عبد الله موسى بيلا
مِنَ الخُلْدِ.. أمْ مِن شاطئِ الغيبِ تُسفِرُ
صباحاتُ أيَّامٍ مِنَ النُورِ تُبهِرُ؟
تُنيرُ دَياجي النفسِ كالوحي مُشرِقاً
كما ضاءَ في الإظلامِ ماسٌ وجَوهَرُ
وينسابُ مِنها البِشرُ في كُلٍّ كائِنٍ
ويسري مَعَ الأنسام مسكٌ وعنبرٌ
وتجري مَعَ الأرياح أرواح هائِمٍ
تَخُبُّ بِبَرِّ الشوقِ حِيناً، وتُِبحرُ
فتُصبِحُ في دَيمُومةِ الحُبِّ والهوى
وتُمسي ببحرٍ بالتباريح يزخَرُ
تَصُبُّ على الأفهام مِن فَيضِ جُودِها
يقيناً ... وآمالاً عِظاماً تُفجِّرُ
فيِخشَعُ هذا الكونُ لِلَّهِ إذْ هفا
وأبدى مِنَ اللوعاتِ ما كانَ يُستَرُ
وطافَتْ على النورِ الإلهيِّ زُمرةٌ
كساها مِنَ الإيمانِ ثوبٌ ومِئزَرُ
تَغَنَّتْ ـ وما إثمٌ عليها ـ وزَغرَدَتْ
وهامَتْ بضيفٍٍ بالعطايا يُبشِّرُ
فأهلاً به يشدو بها كُلُّ طائرٍ
ومرحى بِهِ يَزهو به اليومَ مِنبَرُ
وَفَدْتَ أيا شَهْرَ التراتيلِ والهُدى
تُفَسِّرُ مِن لَوعاتِنا ما تُفسِّرُ
تَمُدُّ حِبالَ الوصل بينك والورى
بِصومٍ ... وأنفاسٍ إلى اللهِ تَجْأَرُ
لَك اللهُ.. يا شهراً أفاءَتْ بِظِلِّهِ
قُلُوبٌ على حَقلِ الخطيئاتِ تُزهِرُ
أتَتْكَ.. فَكُن برداً لها مِن ضرامِها
وملجأهَا ممّا تخاَفُ.. وتحذَرُ
وصُنها بِحِصنِ الصومِ عن كُلِّ مُوبِقٍ
فقد عَمَّها بحرٌ مِن الخوفِ أحمرُ
وكُنْ في خِضِمِّ الكونِ للخلقِ مَوئِلاَ
وجِسراً.. على أعجازِهِ الناسُ تَعْبُرُ
ألا أَيُّهذا الشهرُ أغدِق فضائِلاً
على كُلِّ مسكينٍ على العُدمِ يُفطِرُ
وأيقِظْ قلُوبَ الأغنياءِ لِيَذْكُروا
أُناساً على الإملاقٍ والجُوع تصبرُ
ففيكَ مِن الآياتِ للخلقِ غُنيةٌ
ومَوعظةٌ لو في عطاياكَ فكَّروا
أيا شهرَ نَصْر الدينِ في كُلِّ وَقعةٍ
يَقُودُ أُسودَ الحربِ فيها غَضَنْفَرُ
ببدرٍ ... وأملاكُ السما في دُروعِها
وفي كفِّها الأسيافُ للهامِ تَسْبُرُ
بمكةَ يومَ الفتحِ تسري ركائِبٌ
إلى النصرِ ... والإسلامُ أعلى وأظهَرُ
محمدُ يحدُوها.. وقد زاغَ باطِلٌ
وكُلُّ لِسانِ الخلقِ ... اللَّهُ أكبَرُ
وحِطِّينَ.. إذْ جَلَّى صلاحٌ عَنِ الدُنا
وعن قُدسِنا رِجساً على الطُهْرِ يَظهَرُ
ولكنْ.. أَجِلْ طَرْفاً علينا فلن ترى
عُيوناً لنا في عِزَّةِ الدينِ تنظُرُ
وسائِلْ بلادَ القُدسِ.. ماذا أصابها؟
وهل بينَ أهلِ الدينِ مَن سوفَ يَنصُرُ؟
وقد أصبَحَتْ مأوى اليهودِ.. ومَوطِناً
على سَفْحِهِ كُلُّ المُروءاتِ تُقبَرُ
وجالَت على أرضِ العراقِ عِصابةٌ
مِن الكُفرِ والعُدوانِ والظُلمِ تَفْجُرُ
فَذَلَّتْ رِقابُ المسلمينَ وأَذْعَنْتْ
وداسَ عليها كافِرٌ يتبختَرُ
سِهامُ الأعادي في حشاها كثيرةٌ
ولكنْ.. سهام الأهلِ والصَحْبِ أكثَرُ
فَأَيَّ سِهام في الوغى سوف تتقي..؟
وأيَّ يَدٍ منّانةٍ سوفَ تَشْكُرُ؟
أتيت أيا شهرَ التباشيرِ بالتُّقى
تزُورُ لِماماً.. والهوى فيكَ أخضَرُ
فَلَيلُكَ قُرآنٌ ... وإخباتُ خاشِعٍ
وصُبحُكَ أضواءٌ مِنَ اللهِ تُسفِرُ
حَنانَيكَ.. لا تَرحَلْ عن الكونِ، فالنُّهى
بِحُبِّكَ يا شَهْرَ السَناءَاتِ تَسكَرُ
يَلُوحُ عليها اليومَ مِن بَعدِكَ الأسى
عليكَ.. وما تخُفي مِنَ الوَجْدِ أكبَرُ
فَحُطها بِكفِّ العطفِ والحُبِّ والرِضا
فَكفُّكَ غَيثٌ مِن يَدِ العفوِ يُمطِرُ
فيا أيُّها الشهرُ الذي فيكَ أشهرٌ
ويا أيُّها الدهرُ الذي فيكَ أدْهرُ..!
بِمَن تزدَهي الدُنيا ـ سواكَ ـ وتنتشي
وأنتَ لِكُلِّ الكونِ عِزٌّ ومَفْخَرُ؟
وقد تعتري وجهَ الزمانِ مصائِبٌ
تُغِيرُ على أيَِامِهِ ... وتُكَدِّرُ
وأنت.. كما كُنتَ؛ ما زِلتَ باسِماً
ووجهُكَ ـ رغمَ الدهرِ ـ ريَّانُ أنْضَرُ
فَعُدْ.. مِثلما قد جِئتَ ضيفاً مُكرَّماً
تُعَمِّرُ مِن بُنيانِنا ما تُعَمِّرُ
لَكَ اللَّهُ.. يا رفداً مِنَ اللهِ للورى
وبحراً مِن الغُفرانِ.. للخَلقِ يَغمُرُ
فَمِثلُكَ شهرٌ لا تُوَفَّى حُقوقُهُ
وعن مَدْحِهِ كُلُّ الأقاويلِ تَقصُرُ