الصفحة الأخيرة
عبد القادر حامد
إن الشكلية جسم بلا روح، ففي الأعمال؛ إذا لم يكن هناك إخلاص؛ يفقد
العمل قيمته وتأثيره، فالإخلاص هو روح كل عمل، العبادة - مثلاً - إذا لم تكن
قائمة على إخلاصها لله، وتنبثق من تحرير القصد له وحده -عز وجل- لاتقبل ولا
تثمر أثراً، وتصبح مجرد حركات عضلية وتمتمات لسانية قد ينخدع بها من يراها، ولكن الله تعالى لا يعدها شيئاً، ولا يعبأ بصاحبها ولا يقيم له وزناً.
وقل مثل ذلك في المبادئ؛ كل مبدأ له حقيقة هي روحه، خذ الديمقراطية
التي يتغنى بها الكثير من المسلمين، ويتصورونها المنقذ، فقد استوردوا شكلها ولم
يستطيعوا استيراد روحها، (ربما لغرابة هذه الروح عن محيطهم في أصل منشئها!) فصار عندهم قانون انتخاب، وأبنية يطلق عليها اسم البرلمانات أو مجالس
الشعب أو الأمة، وأشخاص يطلق عليهم اسم نواب وممثلين، ومعارك انتخابية،
وصناديق وبطاقات اقتراع، وغيرها من مفردات الديمقراطية، ولجان برلمانية،
وقوانين تقدم لإقرارها أو رفضها.
إن كل أشكال ورموز الديمقراطية قد تجدها هنا، أو هناك في عالمنا العربي
والإسلامي، ولكن شيئاً واحداً مفقود لا تحس له ظلاً، ولا تشم له رائحة وهو
الروح في هذه المفردات والأشكال، الروح التي توفر الكرامة، وتلبي الرغبة
المشروعة، وترفع الرؤوس التي كادت تعتاد الانحناء من تواتر الظلم والقهر.
وإذا انفقت عمرك تبحث عن هذه الروح المفقودة فلن تجدها، لأن ما
استوردناه في الأصل استوردناه جسداً بلا روح، وكنا مثل بني إسرائيل حينما أتوا
على قوم يعكفون على أصنام لهم، [قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ
إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ
اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إلَهاً وهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العَالَمِينَ] [الأعراف: 138-140]