مشعل الزهراني
تقابلنا في مصادفة غريبة، وكانت هي البداية، أحببتها ولم أدر ما شعورها تجاهي!.. رسمتُ مستقبلي معها ولا أدري ماذا سيكون مصيري! نظرت إليها بإمعان فإذا بي أرى حزناً غريباً يؤرقها، وألماً كبيراً يكسرها، لم أتمالك نفسي حينها، ولم أدع لفكري حدوداً في معرفة أسباب ذلك الحزن وذلك الألم الذي كان مرسوماً في كل جزء من جسمها.... حاولت الحديث معها ... فحالت بيني وبينها المسافات، حاولت مناداتها فلم أعرف لها اسماً، ولم أعرف لذلك الألم سبباً.
تلاشت عن أنظاري ولسان حالها يقول: «سأبقى لك ذكرى وقصة حزن لا تُنسى» .
مضت بي الأيام والسنون بما تحمله من أفراح وأحزان وآلام. فعندما أفرح أتذكر جميلتي القديمة وحسنها الجميل، وعندما أحزن وأتألم أتذكر ذلك الحزن والألم الذي لم أعرف له سبباً ... حاولت أن أنسى جميلتي فكان الإخفاق حليفي في كل سنيني.
شعرت بضيق فقررت الخروج من غرفتي، وعند بابها نظرت للمرآة، رأيت وجهاً شاحباً تجاعيده واضحة، وهرمه محزن، اقتربت من مرآتي مناجياً كعادتي ... كيف ستكون جميلتك إن كانت على قيد الحياة؟ ... وبابتسامة ساخرة ... لن تكون أحسن مني حالاً.
ولكن لماذا لم أنسها؟ ولماذا ذلك الحزن والألم الذي كانت فيه؟
آآآه ... إنني ما زلت أحدّث مرآتي كعادتي قبل خروجي، مكثتُ أنظر في أطراف مرآتي أبحث عن أجوبة لأسئلتي مبحراً بخيالي في أعماقها كعادتي، وإذا بطفلي الصغير يقطع كل أفكاري بصوت مرتفع ... إنهم يعذبونها ويقتلون أولادها أمامها ... أقبلت مذعوراً إلى باب غرفتي سألته: ماذا هناك يا بني؟
فأجابني بعبرة تخنق صوته البريء: انظر يا أبي!
فكانت المفاجأة!! إنها جميلتي القديمة وحبي الماضي الحزين رأيتها مجدداً بعد كل هذه السنين، إنها ما زالت جميلة ولكنها أسوأ حالاً مما مضى، فحزنها شديد، ودماؤها تسيل، أبناؤها مقتولون حولها، تضم هذا تارة وتبكي على هذا أخرى ... لم أشعر بنفسي وقتها ولم أتمالك أعصابي، قطبت جبيني من الخوف والشهقة تملأ صدري!! من فعل بك كل هذا؟ لماذا يقتلون كل أولادك؟
وكانت أول كلمة أسمعها منها: «أنجدوني!» إنهم يتجهون نحوي ... نظرت في دهشة وخوف، فإذا بمجموعة من متوحشي البشر يتجهون نحوها، ويمسكون بها والفرحة تعلو محياهم، فأخذوا يضربونها ويعذبونها، بدت ملامحها الجميلة تتلاشى وتنتهي عندما شرعوا في تمزيق جسدها بكل وحشية وقسوة.
أقبلت مسرعاً نحوها، أحاول مساعدتها وهي تنظر إليّ وكأنها تقول: (لقد تقطعت خيوط الأمل لدي ... ماذا سيصنع لي شيخ بلغ من العمر عتياً..؟
صرخت قائلاً: أرجوك أخبريني من تكونين ... ؟
عندها أقفل طفلي الشاشة الصغيرة والدموع على خديه وهو يقول: إنها فلسطين الجريحة يا أبي ... !
عندها أدركت عدم نسياني لها، وأيقنت أن الأمل ما زال موجوداً في دموع طفلي الصغير الذي سيخلّص جميلتي من كربها بعد عون الله له.