ـ تعالى ـ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] .
5 ـ عدم التعطر أو إصابة البخور؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «.. والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا، يعني زانية» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه أبو داود بدون «يعني زانية» ، بل قال: «قال قولاً شديداً» ، لكن عنده «ليجدوا من ريحها فهي زانية» رواه النسائي، وأحمد؛ جميعهم من طريق أبي موسى الأشعري (?) ؛ ولحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة» رواه مسلم، وأخرجه أحمد في المسند (?) .
6 ـ عدم الاختلاط بالرجال في أماكن التجمعات العامة، وقد وردت في ذلك أحاديث، منها فصل النساء عن الرجال في المساجد وفي صلاة العيد، بل وفي الطرقات؛ لحديث أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول وهو خارج من المسجد؛ فاختلط الرجال بالنساء في الطريق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للنساء: «استأخرن؛ فإنه ليس لَكُنَّ أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق؛ فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به» رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (?) .
ومعلوم أن مشاركة المرأة في أي من الولايات العامة لا بد لها فيه من الاختلاط بالرجال وحضور المجالس العامة، بل والاختلاء ببعض الرجال بسبب متطلبات العمل السياسي.
قوله ـ تعالى ـ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ليس مقصوراً على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، هو قول جمهور المفسرين، منهم:
(?) ابن كثير ـ قال في تفسيره لهذه الآية: «هذه آداب أمر الله ـ تعالى ـ بها نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك» (?) .
(?) أبو عبد الله القرطبي، قال في «الجامع لأحكام القرآن» : «معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء؛ فكيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والكفاف عن الخروج منها إلا للضرورة» (?) .
(?) العلامة الآلوسي البغدادي قال في «روح المعاني» : «والمراد على جميع القراءات أمرهن ـ رضي الله عنهن ـ بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من معاشر النساء» (?) .
(?) الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية السابق، وعضو جماعة كبار العلماء قال في «صفوة البيان لمعاني القرآن» في تفسيره لقوله ـ تعالى ـ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} : الزمنها! فلا تخرجن لغير حاجة مشروعة، ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين (?) .
ثم أسوق شهادتين أختم بهما هذه المحطة:
الشهادة الأولى: قال العالم الإنجليزي (سامويل سمايلس) ، وهو من أركان النهضة الإنجليزية: «إن النظام الذي يقضي بشتغيل المرأة في المعامل مهما تنشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية» .
الشهادة الثانية: قالت الخبيرة الأمريكية الدكتورة «إيدا أولين» : «إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة؛ فزاد الدخل، وانخفض مستوى الأخلاق. إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم ـ أي إلى البيت والقرار فيه ـ هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه» .
ذكر تلكما الشهادتين الدكتور مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ في كتابه «المرأة بين الفقه والقانون» (?) .
السؤال من وراء حجاب:
ومداره على قوله ـ تعالى ـ: {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] .
حيث تؤكد هذه الآية عدم جواز الاختلاط والذي لا بد منه في العمل السياسي؛ إذ تبين أن سؤال الرجل للمرأة ينبغي أن يكون من وراء حجاب، وأن ذلك عامٌّ، وليس مقصوراً على زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جاءت أقوال المفسرين مبينة تماماً لهذا المعنى من الآية. أذكر منها:
1 ـ ابن جرير الطبري: قال في «جامع البيان في تفسير القرآن» : وإذا سألتم أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب، يقول من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن، ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن» (?) .
2 ـ ابن كثير قال في تفسيره لقوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} .. إلى قوله: {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] : «حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة؛ فأمرهم بذلك؛ وذلك من إكرامه والدخول على النساء» الحديث (?) ، ثم قال: «وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب» (?) .
3 ـ أبو عبد الله القرطبي: قال في «الجامع لأحكام القرآن» : «في هذه الآية دليل على أن الله ـ تعالى ـ أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يُستفتَيْن فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة: بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة: كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها» (?) .
4 ـ الشوكاني: قال في «فتح القدير» : «فاسألوهن من وراء حجاب» أي من وراء ستر بينكم وبينهن.. وفي هذا أدب لكل مؤمن وتحذير له من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له، والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه» (?) .
- المرأة والولايات العامة:
المعوَّل عليه في هذه المسألة هو قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه أبو بكرة ـ رضي الله عنه ـ: «لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم أمرأة» هذا لفظ البخاري، وهو أيضاً عند النسائي والترمذي بلفظ «لن يفلح» ، وعند أحمد في المسند «لا يفلح قوم تملكهم أمرأة» ، و «ما أفلح قوم يلي أمرهم أمرأة» (?) ، وجميع ألفاظه بصيغة العموم؛ فهو عام الدلالة، وليس فيه أدنى حجة لمن قصره على سبب وروده. ومعلوم لدى الأصوليين أن «العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب» . وما ورد من بعض الولايات للمرأة: كولايتها على بيت زوجها، وما سوى ذلك فهي ولايات مقيدة ومخصوصة من العموم المذكور، ولعلنا هنا نكشف أبرز ما يتعلق بهذه المسألة ضمن النقاط التالية:
(?) إن الذي دعا أولاً إلى تولية المرأة الولاية العظمى (رئاسة الدولة) ، والولايات العامة الأدنى (رئاسة الوزارة، الوزارة، النيابة، القضاء) هم العلمانيون، أفراداً ومؤسسات منسجمين في ذلك مع منهجهم القائم على كسر حصون خصوصية المرأة وفتح السبل على مصاريعها لجعلها في مساحة مكشوفة للجميع.
(?) إن الذي تولى كِبْر هذه الدعوة هي الأنظمة العلمانية التي تسلطت بقوة الإرهاب على رقاب المسلمين؛ فأصدرت التشريعات التي تحقق تلك المآرب، ولا يزال المسلمون يعانون من هذه المأساة التي خلفت خللاً في توازن البنيان الاجتماعي.
(?) إن القوى العالمية التي وراء تلك الدعوة هم اليهود والنصارى والمشركون، ويمارسون ذلك في اتجاهين:
أـ الضغط على الأنظمة في العالم الإسلامي لاستصدار تشريعات تتيح للمرأة تلك الولايات السياسية.
ب ـ تسخير الإعلام بكافة وسائله على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية للوصول إلى تحقيق هذا الغرض.
(?) إن متولي الولايات العامة، وخاصة الولاية العظمى لا بد له من مواصفات معينة ذكرها العلماء في تصانيفهم، وقد ذكر منها الفراء عشرة (?) ، والماوردي سبعة (?) . قال الفراء وهو يعدد تلك المواصفات: «السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة.. العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعوِّل على التفويض متشاغلاً بلذة أو عبادة» انتهى.
ومعلوم أن المرأة لا تستطيع الاضطلاع بهذه المسؤولية لضعف بدنها وشدة تأثرها العاطفي وتخوفها من مواجهة الأزمات وتقهقرها إزاء تحمل وقع الصدمات.
ومعلوم أن الجهاد لا يضطلع بقيادته إلا أصحاب الخبرة العسكرية، وأولو العقول الراجحة النقية، والقلوب الصامدة القوية، وذوو الدهاء والروية، ومن هم أهل لحضور مواقع القتال وساحات الوغى الدموية. وقد اتفق أصحاب العقول السوية أن المرأة ليست لذلك أهلاً، لا من حيث الخلقة ولا من حيث التخلُّق؛ ولذلك اشترط الماوردي فيمن يحق له تولي الإمامة العظمى «الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو» (?) . إضافة إلى ذلك؛ فإن المرأة بسبب ما يطرأ عليها من العوارض الخلقية: كالحيض، والحمل، والنفاس فإنها لا تستطيع مباشرة أمورها العادية بسهولة ويسر؛ فكيف بمباشرة أمور أمة بكاملها. وقد ذكر الماوردي في شروط الإمامة: «سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض» (?) .
(?) احتج دعاة مشاركة المرأة في الولايات العامة بأن أبا يعلى الفراء لم يورد شرط الذكورية في شرائط الإمامة العظمى، وفاتهم أنه لا يرى جواز توليها منصب وزارة التنفيذ ولا ولاية القضاء؛ فكيف بمنصب الولاية العظمى؛ فهو بعد أن ذكر سبعة أوصاف فيمن يتولى وزارة التنفيذ قال: «ولا يجوز أن يقوم بذلك امرأة، وإن كان خبرها مقبولاً، لما تضمنه من معاني الولايات المصروفة عن النساء، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما أفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» (?) ، وفي ولاية المرأة القضاء قال: «فأما ولاية القضاء فلا يجوز تقليد القضاء إلا لمن كملت فيه سبع شرائط: الذكورية، البلوغ..» ، ثم عدّد السبعة، ثم قال: «أما الذكورية فلأن المرأة تنقص عن كمال الولايات وقبول الشهادات» (?) .
(?) إن هذا الحديث الصحيح يشير بوضوح إلى أن «الفلاح» يفتقده القوم الذين يولون أمرهم امرأة؛ فهل الفلاح مفقود قبل توليتهم لها، أم بعد توليتهم لها، أم من قبل ومن بعد؟ وقد ورد الحديث عند البخاري وغيره بلفظ: «لن يفلح» وعند أحمد في أحد رواياته بلفظ: «ما أفلح» (?) . إن المتمعن في اللفظ: «ما أفلح» ستنكشف له الحكمة المخبوءة من اختيار هذا التعبير النبوي المندرج في جوامع الكلم؛ إذ إنه يلقي الضوء على حال هؤلاء القوم الذين ضعفت فيهم الهمم، وقعدت بهم أسباب التخلف، واستوطنهم الوهن؛ فما بات رجالهم قادرين على القيام بأعباء نهوض أمتهم فانحط بهم ركبهم في وديان التردي إلى أن أصبحوا على مستوى أدنى من همم نسائهم في البذل والعطاء والعمل؛ فصار نساؤهم روادهم وقادتهم، فحالهم ذلك ليس من الفلاح في شيء؛ إذ لم يصبح نساؤهم رؤساءهم إلا لأن القوم «ما أفلحوا» .
فإذا ما تسلم النساء دفة القيادة وحُزنَ مواقع «الولايات» ، بما فيها «الولاية العظمى» ادلهمَّ الخطب، وعظمت المصيبة، وازداد تداعي الأمة في منحدرات التراجع والتقهقر، وأصبح القوم عن «الفلاح» في منأى؛ فهم لم يكونوا قبل ذلك مفلحين؛ إذ ولوا أمرهم امرأة، وما هم بعده سيكونون مفلحين؛ فقوله: «ما أفلح» وصف لحالهم فيما كانوا فيه، وقوله: «لن يفلح» وصف لحالهم فيما هم مقبلون عليه، وهم في الحالين ليسوا بمفلحين فتأمل!
(?) جاءت لفظة «قوم» في الحديث غير معرَّفة، أيَّ نكرة في سياق النفي فهي تعُمُّ، وفقه ذلك أن أي قوم يولون أمرهم امرأة ليسوا مفلحين، بغض النظر عن عقيدتهم أو جنسهم أو بلادهم أو زمانهم؛ فهو أمر مضطرد على الدوام. وسر ذلك ليس فقط فيما ذكرناه في البند (?) ؛ بل لأن وصول المرأة إلى هذا المركز الأول لم يأت من فراغ، بل هو محصلة عامة لوضع المرأة في ذلك المجتمع الذي سلك طريق الانفتاح الاجتماعي غير المنضبط بأي ضابط يضمن إطار ثباته، أو يحدد مساحة تموج حركته، فلا شك أن المجتمع الذي طوح برجاله عن مواقع المسؤولية، وأحل بدلهم نساءه هو مجتمع قد تخلت نساؤه عن القيام بواجباتهن المنزلية التربوية، وخرجن لممارسة الحياة العامة، أي أن البنية الأساسية لذلك المجتمع قد تخلخلت، ولبناته المكونة له قد انفرط عقدها ووهن تماسكها، وهذا يعني أنه في طريقه إلى التأخر، وأنه يختط سبيل التقهقر، بما يؤول به في النهاية إلى الانهيار ثم الاندثار. ويدل على صحة ما ذهبنا إليه أن جميع الدول التي سادت فيها النساء سواء في الدول النصرانية أو اللادينية، بل وحتى الدول الإسلامية قد أصابها هذا التفكك الأسري، ولكن ما أصاب الدول النصرانية أو اللادينية هو أكثر بكثير مما أصاب الدول الإسلامية؛ وسبب ذلك أن المرأة في تلك المجتمعات قد تخلت عن مهامها البيتية بالكلية؛ مما جعلها تتيه في صحراء العلاقات الآثمة؛ حيث تستنفد طاقاتها البناءة في الهدم الاجتماعي، وهذا لا يعني أنها تنكص عن حيازة الشهادات العلمية أو المشاركات السياسية، بل هي تفعل ذلك: أولاً لإثبات ذاتها في هذه المجالات الجديدة عليها، وثانياً لصرف الأنظار عن النتائج الوخيمة التي نجمت عن تركها لوظيفتها الأساسية، وقد أصبح معلوم لدى تلك المجتمعات وبعد تجاربها المريرة في هذا المضمار أنه ليس بالإمكان أن تجمع المرأة بين وظيفتها التربوية إزاء الأجيال الصاعدة وبين ممارسة المهام التي أرادت تقمصها عنوة. إنها بالتأكيد لن تستطيع فعل ذلك رغم الدعم اللامحدود الذي تحظى به من كافة المعنيين العلمانيين في جميع أنحاء العالم. ولذلك فإن أي «قوم» يصل بهم الحال إلى أن تتولى أمرهم امرأة لا بد لهم من الولوج عبر هذا النفق اللانهائي. إنه نفق الانخذال الاجتماعي والتزعزع الأسري؛ ولذلك فإنهم ليسوا في ساحة «الفلاح» بحال.
(?) إن لفظ «ولوا أمرهم» تناول طبيعة الصلاحية الممنوحة، سواء كانت: مطلقة كالحكم الديكتاتوري، أو مقيدة كالحكم الديمقراطي؛ فاللفظ شامل لهما جميعاً.
(?) باستثناء الولايات العامة التي ذكرتها فللمرأة أن تتولى ولايات أخرى في مختلف مجالات الحياة وفق الشروط التي ذكرتها بشأن خروج المرأة من المنزل. فيمكن أن تكون مديرة مدرسة بنات أو رئيسة مستشفى نسائي أو مسؤولة جمعية نسائية، وما شابه ذلك.
أقوال العلماء في تولي المرأة الولايات العامة:
اتفق العلماء على مضمون ما ذكرته بشأن تولي المرأة الولايات العامة، وهذه بعض أقوالهم:
(?) ابن حزم: قال في «المحلّى» في «كتاب الإمامة» : «ولا تحل الخلافة إلا لرجل من قريش» . ومنع ما سوى ذلك، ومنهم الصبي والمرأة، فقال: «وأما من لم يبلغ والمرأة فلقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رفع القلم عن ثلاث» ؛ فذكر الصبي، ثم ساق حديث أبي بكرة بلفظ: «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» (?) . وقال في «الفصل في الملل والأهواء والنحل» : «وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة» (?) .
(?) الجويني: نقلنا قوله: «فما نعلمه قطعاً أن النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة» (?) ؛ فإذا كان لا مدخل لهن في التخير؛ فمن باب أوْلى أن لا يكون لهن مدخل إلى منصب الإمامة، ولذلك عندما ذكر الإمام الجويني شروط الإمام قال: «ومن الصفات اللازمة المعتبرة الذكورة والحرية، ونحيزة العقل والبلوغ» (?) .
(?) أبو حامد الغزالي: قال في «فضائح الباطنية» وهو يعدد شروط الإمام: «الرابعة: الذكورية؛ فلا تنعقد الإمامة للمرأة وإن اتصفت بجميع خلال الكمال وصفات الاستقلال، وكيف تترشح امرأة لمنصب الإمامة وليس لها منصب القضاء ولا منصب الشهادة في أكثر الحكومات» (?) .
(?) الماوردي: نُقلت أقواله في «الأحكام السلطانية والولايات الدينية» (?) .
(?) أبو يعلى الفراء: نُقلت أقواله في «الأحكام السلطانية» (?) .
(?) البغوي: قال في «شرح السنة» : «اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماماً ولا قاضياً؛ لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور؛ ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال» (?) . قال ذلك في شرحه لحديث: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» .
(?) القاضي ابن رشد القرطبي: قال في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» : «فأما الصفات المشترطة في الجواز ـ يعني فيمن يجوز قضاؤه ـ فأن يكون حراً مسلماً بالغاً ذكراً عاقلاً عدلاً» ، ثم قال: «فمن رد قضاء المرأة شبَّهه بقضاء الإمامة الكبرى» (?) ؛ فإذا كان ذلك ممتنعاً لولاية القضاء فمن باب أوْلى امتناعه للولاية العامة.
(?) ابن قدامة: قال في «المغني» : «جملته أنه يشترط في القاضي ثلاثة شروط: أحدها الكمال، وهو نوعان: كمال الأحكام، وكمال الخلقة. أما كمال الأحكام فيعتبر في أربعة أشياء: أن يكون بالغاً، عاقلاً، حراً، ذكراً..» ثم رد على ابن جرير في عدم اشتراطه الذكورية؛ فقال: «ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» ؛ ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال، ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة، والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي، ليست أهلاً للحضور في محافل الرجال» ، ثم قال: «ولا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يول النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخلُ منه جميع الزمان غالباً» (?) .
(?) القرطبي: قال في تفسيره الشهير «الجامع لأحكام القرآن» : وأجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إماماً، وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما تجوز شهادتها فيه» (?) .
(?) العز بن عبد السلام: قال في «قواعد الأحكام» : «ولا يليق بالرجال الكاملة أديانهم وعقولهم أن تحكم عليهم النساء لنقصان عقولهن وأديانهن، وفي ذلك كسر لنخوة الرجال مع غلبة المفاسد فيما يحكم به النساء على الرجال، وقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (?) .
(?) ابن تيمية: قال في «مجموع الفتاوى» : «فإن الأئمة متفقون على أنه لا بد في المتولي من أن يكون عدلاً أهلاً للشهادة» (?) . ومعلوم أن المرأة ليست دائماً أهلاً للشهادة منفردة دون رجل، إلا فيما لا يعلمه إلا النساء وفي حالات أخرى. وقال في «منهاج السنة النبوية» : «وإذا كان أبو بكر أوْلى بعلم مثل ذلك ـ أي ميراث الأنبياء ـ وأوْلى بالعدل؛ فمن جعل فاطمة أعلم منه في ذلك وأعدل كان من أجهل الناس، لا سيما وجميع المسلمين الذين لا غرض لهم مع أبي بكر في هذه المسألة؛ فجميع أئمة الفقهاء عندهم أن الأنبياء لا يورثون مالاً، وكلهم يحب فاطمة، ويعظم قدرها رضي الله عنها، لكن لا يترك ما علموه من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا عن أقاربه، ولا عن غير أقاربه، وإنما أمرهم الله بطاعة الرسول وأتباعه، وقد ثبت عنه في الصحيحين ـ كذا ـ (?) أنه قال: «لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (?) ؛ فكيف يسوغ للأمة أن تعدل عما علمته من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما يحكى عن فاطمة في كونها طلبت الميراث، تظن أنها ترث» (?) .
(?) النووي: قال في «مغني المحتاج» : «فلا تولى امرأة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» ؛ ولأن النساء ناقصات عقل ودين» (?) .
(?) ابن حجر العسقلاني: نقلنا قوله في «الفتح» قبل ذلك (?) وقال في مكان آخر من «الفتح» : «والمنع من أن تلي (أي المرأة) الإمارة والقضاء قول الجمهور» (?) .
(?) الخطابي: قال: «الحديث ـ يقصد حديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ـ أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء» نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (?) .
(?) الشوكاني: قال في «نيل الأوطار» : «قوله: لن يفلح قوم ... إلخ، فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقوم توليتها؛ لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب» (?) .
وقال في «السيل الجرار» : «وأما كونه ذكراً ـ أي الإمام ـ فوجهه أن النساء ناقصات عقل ودين، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن كان كذلك لا يصلح لتدبير أمر الأمة؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في الصحيح: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (?) .
(?) الإمام الصنعاني: قال في «سبل السلام» بعد أن أورد حديث ـ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ـ: «فيه دليل على عدم جواز تولية المرأة شيئاً من الأحكام العامة بين المسلمين، وإن كان الشارع قد أثبت لها أنها راعية في بيت زوجها» ، ثم قال: «والحديث إخبار عن عدم فلاح من ولي أمرهم امرأة، وهم منهيون عن جلب عدم الفلاح لأنفسهم، بل مأمورون باكتساب ما يكون سبباً للفلاح» (?) ، وقال في موقع آخر من الكتاب بعد أن أورد حديث: «لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة لنفسها» رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وصححه الألباني في «الإرواء» (?) ، «فيه دليل على أن المرأة ليس لها ولاية في الإنكاح لنفسها ولا لغيرها، فلا عبارة لها في النكاح إيجاباً ولا قبولاً؛ فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيره، ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة ولا تقبل النكاح بولاية ولا وكالة، وهو قول الجمهور» (?) ؛ فمن كانت هذه حالها كيف لها تسلُّم مناصب الولايات العامة؟
(?) أبو العلى المباركفوري: نقل في «تحفة الأحوذي» ما ذكره الخطابي مما ذكرته آنفاً، ثم قال: «والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور» (?) .
(18) القرافي: قال في «الذخيرة» : «لم يسمع في عصر من الأعصار أن امرأة وليت القضاء، فكان ذلك إجماعاً؛ لأنه غير سبيل المؤمنين.. وقياساً على الإمامة العظمى» (?) .
(19) الشيخ سيد سابق: قال في «فقه السنة» : «فلا يصح قضاء المقلد ولا الكافر ولا الصغير ولا المجنون ولا الفاسق ولا المرأة لحديث أبي بكرة» ، ثم ذكر حديث: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (?) .
(20) النيسابوري: قال في «الإجماع» : «وأجمعوا على أن شهادتهن لا تقبل في الحدود» (?) ؛ فكيف تلي ولاية عامة وشهادتها في الحدود مردودة؟
(21) عبد الله بن عبد الرحمن البسام: قال في: «توضيح الأحكام» : «الحديث صحيح ـ يقصد حديث أبي بكرة: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ـ في عدم صحة ولاية المرأة، وأن الأمة التي توليها لن تصلح في أمور دينها ولا في أمور دنياها، وعدم صحة ولايتها هو مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، وذهب الحنفية إلى جواز توليتها الأحكام إلا الحدود، وقولهم مصادم للنص وللفطرة الربانية» (?) .
(22) الدهلوي: قال في «الحجة البالغة» : «اعلم أنه يشترط في الخليفة أن يكون عاقلاً بالغاً حراً ذكراً شجاعاً ذا رأي وسمع وبصر ونطق، وممن سلَّم الناس بشرفه وشرف قومه ولا يستنكفون عن طاعته.. وإذا وقع شيء من إهمال هذه رأوه خلاف ما ينبغي، وكرهته قلوبهم وسكتوا على غيظ، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- لما ولوا أمرهم امرأة، ثم ذكر الحديث» (?) .
(23) محمد صديق حسن خان القنوجي البخاري: قال في «الروضة الندية شرح الدرر البهية» بعد أن أورد حديث أبي موسى الصحيح «لا نكاح إلا بولي» (?) ، وحديث عائشة الصحيح: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل؛ فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» (?) قال: «وأما ولاية السلطان فثابتة بحديث: «إذا تشاجر الأولياء فالسلطان ولي من لا ولي لها» الحديث رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، وصححه الألباني في الإرواء» (?) ، قال الشافعي: لا يعقد نكاح امرأة إلا بعبارة الولي القريب، فإن لم يكن فبعبارة الولي البعيد، فإن لم يكن فبعبارة السلطان» (?) . فإذا عدمت المرأة الولي فوليها السلطان، فكيف إذاً يمكن أن تكون هي السلطان!
(24) مصطفى السباعي: قال في كتابه «المرأة بين الفقه والقانون» : «إني أعلم بكل صراحة أن اشتغال المرأة بالسياسة يقف الإسلام منه موقف النفور الشديد، إن لم أقل موقف التحريم، لا لعدم أهلية المرأة لذلك (كذا) ، بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عنه، وللمخالفات الصريحة لآداب الإسلام وأخلاقه، وللجناية البالغة على سلامة الأسرة وتماسكها، وانصراف المرأة عن معالجة شؤونها بكل هدوء وطمأنينة» (?) .
وبعد: فهذه أقوال لأربعة وعشرين عالماً على مر الدهور والعصور تبين بجلاء ووضوح أن المرأة المسلمة لا محل لها في المشاركات السياسية؛ لما يترتب على ذلك من ضياع للمسؤوليات المناطة بها؛ بما يؤدي إلى انفراط العقد الاجتماعي وتداعي البناء الإسلامي.
ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى كتاب «المرأة المسلمة والولايات العامة» لكاتب هذه السطور.
ما كان من الحق فمن الله وحده، وما كان غير ذلك فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.