* ومن الأخ أحمد منصور المنصور من الرياض جاءتنا هذه المساهمة:
لا تعجز اليوم أن تجد في الأمة متكلمين كثيرين يحسنون تنميق الكلام
ويتشدقون به، ولكنك ستجد مشقة وعناء في الحصول على من يعمل بعلمه،
فهؤلاء وجودهم عزيز وهم في الأمة قليل، وعلمهم حجة لهم لا عليهم، وسواهم
ممن لا يعمل بعلمه علمهم حجة عليهم يوم القيامة.
ولقد كان سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم- لا يتجاوزون العشر آيات من
القرآن حتى يعرفوا معانيهن ويعملوا بهن، وعلى هذا فالاقتصاد في الوعظ من هدي
النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن أبي وائل شقيق ابن سلمة قال كان ابن
مسعود -رضي الله عنه- يذكرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني اكره أن أملكم،
وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها
مخافة السآمة علينا. متفق عليه.
وعن أبي اليقظان عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة
من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة» رواه مسلم.
فانظر رحمك الله كيف جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - طول صلاة
الرجل وكثرة عمله، وقصر خطبة وقلة كلامه؛ علامة على فقهه، وما أكثر تعليم
النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته وأمره إياهم أن يفعلوا فعله في مثل قوله -
صلى الله عليه وسلم -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله - صلى الله عليه
وسلم-: «خذو عني مناسككم» ، وصدق الله العظيم إذ يقول: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً] .
فهل يعي هذا المسلمون عامة والدعاة منهم خاصة، فرب داعٍ إلى الله بخلقه
وعمله قبل دعوته لهم بكلامه ومثل هذا دونه خرط القتاد، فنحن اليوم أحوج ما
نكون إلى أمثال هؤلاء، إلى من يكون قدوة حسنة تتمثل فيه تعاليم الكتاب والسنة
كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم
الآخر، نسأل الله -عز وجل- أن يمن على الأمة بأمثال هؤلاء إنه جواد كريم.