مجله البيان (صفحة 5031)

الإسلاميون.. كيف ينظرون إلي المستقبل؟

إعداد: أحمد فهمي

(2)

نشرت مجلة البيان في عدد سابق (201) تحقيقاً موسعاً شارك فيه نخبة من قادة ورموز العمل الإسلامي في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وكان موضوع التحقيق: الرؤية المستقبلية للإسلاميين حول عدد من قضايا العمل الإسلامي الداخلية، وقد وردت إلينا مشاركات جديدة من شيوخ وأساتذة فضلاء ينتمون إلى عدد من الدول العربية، وهي: السودان، الأردن، تونس، اليمن، مصر، ننشرها في هذ العدد ملتزمين نفس السياق الموضوعي ومنهج العرض في الجزء الأول من التحقيق، آملين أن نكون قد وفينا هذا الموضوع حقه، مع التأكيد على أن باب المشاركة مفتوح لكل من يمتلك رؤية واضحة وجديدة في هذا الشأن الهام من شؤون العمل الإسلامي، والله الموفق.

المشاركون في الجزء الثاني من التحقيق:

الشيخ صادق عبد الماجد: المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في السودان.

الدكتور همام عبد الرحيم سعيد: نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن.

الشيخ محمد الهادي الزمزمي: قيادي بارز في حركة النهضة التونسية.

الشيخ محمد الصادق المغلس المراني: عضو سابق في مجلس النواب اليمني، وعضو مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح.

الشيخ أحمد المعلم: من علماء الدعوة السلفية في اليمن.

الدكتور عبد الستار سعيد فتح الله: أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر.

الدكتور مصطفى حلمي: أستاذ الفلسفة والعقيدة، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

س1: ما هو مستقبل التعاون والتنسيق بين الحركات الإسلامية في الأفكار أو المواقف أو المناهج؟

بداية يتفق جميع المشاركين على أن الحركات الإسلامية لها حظ وافر من الخلاف باعتبار التاريخ والواقع، ولكن عند الحديث عن المستقبل تتفاوت الآراء بين التفاؤل بتقارب وشيك، وبين الاعتراف بصعوبة التعاون أو التنسيق. يقول الشيخ محمد الزمزمي: «شهدت الساحة الإسلامية اختلافات كبيرة أفضت في كثير من الأحيان إلى خصومات ومنازعات بين الحركات الإسلامية؛ وهو ما أضعف فرص التعاون والتنسيق بينها على صعيد القطر الواحد فضلاً عن التعاون بينها على صعيد العالم الإسلامي» . واللافت هنا أن أغلب المشاركين يتفقون على أن الأحداث الجارية والأخطار المحدقة بالأمة تمثل عاملاً رئيساً في نشأة أنماط مختلفة من التنسيق بين الإسلاميين، فيقول الدكتور همام سعيد: «على الصعيد الفكري والنظري اقتربت الحركات الإسلامية من بعضها؛ فالحركات التي كانت تعيب التنظيم والقيادة أصبحت مقتنعة بهذه الجوانب، والحركات التي كانت تهاجم العمل السياسي أصبحت أقرب وأكثر اهتماماً بهذا الجانب، وقد اقتربت الحركات من بعضها بعد سعار الهجمة على الإسلام وحركاته» . ويقدم لنا الشيخ صادق عبد الماجد مثالاً عملياً من السودان، فيقول: «من الخصائص التي أنعم الله بها على الأمة الإسلامية في السودان، أنهم يقتربون دائماً في المواقف الخلافية دون عناء وبلا جهد مبذول في هذا السبيل» .

أما عن المستقبل فيقول الشيخ زمزمي مبدياً بعض التفاؤل الحذر: «من المتوقع أن نشهد مظاهر للتعاون والتنسيق المتدرج في المواقف والأفكار والمناهج بين الحركات الإسلامية نظراً للأخطار الخارجية والداخلية المحدقة بالدين الإسلامي والأمة الإسلامية، وتبعاً لذلك الحركات الإسلامية» إلا أنه يربط هذا التطور الإيجابي بـ «قدر تنامي وعي هذه الحركات الإسلامية بالأخطار والتحديات والمخططات المعادية للإسلام والأمة الإسلامية» . ويعطي الشيخ صادق دفعة تفاؤل أكبر بقوله: «يمكن الاطمئنان لهذا التعاون والتنسيق مستقبلاً» .

وعلى الجانب الآخر فإن الشيخ محمد الصادق ليس متفائلاً إلى هذه الدرجة؛ إذ يقول إنه: «لا توجد بوادر مشجعة في هذا الباب، وليس من المتوقع في المستقبل القريب أن يحدث تنسيق حقيقي» . ويوافقه الشيخ أحمد المعلم فيما يتعلق باختلاف في الأفكار والتصورات والمواقف؛ إذ يتوقع: «توسعه نظراً لكثرة المستجدات والنوازل التي من الصعب أن ينظر إليها العلماء والباحثون نظرة موحدة، إضافة إلى الشبهات الكبيرة التي يطرحها الأعداء والتي قد يغفل عنها بعضهم ويدركها بعض آخرون» ، أما الدكتور عبد الستار فيؤكد على أن: «مستقبل التعاون بين هذه الحركات يتوقف على الفهم الحقيقي للإسلام» .

ويقدم الشيخ محمد الصادق رؤية تحليلية لأسباب ضعف احتمالات التنسيق الحقيقي بين الإسلاميين، فيرجع ذلك أولاً إلى أن هذا المستوى من التنسيق يفتقر إلى: «جديّة في مراجعة الأفكار أو المواقف أو المناهج، ويحتاج إلى تنازل عما يظهر خطؤه من ذلك، أو عدم أهميته، أو عدم جدواه لكي يتم التوافق» . ولكن الواقع يبدو بعيداً عن هذه المتطلبات؛ لأن «النفوس التي اعتادت فكراً معيناً، وعُرفت بموقف محدد يصعب عليها التراجع والتنازل، بل ربما يصعب التقييم وإعادة النظر؛ لأن هذه الأمور صارت من المسلّمات، وربما تخشى القيادات بالذات أن يُعتبر ذلك منها إدانة لماضيها، وهي ما انفكّت تعبّئ الصف وتُطَمْئنُهُ بالمكاسب والمنجزات وسلامة السير، وتزرع فيه الثقة بالقيادة المسدَّدة» ثم يقول: «إن الفكرة والموقف ـ وأعمق منهما المنهج ـ تعتبر كلها من مكونات الشخصية الطبيعية للفرد، أو الشخصية الاعتبارية للجماعة والحركة، وفي نظر الكثيرين يستوي أن تتنازل عن فكرتك أو موقفك أو منهجك، أو تتنازل عن موقع شخصيتك، ومكانتها في المجتمع، وكما يصعب الأخير يصعب الأول، إلا عند الذين تربَّوْا تربية فريدة وصاروا قوّامين بالقسط؛ بحيث صار القسط والحق أحب إليهم من شخصياتهم ومواقفهم» . ويتهم الشيخ محمد الصادق بعض الإسلاميين بأن الحظ الدنيوي له تأثير على أدائهم ومن ثم على احتمالات التقارب والتعاون، فيقول: «إننا نجد قياداتِ وأتباع الجماعات الإسلامية المتعددة يتسامحون في الصلاة بعضهم خلف بعض، ويقبل كلٌّ منهم اجتهاد الآخر في أمور الصلاة، وذلك لعدم ظهور الحظ الدنيوي والمصلحة العاجلة ـ فيما يبدو ـ في حين لا نجد أن جماعة تتنازل لجماعة أخرى فتعتمد منهجها في صفوفها حتى تتم الوحدة والالتئام، ولم نسمع كذلك أن جماعة إسلامية تنازلت قيادتها لكي تترك لقيادة الجماعة الأخرى أن تقود الجماعتين. وذلك كما يبدو لاختلاط المصلحة والحظ الدنيوي هنا بأمور الدين لدى بعض القيادات، وحتى لو فكرت بعض القيادات بالتنازل فقد تجد الصدّ من الزملاء ثم التهميش» . ويقدم الشيخ محمد الصادق سبباً آخر غير الحظ الدنيوي، فيقول: «وقد لا توجد شائبةُ حظ دنيوي في خلْفية الخلاف بين الجماعات المنتمية للسنة، ويكون الدافع دينياً محضاً، ولكن شائبَتَهُ في الحقيقة هنا هي الجهل بأدب الخلاف» ، وفي النهاية فإنه يفتح باباً للأمل بقوله: «ومع ذلك فلا يجوز اليأس، ويجب على الصالحين في هذه الجماعات ـ وهم كثير إن شاء الله ـ أن يكون همُّهم الأكبر هو جمع الأمة في كيان واحد، وليس الحفاظ على الكيان الجزئي للحركة أو الجماعة، ويجب عليهم أن يأخذوا بجميع الأسباب الممكنة لجمع الكلمة، وأن يعملوا على مدّ الجسور مع الصالحين في سائرالجماعات حتى يوجِدوا رأياً عامّاً» .

س2: هل حدث تراجع في العمل الدعوي التربوي في السنوات الأخيرة؟ وما هي الأسباب إن وجدت؟

يؤكد جميع المشاركين في هذا الجزء من التحقيق على أن هناك تراجعاً كبيراً في العمل الدعوي والتربوي، وقدموا لذلك مجموعة كبيرة من الأسباب نذكر أهمها مرتبة حسب قائلها:

الشيخ صادق عبد الماجد: «الخلافات التي بدأت تطل برأسها بعد مضي ربع قرن من بداية هذه المسيرة. بدأت القلوب تأخذ بالتدرج وجهةً غير التي كانت. جانب كبير من الوقت ينصرف في غير طائل. اتجهت النفوس أو بعضها ليصيبها بعض الوهن» .

الدكتور همام سعيد: «هناك عوامل داخلية منها: «غلبة الشأن السياسي والإداري والاقتصادي على الشأن الدعوي والتربوي، وقيام العمل التربوي على عاتق شباب صغار السن لا يملكون التجربة الكافية، وضعف الناحية الإيمانية والروحية لدى هؤلاء المربين، والاعتماد على الجانب النظري أكثر من الجانب السلوكي، وضعف العلاقة بين المربين والمتلقين، وضعف الملازمة والصحبة بين الجهتين، وضعف القدوة وإن وجدت فعلى ندرة، وأخيراً استعجال الثمرة قبل نضجها» .

وأما العوامل الخارجية، فمنها: «التضييق الرسمي على مجالات العمل الإسلامي التربوي والدعوي» .

الشيخ محمد الزمزمي:

` الأسباب الداخلية:

- سيطرة التيارات العلمانية على النظم التعليمية والإعلامية في معظم البلاد العربية.

- إخضاع الأئمة والمساجد لنظم وقوانين تحدّ من رسالة المسجد الدعوية والتربوية.

- جمود كثير من الدعاة والخطباء على أساليب وأنماط وموضوعات لا تحرك المشاعر والقلوب، ولا تستجيب لهموم الشباب، ولا تعالج مشاكل المجتمع.

- القطيعة بين الدعاة والمجتمع بمختلف فئاته.

- التأثير السلبي للخلافات المذهبية والاختلافات الفقهية بين المشائخ والدعاة.

- غلبة الهم السياسي على نشاط كثير من الدعاة والحركات الإسلامية.

- تدهور الوضع الاقتصادي للمجتمع العربي والإسلامي، وضيق سبل المعيشة وانشغال الناس بالبحث عن موارد الرزق دون اعتبار للضوابط الشرعية.

- الترف الفاحش في بعض الطبقات الاجتماعية، والفقر المدقع في معظم المجتمعات العربية والإسلامية.

- استشراء النزعة المادية والتكاثر والتنافس على متاع الدنيا وزخرفها.

- التأثير الخطير للإعلام الحر والرسمي الهابط الذي أشاع في مجتمعاتنا الفاحشة بواسطة الإعلانات التجارية، المسلسلات، الأفلام، الجنس، المسرح، القمار ... إلخ.

- انتشار النوادي والمقاهي والملاهي وتركيز الإعلام على برامج اللهو والإغراء: سوبر ستار، بيغ بروذر، نجوم الفن والمسرح والسينما والكرة، مسابقات في الجمال في السيارات في الألعاب ... إلخ.

` أما الأسباب الخارجية فذكر منها:

- نظام العولمة وما انجرَّ عنه من تطور حركة الاتصال وتبادل المعلومات، وهو ما جعل عالمنا العربي الإسلامي منطقة نفوذ لسلطان العولمة وتأثيراتها المختلفة.

- الاستخدام السيئ لشبكة الإنترنت وما تحتوي عليه من مواقع الفتنة والإغراء والفساد.

- الهجمة الغربية الشرسة على الإسلام باسم مقاومة الإرهاب وما أثارته من ذعر في ضعاف النفوس.

- القنوات الفضائية الأجنبية المتخصصة في بث أفلام الجنس والفسق والإباحية.

- السياحة وتأثيرها السلبي في الشباب من الجنسين.

- تغلغل التيارات الهدامة كالروتاري ونوادي الليونز وغيرها من المنظمات والجمعيات السرية الأجنبية في المجتمع العربي، وظهورها بمسميات وهمية لاستقطاب الشباب والكفاءات

الشيخ محمد الصادق: «هذه الجماعات شأنها كشأن الكائن الفرد: تبدأ بحيويّة وصحة، ثم تُرَدُّ إلى أرذل العمر إذا لم يواكب استمرارَها تجديدٌ دائم. قال ـ تعالى ـ: {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16] . فهذا أبرز الأسباب في التراجع، ويتفرّع عنه أن يختفي المؤسسون المتميزون بروح التجديد، ويخلُُفُهم من هم دونهم، ومع تعاقب السنين تزداد الدُّونيّة، ثم تنشأ مصالح وأهواء تساوي أو تقلّ أو تزيد عن الغايات السامية بحسب الظروف» .

الشيخ أحمد المعلم: «الهجمة الشرسة، والحرب الظالمة على الدعوة والصحوة الإسلامية تحت مسمى (محاربة الإرهاب) . انشغال أكثر العاملين بالدعوة والتوجيه والتربية بالمستجدات ومتابعتها وردود الأفعال إزاءها عن وظيفتهم الأساسية في التربية العلمية والإيمانية لمن خلفهم من إخوانهم وأبنائهم» .

الدكتورعبد الستار: «الانشغال بالجدليات. التوسع في تناول القضايا الجزئية على حساب القضايا الكلية الأساسية. جو التخويف وعدم الطمأنينة والأمن وهو جو لازم للازدهار الحقيقي والإنتاج الحقيقي في الأفكار والأعمال» .

س3: هل تراجع دور العلماء - وتواجدهم - بين نخبة العمل الإسلامي وقياداته؟ لماذا؟ وهل يستمر ذلك مستقبلاً؟

انقسم ضيوفنا الأفاضل في هذه القضية إلى رأيين: أولهما اختارته الأغلبية ويؤكد على تراجع دور العلماء، وثانيهما اختاره الشيخ صادق عبد الماجد؛ حيث اعتبر أن: «دورهم لم يتراجع بالقدر الذي يدعو إلى القلق، بل هم يسهمون بدور فاعل في مناسبات شتى كلما اقتضى الأمر ذلك» .

وعلى صعيد القائلين بتراجع دور العلماء؛ فإن بعضهم قرن بين هذا التراجع ونشأة ومسيرة الحركات الإسلامية، فقال الدكتور همام: «دور العلماء كان ضعيفاً منذ بدأت الحركات الإسلامية الحديثة، وقد بدأ دور العلماء يكبر ويتسع، ولكنه لم يصل إلى دور العلماء الربانيين» . وينظر الشيخ محمد الصادق نظرة أخرى حيث يعتبر أن دور العلماء في البداية كان أفضل، فيقول: «الجماعات الإسلامية أسّسها في الغالب علماء أو أناس يعرفون للعلماء مكانتهم ويجعلونهم مرجعيّتهم، ومع مرور الأيام ولمّا كنا في آخر الزمان والعلم الشرعي يُقبَض بموت العلماء كما في الحديث المتفق عليه، فإنه قد قلّ عدد العلماء العاملين، وتوزّعوا ـ على ِقلّتهم ـ في سعة العالم الإسلامي، ثم توزّعوا مرةً أخرى ما بين مستقلين ومنتمين إلى جماعات، فصار الموجودون في أي جماعة قليلاً من قليلٍ من قليل» .

أما عن أسباب هذا التراجع فقد طرح المشاركون عدة أسباب تقدم في مجموعها رؤية تحليلية وافية لهذه القضية، فيقول الدكتور همام إن تراجع دور العلماء يرجع في الأساس إلى: «خلل في تكوين العالِم وفي ممارسته لدوره؛ حيث يغلب عليه العمل الوظيفي الرسمي وطلب المعاش والبحث عن الرزق، والأصل تحقيق الكفاءة العلمية والكفاية للعلماء دون ترف أو إسراف» ويدعو إلى تأسيس «مشروع واسع لإعداد العلماء واختيار الصالح منهم لقيادة الأعمال التربوية والدعوية» .

أما الشيخ محمد الزمزمي: فيقدم خمسة أسباب لهذا التراجع، وهي: «سكوت معظم العلماء عن المظالم والمفاسد الواقعة في بلدهم، مما أسقط هيبة أولئك العلماء من أعين الناس وجعلهم موضع تهمة، وأفقد الثقة بهم وبأقوالهم وفتاواهم، بل جعلهم موضع كُره وسُخط شباب الصحوة الإسلامية عامة والحركة الإسلامية خاصة. نأي كثير من العلماء عن نخبة العمل الإسلامي وقياداته لأسباب مختلفة إما اعتباراً لاختلاف منهجي أو فكري معها، أو خلاف شخصي مع بعض قادتها؛ وإما إيثاراً للسلامة، وإما تحقيقاً لمكاسب دنيوية أو تأميناً لمناصب رسمية. نقمة بعض العلماء من الحركات الإسلامية واتهامها بالتغرير بالشباب واستعداء الحكام وإلحاق الضرر بالدين، ومنهم من يعدُّ قيام حركة إسلامية في بلده نوعاً من البدعة في الدين، واتهامهم قياداتها بتسييس الدين لتحقيق مآرب شخصية، وموقف هؤلاء العلماء السلبي من الصحوة والحركة الإسلامية وقياداتها جرّ عزلة هؤلاء العلماء عن نخبة العمل الإسلامي وقياداته كما عزلهم عن جمهور شباب الصحوة الإسلامية. حصر بعض العلماء همهم وخطابهم في عرض المظاهر الشركية كمسألة القبور والتوسل والقضايا الفقهية الخلافية كالنقاب وإسبال الإزار ونحو ذلك، متجاهلين الكوارث الواقعة في الأمة غير آبهين بهموم الأمة وقضاياها المصيرية الكبرى» .

ويتحدث الشيخ محمد الصادق: عن سبب آخر يراه مؤثراً: «فقد غلب الحركيّون الكُثر في الجماعات على القلة القليلة من العلماء في كل جماعة، لا سيما مع زهد العلماء العاملين في الصدارة، فتصدّر الحركيون غالباً، ورغم أن الشرائح المختلفة داخل كل جماعة لها كياناتها المعبّرة عنها؛ فإن العلماء لا يوجد لهم الكيان الذي يجمعهم؛ لأنه إذا جمعهم كيان فسوف يكون له - بخلاف الكيانات الأخرى ـ ثقله القيادي التلقائي المنبثق من ثقل الشريعة التي يحملون التخصص فيها، ولذلك لا يوجَد في الغالب مثل هذا الكيان ولا يُسْمَح به، ويبقى العلماء أوزاعاً داخل الجماعات وخارجها» .

أما الشيخ أحمد المعلم: فيقدم سببين:

أولهما: «ضعف موقف العلماء تجاه المستجدات وتقصيرهم في أداء واجبهم وإذعان بعضهم لأهواء الأنظمة» .

وثانيهما: «تصدُّر بعض الشخصيات المتحمسة للقيام إزاء مآسي المسلمين ومواجهتها أو دعوى ذلك مما جعل كثيراً من الدعاة وشباب الصحوة يُخْدَعون بذلك ويجعلون أولئك المتحمسين محل العلماء ويصدقونهم فيما يقولون عن العلماء» .

ويقول الدكتور عبد الستار: إن «تصدُّر علماء لا يحسنون التربية ولا يتقون الله ـ عز وجل ـ كان سبباً في تراجع دور العلماء بصورة عامة» .

وفيما يتعلق بالرؤية المستقبلية لدور العلماء كما يراه الإسلاميون، فلا يبدو الشيخ محمد الزمزمي متفائلاً؛ حيث يقول: «من المتوقع أن يستفحل تراجع دور هؤلاء العلماء وحضورهم بين نخبة العمل الإسلامي وقياداته تحت ضغط الحكومات» ، لكن في المقابل يعطي الشيخ أحمد المعلم رؤية متفائلة بقوله: «إن العلماء يوشك أن ينقضوا ما لحق بهم من الضعف، ويتبوَّؤوا مكانهم اللائق بهم، والأمة وقيادات العمل الإسلامي تثوب إلى رشدها وتدرك خطأها في الافتئات على العلماء وتجاوزهم» . ويقف الشيخ محمد الصادق موقفاً وسطاً بين الطرفين؛ إذ يقول إن التراجع: «سيستمر كذلك على الأقلّ في المستقبل القريب، وهنالك أعداد جديدة من العلماء العاملين أخذتْ مواقعها كذلك في قلوب الناس، وربما لا تعود للعلماء مرجعيّتهم التامّة على النحو المطلوب حتى تعود للمسلمين خلافتهم الراشدة» .

ويؤكد الدكتور عبد الستار: على أن الله ـ تعالى ـ: «يزوِّد الأمة كل مائة سنة بمن يجدد لها دينها، وما بين المائة والمائة يبعث أفواجاً لا تحصى من العلماء الذين يبلِّغون رسالات الله، ويعلِّمون الناس» .

س4: هل يُتوقع أن تحقق الحركات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي نجاحاً في المرحلة المقبلة مقارنة بنتائج الفترة الماضية غير المشجعة؟ وما تأثير مستوى التمسك بالثوابت الإسلامية؟

تفاوتت آراء المشاركين في هذه القضية الهامة إلى ثلاثة اتجاهات؛ فقد صرح الشيخ صادق عبد الماجد بتوقعه لتحقيق الحركات الإسلامية السياسية نجاحاً في المستقبل القريب، بينما رهن الدكتور همام هذا النجاح بشروط عدة مرتبطة بواقع الحركات نفسها، وأعرب كلٌّ من الشيخ محمد الزمزمي والشيخ محمد الصادق والشيخ أحمد المعلم عن عدم قناعتهم بتحقيق نجاح يذكر في مجال العمل السياسي لأسباب متفاوتة، كما يؤكدون جاهزية تلك الحركات لتقديم تنازلات عن كثير من الثوابت.

أما الدكتور همام سعيد: فقد اعتبر أن الحركات الإسلامية السياسية لها: «رصيد واسع من التجربة وهي مرشحة للوصول إلى أهدافها شريطة ترتيب أولوياتها؛ بحيث يكون الفقه في الدين على رأس أعمالها، وأن تأخذ بالعزائم لا بالرخص، وأن يحرص قادتها على الورع في الدين، وأن تُخضع شبابها إلى تربية ربانية يكون العلم الشرعي عمادها، وأن تولي موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الاهتمام المناسب لمكانته في الدين» .

لكن الشيخ محمد الزمزمي: ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة؛ حيث يؤكد على أنه مع «الهجمة الغربية الشرسة على العالم العربي الإسلامي ومجيء أمريكا بمشروعها المسمى (الشرق الأوسط الكبير) واعتباراً لضعف النظام العربي ووهنه واستجابته للضغوط الأمريكية القاضية بالتصدي لتيار الصحوة الإسلامية بتجفيف منابع التدين، وتغيير مناهج التعليم، وتنفيذ خطة التطبيع ... إلخ؛ فإنه من العسير على الحركات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي تحقيق نجاح في المرحلة المقبلة، بل إنها ستكون مستبعَدة من أي مشاركة سياسية إلا بالتنازل عن بعض الثوابت الإسلامية» لكنه مع ذلك لا يخلي تلك الحركات من الأمل والدور الإيجابي، فيقول: «غير أن هذه الحركات إذا ما أحسنت الاستفادة من تجاربها السابقة، وعملت بحكمة وتبصُّر، وتعاون وتنسيق بينها في المواقف والأفكار والمناهج، وعرفت كيف تعمل على أسلمة المجتمع فعلاً فإنها على المدى البعيد ستكون بإذن الله طليعة النهضة للعالم الإسلامي» .

ويقول الشيخ محمد الصادق: إن الساحة السياسية اليوم «أشبه بالمستنقع، والخائض فيه لا يكاد يسلم من التلوّث مهما حاول الاحتراز واصطناع الواقيات، وإذا انضاف إلى ذلك تصدُّر غير العلماء غالباً في الحركات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي ظهر الخللُ بوضوح» . ثم يعرض لبعض مظاهر الخلل، فيذكر منها: «المزيد من الانقسامات في أوساط الإسلاميين أنفسهم حتى على مستوى الجماعة والحزب الواحد كما حدث في السودان وتركيا، وكان من ضمن مظاهر التلوُّث تسويقُ الديمقراطية ومبادئها في بلاد المسلمين بغطاء إسلامي، وتسويقُ العلمانية من بعض الحركات التي وصلت إلى السلطة من أجل البقاء فيها أطول فترة ممكنة، وتقديمُ التنازلات بلا حدود حتى ساد أو كاد يسود مبدأ الغاية تبرر الوسيلة عند كثير من السياسيين المُتَعَقْلِنين المنتمين لبعض الحركات» ولذلك فإن الشيخ محمد الصادق لديه قناعة كاملة تجعله يرى أنه «يُستبعَد أن يحقق الممارسون للعمل السياسي في هذه الحركات نجاحاً في المرحلة المقبلة، لا سيما وهم ماضون كما ذكرنا في الإخلال بالثوابت» ويخلص إلى نتيجة واضحة حسب رؤيته وهي: «خير سياسة تتفق مع الشرع هي تأجيل الخوض في السياسة في الظروف الراهنة، وليس تأجيل التّميّز بالإسلام والدعوة إليه، كما انتهى إلى ذلك الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ في آخر حياته بعد تجربته مع السياسة، كما روى ذلك عنه الشيخ الندوي ـ رحمه الله ـ في كتابه (مذكرات سائح في الشرق العربي) نقلاً عن الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، وقرّرالاكتفاء بالتربية والدعوة ولكن لم يمهله الأجل، كما نقل مثل ذلك عن الشيخ البنا الأستاذ فريد عبد الخالق القيادي الكبير السابق في الإخوان في مقابلة له في قناة الجزيرة قبل أسابيع» ، وحتى لا يحدث لَبْس في الفهم، يوضح الشيخ محمد مقصده بالقول إن: «المقصود بتأجيل الخوض في السياسة، تلك السياسة التي تعني السعي للوصول إلى الحكم؛ وذلك لأن البيئة غير مواتية والمقدمات غير واردة» .

ولمعطيات مشابهة يقول الدكتور عبد الستار إنه: «لو أفرط دعاة الإسلام في العمل السياسي فسيجدون أنفسهم أمام معارك لا تحصى ومشاغل لا تنتهي، فيدفعهم ذلك عن الجهد الأساسي، ولذلك ينبغي أن نعمل على التربية وتدعيم معاني الإسلام وتحقيقه» .

ويعرض الشيخ أحمد المعلم هذه القضية الخلافية في عبارات قصيرة لكنها عميقة المعنى، فيقول: «الحقيقة أنها محنة، فترك ذلك الأسلوب بالمرة نخشى من عواقبه غاية الخشية، والاستمرار فيه يوجب ما ذكر عن التخلي عن بعض الثوابت، والأمر يحتاج إلى توفيق كبير من الله، ويجب علينا أن نلح جميعاً في الدعاء والتضرع إلى الله أن يهبه إخواننا في ذلك الاتجاه وكافة اتجاهات العاملين للإسلام» .

س5: هل يمكن أن تذكروا لنا في نقاط محددة أهم الدروس المستفادة من تجربتكم في العمل الإسلامي في الحقبة الماضية؟

لا غنى للحركات الإسلامية عن خبرات وتجارب رموزها وقادتها، ولا نبالغ إذا قلنا إنه ما من خلل في العمل الإسلامي إلا وفي تجارب السابقين دلالة عليه ونصح فيه، ولكن العبرة بمن اعتبر ونظر ثم ادَّكر. وقدم المشاركون في هذا التحقيق ـ الجزء الثاني ـ عدداً من الدروس القيمة التي يفتقر إليها العمل الإسلامي، نذكر أهمها منسوبة إلى قائلها، مع التنبيه إلى أن هذه الدروس إنما هي انعكاس للرؤية التي يحملها ويتبناها قائلها، وقد يتفق أو يختلف معه الآخرون:

الشيخ صادق عبد الماجد: يذكر دروساً من تجربته في العمل الإسلامي التي تمتد لأكثر من ستين عاماً، ومنها: «احترام القيادة والنظر إليها كمسؤولية ناءت بها الجبال، ولا قداسة لحاملها فرداً أو أفراداً ـ الحرص على النأي عن الدنيا مهما علا منها صوت ندائها؛ فإن الاستجابة لأول نداء منها لن تتوقف بعده أصوات ندائها الأخرى ـ الحرص والمثابرة على التربية، فهي عماد الحركة كلها وبغيرها لن يستمر البنيان ـ ضرورة المشاركة والمتابعة مع الوعي التام ولو عند طائفة معينة في الجماعة للعمل السياسي في دقة وعمق - عدم مصادمة النظام - أشد ما يضعف العمل بل يوقفه في النهاية مراكز القوى أو ما يسمى بـ (الشللية) أو البطانات المقربة من المسؤول» .

الدكتور همام سعيد: يذكر من معالم تجربته في العمل الإسلامي: «العمل الإسلامي المنظم هو أفضل محضن للتربية ـ التوسع في الكم على حساب الكيف أمر خطير على العمل الإسلامي ـ العمل الإسلامي بحاجة إلى معايير دقيقة للعضوية ـ لم يعط العمل الإسلامي العلماء دورهم المنشود» .

الشيخ محمد الزمزمي: من أهم الدروس التي ذكرها الشيخ: «ضرورة الإخلاص لله في العمل والعلم والدعوة والعبادة وما يجره من توفيق إلهي ـ ضرورة التسلُّح بالعلم الشرعي وخاصة القرآن والسنة، والإلمام بالفقه والتاريخ وإتقان لغة الخطاب، مع سعة الاطلاع والثقافة والمعرفة، وهو ما يمكِّن الداعية من قوة الحجة والإقناع وحسن التأثير في النفوس والقلوب ـ ضرورة استقامة الداعية إلى الله ظاهراً وباطناً، والمحافظة على حسن السمت والتواضع والرحمة والشفقة على الخلق والتلطف معهم والترفق بهم ـ وجوب السعي في توثيق الصلات بين العاملين للإسلام والعمل على الاستفادة الذكية من كافة الكفاءات والمؤهلات - ضرورة وضع ميثاق شرف للعمل الإسلامي يحكم علاقة الحركات والجماعات الإسلامية في البلد الواحد بعضها ببعض بما يضمن الوفاق بينها والوئام، ويجنبها أسباب النزاع والخصام - ضرورة جعل الدعوة إلى الله وإحياء معالم الدين ونشر أعلام التدين (تحفيظ القرآن، الحديث، السيرة، الفقه، الآداب الشرعية، التاريخ الإسلامي ... إلخ) أُولى الأولويات وأول مرحلة في العمل الإسلامي لدى الحركة الإسلامية، بما يفضي بالتدريج إلى أسلمة السواد الأعظم من المجتمع باطناً وظاهراً.

- تأجيل أي انخراط في عمل سياسي رسمي أو شعبي إلى ما بعد قطع شوط كبير في أسلمة المجتمع بما يجعل العمل السياسي فيما بعد مطلباً شعبياً لا عملاً نخبوياً منعزلاً» .

الشيخ محمد الصادق: يذكر من الدروس المستفادة من تجربته في العمل الإسلامي في اليمن والتي امتدت لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً: «الجماعات الإسلامية التي يمكن أن يشملها الإطار الواسع لأهل السنة والجماعة فيها خير كثير، وحفِظ الله بها كثيراً من شباب المسلمين من الانحراف، وأحيا بها الدين في مجالات عديدة، ولكنها ليست معصومة، ولا تسلم من السلبيات كما ذكرنا من قبلُ، ولا توجد جماعة في مقام الصحابة أو في مقام أهل بدر، وقد وُجد ممّن كان حول الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَن هم من المنافقين، فكذلك كل جماعة يمكن أن يوجد فيها من هؤلاء ـ الصالحون وأفراد الطائفة الناجية موزّعون في هذه الجماعات وخارجها، ولذلك يجب التعاون مع هذه الجماعات كلها في كل خير تقوم به ومع غيرها ـ يجب إقناع هذه الجماعات أفراداً وقيادات أن التجربة أثبتت خلال ما يقرب من قرن عجْز كل جماعة على حِدَة عن استعادة الخلافة، ولا يمكن لهذا المشروع العظيم الذي يهمّ جميع المسلمين أن يتحقق دون تعاون المسلمين ـ أثبتت التجارب أن الهياكل السرية داخل بعض الجماعات، واستخدام الأساليب الاستخباراتية أضرارها كبيرة وفي أجواء السرية المظلمة قد يتسلق غير الأكفاء، وقد يسيطر الانتهازيون ويتحكمون في المفاصل، ويجندون الطاقات لخدمة تحالفهم، ويرفعون الموالين، ويستبعدون غيرهم ولو كانوا أكفاء صالحين؛ لذلك لا بد من نشر الوعي بأن السرية استثناء ولا تكون إلا بقدر الضرورة» .

الشيخ أحمد المعلم: يركز الشيخ على قضية أساسية وهي أن طالب العلم والداعية إلى الله ـ تعالى ـ كلٌّ منهما ينبغي «أن يصدق مع الله ثم مع نفسه، وأن ينطلق في أقواله وفتاواه ومواقفه من قناعاته الذاتية التي بناها على الأصول العلمية في البحث والنظر، وأن يراجع ويشاور من يظن أن لديه خبراً يمكن الاستفادة منه، لا أن تحركه العواطف وتستفزه الأحداث أو ضغوط الواقع أو رغبات الأتباع وميولهم، فيفتي أو يصرح بما يرى أنه يجمع به جماهير الأتباع، ويحافظ عليهم؛ فإن ذلك قد يصل إلى درجة المداهنة التي يظنها بعضهم فقط مذمومة إذا كانت مع الحكام والكبراء؛ فإن القول بخلاف ما تعتقد من أجل الإبقاء على مكانتك هو من المداهنة المذمومة سواء كان مع الأتباع أو المتبوعين» .

الدكتور عبد الستار سعيد: يذكر الدكتور بعض الدروس منها: «عدم الدخول في معارك جانبية استفزازية لأي قوة من قوى المجتمع ـ لا يصح أن نستعمل أساليب العنف والسلاح وما إلى ذلك إلا مع الأعداء الخارجيين؛ أما الداخل فسبيله الدعوة والنَّفَس الطويل، والصبر الجميل» .

س 6: ما هي أهم المعوقات والمبشرات في طريق العمل الإسلامي؟

رغم كثرة المعوقات التي ورد ذكرها في مشاركات الضيوف الكرام، إلا أن المبشرات أيضاً كان لها نصيب وافر، وقد غلب على المشاركات التركيز على الواقع المحلي بحسب المشارك، إلا أن النظرة الإجمالية تعطي انطباعاً بتشابه أغلب الدول الإسلامية في كلا الأمرين: المعوقات والمبشرات.

الشيخ صادق عبد الماجد: اعتبر أن اتخاذ الدولة للشريعة الإسلامية دستوراً أمر يبشر بخير «رغم ما كان يعتوره في بعض الأحيان من قصور في المتابعة التامة بسبب تطاول الأحداث الداخلية والخارجية عليها مما أخذ منها حيزاً ضخماً من الجهد والوقت» وذكر أيضاً من المبشرات: «وقوف الشعب مع شرع الله وتأييده النابع من صميم ذاته للحكم بالإسلام مبشر آخر له أهمية قصوى ـ وهناك حركة التدين الآخذة في الصعود عند الشباب وفي الجامعات ومعاهد العلم - وتحتل الحركة الإسلامية مكانة ممتازة عند الجماهير بمواقفها وتاريخها الطويل النظيف مما يرشحها للتواجد المميز في المواقف السياسية والدعوية - يكرس اليساريون بكل أسمائهم نشاطهم في محاولة مستمرة للمساس بحركة العمل الإسلامي، ولكن دون تأثير يذكر» .

الشيخ محمد الزمزمي: يقول الشيخ: «في طريق العمل الإسلامي بتونس معوقات كثيرة وعقبات كأداء ليس من اليسير إحصاؤها أو حصرها في هذه العجالة، وحسبنا أن نذكر بعضاً منها: السلطة الحاكمة بما لها من اتجاه بل منهاج علماني إلحادي معاد للإسلام والصحوة الإسلامية ـ التيارات الإلحادية والعلمانية المتغلغلة في نخب المجتمع والدولة التونسية ـ ضعف الوعي بخطورة التيار العلماني على الإسلام لدى عموم المجتمع التونسي - سياسة الإبادة المنهجية المستديمة التي تتوخاها الحكومة ضد الإسلام والحركة والصحوة الإسلامية على الصعيد التعليمي والإعلامي والثقافي» .

ولكن مع هذه الصورة القاتمة، فإن الشيخ الزمزمي يرى في ثنايا الأزمة بريقاً يَعِدُ بخير، فيقول: «في هذا الظلام الدامس تشرق في تونس لوامع مبشرات عظيمة بظهور الإسلام من جديد نذكر منها: ظاهرة عودة الأجيال الجديدة إلى المساجد بكثافة هائلة رغم الإغلاق القسري للمساجد والجوامع في القطر التونسي كله ـ إصرار بنات تونس ونسائها على اتخاذ اللباس الشرعي رغم الحظر القانوني والملاحقة البوليسية المستمرة ـ سعي الأهالي إلى تعليم أبنائهم القرآن الكريم رغم العراقيل الحكومية، وإقبال الشباب التونسيين على الدراسات الشرعية في الجامعات الإسلامية بالخارج ـ تعطش أهالي تونس، نساء ورجالاً وشباباً، للمعرفة الشرعية؛ ويتجلى ذلك واضحاً في أسئلتهم واستفتاءاتهم الكثيرة، ومتابعتهم الشعبية الواسعة لبرامج القنوات الفضائية الإسلامية كقناة (إقرأ) وغيرها ـ إخفاق سياسة الدولة الإعلامية والدعائية في نفي الإسلام من المجتمع التونسي.

الشيخ محمد الصادق: يذكر من أهم المعوقات: «تزايد المؤامرات والأفكار الأجنبية وتزايد الفساد الناشئ عن ذلك ـ تنافر الجماعات الإسلامية، وتنافر الأجنحة داخل بعضها، واجتهاد بعضها في التحالف مع القوميين والاشتراكيين، مع عدم الاجتهاد في الأخذ بأسباب التنسيق مع الجماعات الأخرى ـ عدم اجتماع كلمة العلماء مما سبّب تعدّد الخطاب الديني ـ الترويج لبعض الشذوذات وتبنيها، كتولية المرأة ونشر الأغاني وحلق اللحى ونحو ذلك بحجة الانفتاح، والتعايش مع العلمانيين والمبتدعين ومع المنكرات والمفاسد بحجة التدرج والتسامح ... إلخ.

ويذكر الشيخ من مبشرات العمل الإسلامي: «تزايد أعداد الشباب الملتزمين بالدين باستمرار ـ تزايد أعداد طلاب العلم الشرعي، وتخرّج علماء جدد من بينهم ـ انتشار الوعي الإسلامي في مختلف القرى والمدن ـ وجود طلائع من كافة الجماعات أخذت تتبنى تعميق الأخُوَّة فيما بينها، وتدعو إلى ضرورة جمع الكلمة في ضوء الكتاب والسنة، ودائرة هذه الطلائع آخذة في الاتساع يوماً بعد يوم ـ وجود بعض المساعي للتنسيق بين العلماء» .

الشيخ أحمد المعلم: يبدأ الشيخ أحمد المعلم بالمعوقات فيذكر منها: «المرض العام المستشري لدى الجميع وهي الفرقة والخلاف والعصبية - عدم القدرة على استغلال الفرص المتاحة وهي كثيرة ولله الحمد ـ الاسترواح إلى الوضع الجيد الذي نعيشه اليوم دون التطلع لما يمكن أن يحدث في المستقبل، والتخطيط السليم له تخطيطاً بعيد المدى ـ استهداف الأعداء لليمن، واعتبارهم أنه من أمنع القلاع التي يتحصن فيها الإسلام ودعاته» .

ويذكر الشيخ من المبشرات: «سقوط معظم المؤامرات على اليمن وأهله، ورجوع المتآمرين على أعقابهم خائبين ـ انتشار الصحوة الإسلامية في جميع شرائح المجتمع اليمني وسائر بقاع اليمن - لم تعد الصحوة والتوجه السني هنا محصوراً في الشباب وحدهم، بل أصبح يضم كبار السن من جميع الشرائح، وكذلك تغلغل في الجانب النسوي بشكل كبير ووصلت آثاره ومظاهره كافة البيوت ـ هناك محاولات متنوعة لجمع الشمل وتوحيد الكلمة أسأل الله أن يتمها على خير» .

الدكتور عبد الستار سعيد: يذكر الدكتور عبد الستار معوقاً هاماً هو: «بطلان الحاسة الدينية في الجمهور، ومن ثم ينبغي أن نسهر طويلاً على إحياء الحالة الدينية في الشعوب؛ وبطلان الحاسة الدينية يجعل الناس لا يبالون بالدين ولا بالآخرة ولا بكلمات الله إذا قلتها لهم» .

أما المبشرات فيذكر منها: «لقد مرت على أمتنا أهوال لا تقل عن هذه الأهوال، والواقع أن هذه الأمة كانت تنتبه للخطر الداهم حينما تفاجَأ بالأحداث» .

الدكتور مصطفى حلمي: يلفت الدكتور مصطفى إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي أن: «مظاهر الإسلام ما زالت بادية، وينبغي أن نقيس مقدار ثبات الأمة من خلال هذا التوازن، نعم! هناك كبوات ومزلات كبيرة وكثيرة، لكن لو وضعت في إطار حجم المكر نوعًا وكمّاً فلا شك أن الأمر يبشر بخير» . وذكر أيضاً من المبشرات أن: «الأجيال الجديدة رغم بُعدها عن الإسلام إلا أن شعورها بالحاجة إلى الإسلام يمكن أن يكون سبباً في عودتها وتمسكها نتيجة المعاناة الشديدة التي يعانونها من غياب الإسلام في المجتمعات» .

1 - نذكر على سبيل المثال قانون المساجد رقم 34 لسنة 1988م المؤرخ في 3/5/1988م الذي سنته الحكومة التونسية وهو يقضي بمنع التدريس في المساجد وتسليط عقاب على المخالفين. وبموجب هذا القانون تعطلت رسالة المسجد في القطر التونسي، واقتصرت مهمة المسجد على الصلوات؛ فما تفتح المساجد إلا لدقائق معدودة لأداء الصلاة. أما ما عدا ذلك فالمساجد مغلقة الأبواب طوال الوقت.

2 - راجع في ذلك كتاب بعنوان: (تونس. الإسلام الجريح) ، لمحمد الهادي مصطفى الزمزمي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015